المقاول الغشاش
أمريكا ليست أبداً مقاولاً نزيهاً، وبالنسبة لها فإن الحرب يجب أن تمر على أي وجه كان، سواء كسب أصدقاؤه أم خسروا، المهم أن تستمر الحرب، لأن ذلك فيه حياتها أو موتها، اقتصادياً ومالياً فهي بحاجة أن تواصل مكائن السلاح بالدوران، وهي تطمح إلى إفراغ خزائن هؤلاء الأعراب الأجلاف المليئة بثروات لا يملكونها، ولا يستفيدون منها على النحو السليم، إنهم يعبثون ويجرمون ويفسدون العالم كله بتلك الأموال، كما تسعى أمريكا إلى استعادة وتدوير الفائض البترودولار ليعود إلى توازنه الأصلي فيستقيم الاقتصاد الغربي والأمريكي؛ ولذلك هي مستعدة وأجهزتها أن تبيع للطرفين من الأسلحة والمعدات والخبرات لكي تستمر الحرب بالوكالة لعبة أمريكا المفضلة.
الخطة "ب" ولعبة المستحيلات
إذا توصلنا إلى أن العدو قد أهدر طاقاته طوال العامين والـ100يوم الماضية في خطط مخفقة فاشلة؛ فإنه لا يزال يصمم لمرتزقته خططاً بديلة عن إسقاط الحديدة - مثلاً – بدون السيطرة على الساحل الجنوبي والشمالي للميناء.
استراتيجيات جديدة قديمة: الهجوم البحري الجوي المباشر على الميناء
نظرياً ممكن تصور مثل هذه التصورات الطموحة إذا كانت القوة الغازية تمتلك القوى الكافية للتنفيذ على الأرض وتحمل النتيجة والأكلاف البشرية للعملية المجنونة.
تعود الذاكرة بترامب إلى مطالع القرن الماضي ومنتصفه حين كانت أمريكا تحتكر القوة والثروة والتقدم منفردة في العالم، حين كانت القوة الأمريكية على الأرض لا تضاهيها أي قوة في العالم نوعاً وكماً وممارسة وفنية، وكانت قد راجت في الأفلام الحربية الأمريكية الكثير من الأوهام عن القوى الخارقة للقوات الأمريكية الخاصة في الحرب الثانية وفي الفيتنام والعراق وأفغانستان كالمارينز وفرق التدخل السريع.
والحقيقة الموضوعية هي أن هذه القوات منذ عقود لم تدخل أي معركة جدية وفازت بها!!؛ فإن ممارساتها في العراق وأفغانستان لم تكن سوى استعراض للقوة خلف قوات أخرى تتحمل العبء الحقيقي للحرب باسم التحالف الدولي.
القوات الجوية تمارس وحدها لعبة الحرب من بُعد، وأقصى ما كانت تبرع فيه القوات الخاصة هو مباغتة حفنة مجرمين أو خاطفي طائرة أو حاجزي رهائن قليلي الخبرة بالحروب، أو مطاردة فارين في الصحراء أو ضرب المدنيين من الجو، لقد أعجزتها وأساطيلها قرية صغيرة في أطراف الساحل الغربي لليمن (ميدي) ومع ذلك لنرى ما يمكنها أن تفعله؟
الرهان الأمريكي في الحديدة
1- تراهن أمريكا على التغلب على الدفاعات الساحلية للجيش اليمني على شاطئ الحديدة عبر افتراض قدرتها على تدمير وتنظيف المواقع الدفاعية والألغام البحرية وفتح الطريق إلى الساحل أمام البوارج الحربية وما تحمله من معدات وأسلحة ومرتزقة.
2- الرهان الآخر هو الرهان على قيام القوات الخاصة بالإنزال الجوي من خلف القوات اليمنية حول الحديدة وتطويقها والزحف عليها من الخلف ومن الأمام وقطع الطريق على القوات اليمنية في الداخل وفي المحافظات المجاورة.
3- إبقاء الحديدة تحت نيران جوية وبحرية كثيفة جداً.
يتضمن هذا المخطط إعداد قوات نوعية كثيفة جداً يتم حملها عبر الجو والبحر ومداهمتها الميناء دفعة واحدة معتمدة على المباغتة، ومعنى هذا حشد قوات خاصة تصل إلى مجموعة جيوش (ثلث مليون) على الأقل، وقد طلبت الإمارات – وفق ما صرحت به - أنها تحتاج إلى 150 ألفاً من المقاتلين إلى الحديدة وهذا محال.
ومع ذلك سنفرض أنها نجحت في اختيار مناطق فارغة حول الحديدة وقرب الساحلين الجنوبي والشمالي وغامرت بغتة فأنزلت قواتها محمولة على الطيارات العملاقة وعبر المجوقلات والمظلات وتم لها تدمير الدفاعات البحرية.
وتم لها إنزال القوات من الجو والبحر والمرتزقة
وسيطرت على مربع من الأرض ودافعت عنه جيداً أمام اندفاع اليمنين القادمين من المناطق القريبة للدفاع عن وطنهم وافتدائه والاشتباك مع العدو الغازي.
إن ثلث مليون جندي على الرمال يمكنه أن يؤمن مساحة من الأرض محدودة – دائرية - محاطة بالخنادق ومزودة بالمدافع، وأخذ مواقع الدفاع الاستراتيجي وإقامة جزيرة محتلة.
وتعبئتها بالإمدادات البحرية ومحاولة توسيعها، وهنا نقطة الضعف الأساسية لعملية خاطفة كهذه
لأنها مان تنتقل إلى الدفاع عن ذاتها خلف الأكياس الرملية حتى تفقد بريقها وزخمها.
وإذا افترضنا حصولها فهي لا يمكنها أن تتجاوز- 16 كيلو (باجل- الصليف)، فإذا تجاوزت التحدي الدفاعي الساحلي فلن يمكنها تجاوز التحديات المدفعية الجبلية القريبة، كما لا يمكنها إلغاء قوة المقاومة الشعبية والعسكرية الهائلة المستعدة للنزال الطويل مع الغزاة.
المقاومة العسكرية والشعبية المسلحة بديل وطني محتم
الخبرة المصرية في مواجهة الغزاة الغربين (الغزو الثلاثي خلال 56م) لقد تمكن الغزو الأجنبي أن يصل إلى قناة السويس وإلى مدن القناة، وزحف بعشرات الآلاف لكنه اضطر إلى التوقف عند خط القناة.
كانت قوات الدول الاستعمارية الثلاث تصل إلى قرابة نصف مليون جندي –مدعم بأفضل المعدات الحربية –المتنوعة لأكبر دول الاستعمار آنذاك –وبعد ان ضربت معدات الطيران والدفاعات الجوية والمدرعات والمعدات الثقيلة من الجو؛ لكن المشكلة كانت في المقاومة الشعبية لشعب قرر المقاومة وعدم الاستسلام بقيادة صلبة محنكة شريفة شجاعة، أعلنت التحدي والمقاومة والصمود ومتابعة القتال مهما توسع العدوان ومهما احتل من أراضٍ.
إرادة القيادة والشعب المصري في المقاومة أذهلت الغزاة وأخافتهم فقد توقفوا عن التقدم أكثر وأصبحوا لقمة سائغة وأهدافاً لضربات المقاومة الشعبية المشتركة في كل مكان؛ في الأسواق والمزارع في الشوارع، في الجو والموانئ، الكل يقتل الغزاة وبأي سلاح متوفر؛ بأيدي الجماهير والعصي والسيوف والسلاح الأبيض.
إلى جانب القنابل والمتفجرات والألغام والمدافع والهاونات وراجمات الصواريخ وقاذفات اللهب، يتحرك الغزاة في مدن ومناطق ممتلئة بالشعب المقاوم المسلح، مستندين إلى تقاليد نضالية كفاحية صلبة، وأهمها الخبرة اليمنية في مقاومة الأتراك والانجليز والأمريكيين والسعوديين والصهاينة والغرب وحلفائه.
الإدراك الاستراتيجي والتشخيصي للحرب العدوانية
خصائص هذه الحرب:
تتحدد خصائص الحرب الراهنة من الحقائق الأصلية التي ترتبط بها وتتجلى فيها وتتمظهر على الأرض وفي الميادين على صور وأشكال متعددة ومختلفة ومتباينة أهمها: