بعد عامين من العدوان والمعارك المتصلة – كابد العدو ومازال يكابد آلاف الهزائم المرة التي دمرت بنيته العسكرية والسياسية والمعنوية وعادت عليه بالنكسات والكوارث على مختلف الجبهات والمحاور-وفي نهاية العام الثاني من العدوان كان العدوان في جميع المحاور يتراجع بشكل واضح بعد أن أنهكته المواجهات الخاسرة – المتواصلة والمستمرة – دون آفاق لعدوانه الغادر سوى المزيد من الاخفاقات والفشل.
وقد اتبع سياسة جديدة أبرز ما فيها أنها في ظل التقهقر العام يطلق هجومه الكبير على الجبهة الجنوبية الغربية - على ساحل تعز - المخا مطلع العام الجاري ومازال منذ ذاك منغمساً بشدة في عمق الحملة العسكرية الجديدة التي هدف منها أن يسيطر على الساحل الغربي لتعز، وأن يتجه لإسقاط مركز تعز المحافظة على الطريق للاتجاه بعدها نحو إسقاط الحديدة بعد أن يكون قد أمّن قاعدة الانطلاق الرئيسة.
مر إلى الآن 130 يوماً منذ أطلق حملته الجديدة على الساحل الغربي، ومازال في الأطراف الرملية من الساحل حيث كان في بداية الحملة، على الرغم من أنه يسيطر على بعض المناطق المكشوفة على الشريط الساحلي الضيق الفاصل بين البحر والبر، وعلى الرغم من محاولاته تصوير هذه السيطرة على الأرض الساحلية المجاورة للبحر المحاذية له بطول 80 كيلومتر من باب المندب إلى المخا - يختل شمالاً، وكأنه إنجاز عسكري استراتيجي كبير؛ إلا أنه في الواقع ليس كذلك، صحيح أنه قبل الهجوم لم يكن يسيطر على هذه المساحة الساحلية الممتدة بطول ساحل المحافظة الغربي.
حشد العدو اعتماداً على الحراك الجنوبي ومرتزقة الإمارات والسعودية والأمريكان عشرات آلاف المرتزقة بأعداد كبيرة فاقت الأربعين ألفاً تركزت في المحاور المتجهة القريبة من الساحل الغربي لتعز لتخوض المعركة.
تضمنت القوات المحتشدة في حوالي عشرة ألوية أغلبهم مجندين جدد، والباقون حشدوا من الحراك والجنود السابقين ومن القاعدة وداعش والجنجويد الذين تم شراؤهم من البشير وبأسعار بخسة، وتوزعت القوات في عدة محار وجبهات فرعية:
1- كهبوب الوازعية - العند – المضاربة - العارة – المندب، وفيها عدة ألوية لاحتواء تقدم الجيش والأنصار على هذا المحور بوصفه المحور القاعدة الرئيسية للعدوان على هذه الجبهة التي تنفتح بعدها مباشرة على معسكرات العدوان في السقيا والمضاربة ورأس العارة ورأس عمران وخور عميرة والحجفات – والمندب – ومن الجانب اليمني ينفتح على الوازعية المعافر - جنوب غرب تعز – مشكلاً أخطر تهديد حربي من هذه الجهة، وقد حلم العسكريين القدامى بالتطويق الخاطف لتعز من هذا المحور القريب جداً إلى قلب هضبة تعز الغربية؛ ولذلك كانت خططهم تقوم على أساس الصدام في العند لوقف الخصم هناك والهجوم في الوازعية لاختراق مؤخرة الخصم ومجنباته الغربية وتطويقه من خلفه، وهي جوهر لعبة الحرب القديمة التي ظلّ يتبادلها الشمال والجنوب في ظِل الاستقطاب الدولي القائم آنذاك، وسيطرة السعودية عبر حلفائها المحليين وما تزال الجيواستراتيجية ثابتة رغم تغير الأنظمة السياسية؛ مما يمنح المحور الأهمية القديمة من حيث هي:
بينما فشل الهجوم الأول كبير على جبال كهبوب والقرون الخمسة فقد تراجع العدو بعد انكسار الهجوم، واتجه إلى محاور أبعد من الجنوب إلى الشمال للسيطرة على مفصل البرح موزع انطلاقاً من السيطرة على المخا يختل الكدحة.
نظرياً، على العدو أن يهاجم أولاً جبال كهبوب ويسيطر عليها؛ لأنه القوة الرئيسية الخطرة المهددة للعدوان في قلب قواعده، وقد فعل؛ ولكنه بعد خسارته غيّر اتجاه الضربات نحو أهداف أخرى أبعد، وبهذا وقع العدوفي أول واهم أخطائه الاستراتيجية، إذ غير الهجوم تجاه جبال العمري من جهة الساحل الغربي كان هذا هو الهدف الرئيس من جهة الغرب؛ لأنه يشرف على الطريق لساحلي إلى المخا، وأكبر كتلة عسكرية جبلية حصينة، وواجه الاخفاقات مجدداً وبدلاً من التراجع والتعلم من الدرس الأول راح يتجه شمالاً نحو المخا، وبهذا ارتكب مغامرته الثالثة الخاطئة استراتيجياً، ولهذا اضطر إلى توزيع وبعثرة قواته على طول المسافة - 100 كيلومتر- وتحولت إلى مجرد حراس لتأمين الطريق الساحلي واحتواء تحرك الجيش واللجان الشعبية في جبال العمري المطل على البحر والساحل.
وعندما وصل إلى المخا كان ثلثا قواته قد استنفذت في مهام جانبية إدارية في الطريق، فلم يبق لديه سوى بضعة ألوية يتحرك بها على النسق الأول للمواجهات، لمواجهة القوة الرئيسية للجيش والأنصار المسيطرين على المرتفعات، وبعد معارك استنزافية طويلة حاول التقدم نحو المرتفعات القريبة من معسكر خالد، وهنا انفجرت المقاومة العسكرية اليمنية الهائلة التي أفقدته صوابه والتي كانت تنتظره طويلاً، وتوزع المجال أمام توغله في الساحل المكشوف الطويل، اعتقد العدوان أنه سيتقدم على الساحل ويحقق منجزات؛ لكنه اكتشف متأخراً أنه قد وقع في فخ لن يخرج منه سليماً أبداً.
لم يفهم العدو أنه وهو يتحرك للأمام تحت حماية الطيران المعادي أمكن له تقليل الهجمات اليمنية مؤقتاً، كما أن الجيش واللجان كانا قد استدرجاه قليلاً للتقدم على الساحل لتجزئة قواته، ليصل إلى المخا ضعيفاً منهكاً، وهو تكتيك كوتوزوف الشهير القائل: "دع العدو يتقدم قليلاً داخل أرضك في المناطق البعيدة عن مراكز قواته، فيسهل ضربه أينما تختار أنت، وتهزمه على الأرض التي تكون غريبة عليه، فأنت تتحرك في أرضك بحرية تامة وتلتف عليه؛ لكنه لا يطيق الحركة خارج الخطوط الخارجية الرئيسية".
وكما لا يمكنه السيطرة على الخطوط الداخلية للبلاد مما يمكن محاصرته وتطويقه والقضاء عليه بإغارات خاطفة تحطم معنوياته قبل أن تسقطه أرضاً.
مر العدو بمراحل استنزاف طويلة إلى الآن وهو ينزف يومياً دون تحقيق هدف، أو السيطرة على أي موقع ذي قيمة، أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وجريح وألف وخمسمائة مدرعة وآلية فقدها على الساحل خلال المغامرة الأخيرة، ما إن وقع أمام مرتفعات الكدحة النار والمفرق والهاملي ويختل حتى دارت الدوائر على العدو من كل جانب.
نهاية الشهر الثالث من الحملة كان قد وصل إلى قرار بالانسحاب بعد مواصلة الخسائر دون نتيجة تستحقها، وبعد تعيين قائد جديد للهجوم بعد مقتل القائد الأول ومرافقيه في الهجوم الأول في اليوم الأول للحملة، فقد تم تعيين العميد عبد الغني الصبيحي بعده - وهو أهم عناصر السعودية والاخوان والوهابية في المنطقة - وكان أول قرار اتخذه هو الانسحاب نحو المناطق الساحلية الجنوبية أي نحو المندب، وقد فهم مدى خطورة موقفهم بعد أن اشتدت الاغارات الحربية الخاطفة للجيش على مناطق ذو الباب والجديد والكدحة على الطريق الرئيسي للعدوان في أخطر محاوره ونقاط ضعفه، فقد توجه نحو الهجوم على جبال العمري لكنه فوجئ بضياع لواء كامل في الحصار - في جبال حوزان - القريبة من الساحل، وأعلن عن فقدان أهم كتائبه الثلاث، ولم يتمكن من سحب البقايا منها إلا بعد حملة طيران ليل نهار وكان اللواء قد إنهار معنوياً ومادياً.
بلغ الانهيار المعنوي الإداري مداه فقد وصلت كتيبة بكاملها هاربة إلى عدن، خالية الوفاض من السلاح متسلسلة تسللاً من جحيم الألغام والمعارك اعترفت بها أجهزة إعلام العدو والحراك في عدن.
اللواء هو أهم ألوية العدوان في الحملة فهو لواء حزم (زايد الثالث) قائد الهجوم، وعندها فهم العدوان معنى الوقوع في الفخ، توقف عن التراجع الجماعي فاتجه شمالاً وشرقاً في محاولة لفتح محاور للسيطرة على الطريق الرابط بين تعز المخا، لكنه ظل يدور ويعود ويدور في ظل خسائر انتحارية كبيرة دون أن يحقق أي تقدم.
هكذا أصبح وضع العدو على الساحل لا يمكنه التقدم ولا التراجع إلى المندب، وهو موزع على مساحة طويلة والجيش واللجان الشعبية يشنون الغارات عليه في كل مكان، إذاً فقد حاول الاتجاه شمالاً نحو حيس عبر يختل، لكنه اصطدم بما لا يتصوره من المقاومة الحربية، وأخيراً عاد ليحصر هجماته على مفرق موزع.
التطويق من بعد- اراد العدو ان يطوق الجبل اليمني من خلال مناوراته تلك وأن ينقض عليه من مؤخرته الشمالية الشرقية في موزع والوازعية مقبنة، وقد أغرته جغرافية الساحل - الكدحة - المعافر - مقبنة التي تنفذ على غرب مدينة تعز المحافظة، فإذا وصل العدو إلى المخا فإنه يكن قد أصبح على بعد كيلومترات قليلة من المركز؛ فالسيطرة عل تعز تتأتى من جهة الساحل فهي أضعف نقاط دفاعاته حسب تفكير العدو.
وفي مواجهة هذه الهجمات الغادرة من مرتزقة الداخل ومن الخارج شن الجيش واللجان هجمات مضادة أسفرت الأسبوع الماضي عن انهيار جبهات الكدحة المعافر البيرين - وتقدم الجيش واللجان نحو منطقة العفيرة المطلة على الطريق الرئيسي على بعد 4 كيلومترات من البيرين النشمة
وهذ يعني بداية انتكاسة جديدة لمرتزقة الداخل الذي كانوا قبل الهجوم يسيطرون على العفيرة - كما تقدم الجيش واللجان - من يومين ليصلوا إلى تبة القرون وحواليها من مواقع على نفس المحور – مستهدفاً تهديد خط إمداد الجيب العدواني الداخلي تعز - طور الباحة.
وفقاً للحرب الخاطفة العدوانية لا يمكن للعدو أن يسيطر على تعز في معركة مباشرة كبرى واحدة، وإنما عبر معارك جزئية طويلة متفرقة متباعدة على مراحل وأطوار مختلفة.
أخيراً تركزت هجمات العدو بشكل رئيسي من محاور المخا الكدحة موزع المعافر من الخارج، بينما يطلق العدو من الداخل من غرب مدينة تعز حيث يحاصر هناك هجوما كبيرا اخرا مساندا العدو المهاجم الزاحف من الخارج من الساحل هو هجوم للمرتزقة الزاحف من داخل غرب مدينة ومحيط تعز الجنوبي الغربي نحو مناطق المعافر الكدحة مقبنة.
خطة العدو هي أن يشتت الجيش واللجان أمام هجومين في وقت واحد، وأن يقسم قواتهما بين الجبهتين، فيسهل اختراقهما من الأمام.
1- إطلاق الهجوم المباشر من الكدحة باتجاه المعافر الداخلي من الضباب مقبنة المعافر الكدحة؛ حيث يوضع الجيش بين نارين من الداخل من الخلف ومن الأمام، فيضطر إلى التراجع جانبياً نتيجة ضغط مزدوج؛ فيتحقق مراد العدو في خطته وهو أن تلتقي القوتان من الداخل ومن الخارج فيتحقق اجتياح تعز من الغرب إلى الشرق وما بعدها نحو الحوبان وما بعدها.
سيناريو "تمرحل" الهجوم الكبير القادم للعدوان كما يخطط له:
1- المرحلة الأولى الحالية وهي تنتهي عند تلاقي القوتين العدوانيتين في البيرين – المعافر - مدينة تعز من غربها.
2- يتم توجه القوتين كقوة واحدة نحو اجتياح شرق المدينة من الضباب ومن صبر ومن مقبنة وجبل حبشي -باتجاه الجيش واللجان - هجدة ورمادة التي تسقط بعد الالتفاف عليها من الشرق، والسيطرة على خطوط الساحل من تعز الرئيسي المفرق البرح - والفرعي الكدحة المعافر - والجنوبي طور الباحة التربة الضباب - تعز.
3- في المرحلة الثالثة بعد ترتيب كافي يكون الجيش واللجان قد انغمسا في مواجهة واسعة اضطرتهما إلى التراجع قليلاً نحو الداخل - إلى الحوبان مثلاً - حسب تقدير العدو، وتكون كامل المدينة قد تم السيطرة عليها.
يستعد العدو للهجوم التالي الكبير اعتماداً عل تدفق القوات عبر الخطوط البرية الثلاثة التي تنفتح كلها على البيرين - النشمة - الضباب - المسراخ – تعز، وتكون بهذا قد حققت نصف الهدف الرئيسي.
4-تفتح جبهة الهجوم الجانبي علي محور العند - الراهدة - الدمنة ومعها تفتح جبهات الأعبوس - الصلو - سامع – العروس للسيطرة على الطريق الرئيسي الحوبان الدمنة الراهدة – من الشمال، في هذه المرحلة يمكن للقوات الأجنبية الاحتياطية على الساحل الغربي وباب المندب وخليج عدن أن تزج بقواها إلى المعركة الكبيرة عبر خطوط الساحل الثلاثة المفتوحة مستخدمة ما تملكه من قدرات مالية وفنية ومادية كبيرة، وستكون المجوقلات قد تم التمهيد لحركتها بما تم انجازه على الأرض.
كما يمكن أن تستخدم المروحيات والمجوقلات في النقل السريع وطائرات النقل العملاقة التي ترابط الآن أربع منها في مطار عدن ولحج وهي نوع - سي 130 الأمريكية، والتي ستبادر إلى نقل القوات الاحتياطية الأجنبية المتكدسة في قواعد البحر الأحمر وخليج عدن.
ستكون معسكرات الحوبان والمطارات والقاعدة الجوية هي الهدف الرئيسي الأهم في العملية التالية، وهذه المناورة سوف تحدد حتماً مصير القوات التي تسيطر الآن على مشارف العند وكهبوب والوازعية، دون حاجة للاشتباك المميت معها فسيتكفل الطيران القاصف الثقيل ومن كل العيارات بأمره؛ لأنها تكون قد حوصرت من كل مكان، وبهذا تكون المعركة الكبرى لتعز قد حسمت لصالح العدو، بأسلوب التقدم غير المباشر والالتفاف حسب تخطيط العدو وأمانيه، وتلك هي نصف الصورة فقط!
على ماذا يراهن العدو في أحلامه تلك؟ يراهن العدو على مجموعة قواعد يسيطر عليها هي:
وهي :1- قلعة –المقاطرة
2- جبل منيف-حنو - الزريقة شمالاً وغرباً
3-جبل ارف المقاطرة جنوباً.
4-جبل جرداد بني عمر.
5-جبال الزعازع المساحين.
6- السيطرة على طور الباحة لحج - المفاليس وطريق الباحة - المقاطرة - التربة
7-تكدس سابق للأسلحة ووجود أعداد كبيرة من المرتزقة من الداخل والخارج. 8- القدرات الفنية والمادية والتقنيات والدعم اللوجستي التي تكفلت بها اتفاقية ترامب - سلمان الأخيرة في الرياض، ومنها الصفقة العسكرية التي تفوق قيمتها المباشرة 110 مليار دولار، وتصل لاحقاً إلى 350 مليار دولار.
أهم ما تتضمنه الصفقة هو توريد عدد جديد من المجوقلات والمروحيات والنقل الكبيرة، تصل إلى 100 طائرة، كما تضم سفناً حربية جديدة بمدافع 75 ملم، ومنظومة صواريخ مضادة للصواريخ نوع "ثاد" الحديثة، و 100 دبابة إبرامز، وطائرات عملاقة للنقل والقصف، وهذه الصفقة تفسر لنا ما تريد السعودية أن تفعله الآن ولاحقاً فهي معادل موضوعي للخطة الاستراتيجية وتمهيداً لها.
2 - سيتركز الرهان أكثر على طريق طور الباحة - الصبيحة شمال الزريقة -النشمة –تعز الذي يمر في مناطق تحت سيطرة العدو.
1-تواصل دحر المرتزقة في مواقع الكدحة المعافر والتلال الحاكمة المشرفة على الطريق الرئيسي.
إما أن يتقدم فينتحر، وإما أن يتراجع فيندثر، وبهذا الوضع يكون العدو قد وضع نفسه أمام خيارات صعبة انتحارية؛ حيث كشفت استرتيجيته وأفكاره مبكراً من قبل القيادة الوطنية فاستبقته وأهالت عليها التراب.