المقدمة:
لمعرفة طبيعة الموقف الإسرائيلي من الأزمة الحالية في جنوب الجزيرة العربية، يتوجب علينا معرفة التصور الإسرائيلي لطبيعة وجوهر الصراع الراهن في المنطقة، إذ أَننا لن نجد تصريحاً رسمياً مباشراً يحدد مواقفهم تلك، ولكن يمكن تحديدها من خلال البحث في دراساتهم ومقالات صحفييهم ومفكريهم، بتلمس الفهم والتصور المشترك الذي يتكرر بشكل واسع بما يجعله رأياً وموقفاً سائداً لدى الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، حيث أن معظم باحثيهم الاستراتيجيين، في الأصل قادة ومستشارين سابقين في الأجهزة الأمنية والعسكرية لدولة الكيان الصهيوني.
الرؤية الإسرائيلية لطبيعة الصراع
تلتزم السياسة الإسرائيلية عموماً، بنظرية "صدام الحضارات" في تفسيرها للصراع باعتباره العامل الرئيسي، وتعطي الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية المرتبة الثانية في التحليل. وخلف هذا الالتزام النظري الإسرائيلي، يقف العامل السياسي، وهو السعي إلى إعلان إسرائيل دولة يهودية -لا علمانية حسب الدستور الراهن- وإقرار يهودية الدولة ينسف حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها المكفولة في القرارات الدولية، ويعطي الإسرائيليين حقاً "إلهياً" على تلك الأرض، ويجعل من العداء العربي لإسرائيل عداءً عنصرياً ليهودية ديانتهم وليس لطبيعة دولتهم كجزء من المشروع الاستعماري.
وعلى الرغم من التزام إسرائيل الشديد بهذه النظرية، إلا أنها تصنع ثقباً في هذه الفرضية وتتنازل عن قناعاتها السياسية، وعن عقائدها الدينية، لتشبع حاجتها السياسية في تطبيع العلاقات مع الأنظمة العربية الرجعية التي تعتبرها دولاً سنية تشترك معها في معاداة إيران الشيعية، فيما فرضية صراع الهويات والحضارات تعني على الاطلاق بأن إسرائيل عدو كل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي أي كل من هم خارج "شعب الله المختار"، حسب وصايا التوراة والتلمود التي تريد أن تجعله هوية لدولتها!
يعرج "يعقوب عميدرور" الباحث بمركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، والرئيس السابق لدائرة التحليل في شعبه الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، على مقولة "التغريب الإسلامي"، ليجيب عن سبب ظهور حركات الإسلام الراديكالي "الجهادية" في تفسيره لطبيعة الصراع الدائر اليوم في منطقة الشرق الأوسط، بقوله بأن مصدر الفوضى اليوم "يرجع إلى قبل مائة عام بعد تفسخ الإمبراطورية العثمانية، وتقسيم "سايكس بيكو"، لكنه يوظف هذه المقولة بشكل طائفي، وبما يعزز هذه التوجه في الصراع الذي يعيق التغيير العالمي على نحو إيجابي.
مقولة التغريب، هذه المقولة التحليلية من وجهة نظر الماركسية، تفسر ظهور الحركات الإصلاحية والإحيائية الإسلامية، والإسلام السياسي، والراديكالي (الجهادي) كرد فعل على التغريب الاستعماري الأوروبي من بعد اتفاقية "تقسيم سايكس بيكو"، ورداً على التحديث البرجوازي الغربي، الذي جاء بالاستغلال والجوع وهدم في طريقة عقائد المسلمين وثقافاتهم، وأحس المسلمون بعد زوال الخلافة العثمانية، وانكسار (بيضة الإسلام) بأن الإسلام لم يعد له دور وقاصر عن المساهمة في رسم ملامح العالم الجديد.
وفي تحليل يتسق مع الاستراتيجية الأمريكية في تأجيج الصراع الديني والطائفي في لرسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، يعتبر يعقوب بأن أبرز حدث في خلق التيارات الإسلامية الراديكالية بشقيها السني والشيعي، هي ثورة الخميني التي اسقطت نظام الشاه في العام 79.
وهوَ يعتقد بأن الشيعة في إيران "استغلوا نجاحهم للنهوض بمصالح الشيعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهوَ ما أدى إلى إيقاظ قوى نائمة عند السنة الذين باتوا يخشون من القوة الصاعدة للشيعة، ويخشون العدوانية الإيرانية "الشيعية" وامتلاك إيران للقنبلة النوية". وحسب تعبير يعقوب، فلا يُمكن فهم واقع ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط "دون الأخذ في الاعتبار الخصومة عميقة الجذور والعائدة إلى مئات السنين بين السنة والشيعة".
وخير مثال على ذلك من وجهة نظر الباحث هو "الصراع الدائر على الحكم في اليمن، وهو الجار الجنوبي الفقير للعربية السعودية، حيث التحمت قبائل تمثل أقلية من الشيعة الزيدية بأنصار الرئيس المعزول صالح، ليحتلوا معاً العاصمة صنعاء". فقد شاهد السعوديون حلفاء إيران في اليمن وهم يسيطرون على اليمن شيئاً فشيئاً ليوجدوا منطلقاً جديدا للضغط الإيراني على السعودية، التي تعتبر نفسها قائدة للعالم العربي والسني، و"التي قرر ملكها الجديد بعد تردد غير قليل التصدي للتحدي الشيعي، وهو سبب إقدام السعودية على قصف أهداف للقبائل الحوثية في اليمن وقيامها بإعداد قوة غزو كبيرة تحسباً لوضع لا يمكن فيه إنقاذ الموقف سوى بالعملية العسكرية البرية". وبالتالي يصبح الصراع في اليمن "سمة أخرى من سمات الصراع المعاصر الذي يعود إلى قرون متعددة بين السنة والشيعة".(1)
محاور الصراع
يقول شاؤول شاي: "الحرب في اليمن والمنافسة على السيطرة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، هو جزء من الصراع الإقليمي بين إيران وحلفائها والمملكة العربية السعودية ومصر بقيادة التحالف العربي السني المعتدل". ويعتبر «مارك هيلر» بأن التنافس الدولي المتزايد بين القوى، العظمى والإقليمية قائم على أساس الهوية بقدر قيام هذا التنافس على أساس المصالح الجيوسياسية". وهي منافسة على تحقيق التفوق والهيمنة في المنطقة التي تتنامى فيها الفوضى، بسبب ارتخاء الحكم المركزي؛ مما نتج عنه زيادة تدخل اللاعبين المحليين في التحالفات الإقليمية.
يُشخص هيلر لاعبين محليين مركزيين، اللاعب الأول والأكثر تبلوراً هو ما يسمى "محور المقاومة" بقيادة إيران، لهذا المحور ثلاثة أبعاد؛ البعد السياسي: وهو تطلع إيران إلى أن تصبح لاعباً إقليمياً رائداً وذا تأثير هيمني في جميع أنحاء المنطقة. والبعد الطائفي: والذي يُنصب إيران "كقوة شيعية" مركزية تدافع وتدفع مصالح الشيعة وحلفائهم. والبعد الأيديولوجي: وهو الالتزام بمعارضة النفوذ والقوات الغربية، وسيما الأمريكية "الشيطان الأكبر" وحليفتها إسرائيل "الشيطان الأصغر".
المحور الثاني هو محور "الدول السنية" البراغماتية بقيادة العربية السعودية، لهذا المحور أبعاد ثلاثة أيضاً: الدولة السعودية التي تنازع إيران على الزعامة في الإقليم، ولاسيما في منطقة الخليج، منطقة المواجهة التاريخية بين الوهابية المتطرفة والإسلام "السني" مع الشيعة والذي يتقمص في العربية السعودية شكلاً سلفياً، والبعد الحقيقي للتحالفات الأمنية بين دول الخليج والغرب، وسيما الولايات المتحدة، يأتي في ضوء إصرار إيران على إلغاء أو على الأقل تقليص التواجد الغربي في الخليج".(2)
ويعتقد العقيد الدكتور "عيران ليرمان" النائب السابق للسياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بأن الأيام القليلة الأولى من 2016 أظهرت بالفعل دليلاً جديداً على ديناميكيات التغير في ميزان القوى في المنطقة، وتصاعد حدة التوتر بين السعودية وإيران هي أبرز جوانب هذه الدراما، التي تتكشف بشكل أكبر من اليمن إلى سوريا ومن الخليج إلى ليبيا.(3)
الربيع العربي الذي بدأ بتونس وانتشر كـ"الطاعون" إلى مصر وليبيا واليمن، كشف الأزمات الداخلية وأضعف النظام في بعض الدول العربية، كما يرى «ميلر» مما أدى إلى تهيئة تربة خصبة لانتشار صراع القوى المختلفة، بعضها جهات رسمية وبعضها حركات، أيديولوجية، هذه الصراعات اكتست بطابع مختلط، فمن منظور ما، كانت هذه الصراعات منافسات تقليدية بين قوى كبرى إقليمية حول القوة والنفوذ، ولكن في المقابل كانت مواجهات على خلفية فجوات في وجهات نظر ايديولوجية عالمية، وحتى فجوات في الهوية داخل المجتمعات العربية، أي طائفية في الحالة اليمنية.
موقع إسرائيل من الصراع
طرح إسرائيل لتصورها عن الصراعات في المنطقة، يتطلب منها بالضرورة أن تعبر عَن موقعها من هذا الصراع، ومدى تأثيراته عليها سِلباُ وإيجابا. وبناءً على الانطلاق من حقيقة إن إسرائيل قوة سياسية عسكرية بارزة في المنطقة. يراهن الإسرائيليون على واقع وجودهم الذي من شأنه أن يغير من السياسة المحيطة بها نحو التطبيع السياسي والاقتصادي.
"يوئيل جوزنسكي" الباحث في مركز دراسات الأمن القومي، الإسرائيلي، يرى بأن هناك سببا للتفاؤل، فلديهم اليوم (أي الإسرائيليين) ببقعة ضوء، في العلاقة العلنية مع السعودية، وهي عملية تدريجية استغرقت عدة سنوات. "إذا كان المسؤولون السعوديون في الماضي لا يمكنهم الظهور سوية مع قادة إسرائيليين؛ فقبل عدة أشهر جرى اللقاء بين عشقي وغولد علانية، في هذه الأثناء تحسن العلاقات - إذا كانت قائمة أصلاً - فهي من وراء الكواليس وهذا جيد؛ فعندما تخرج هذه العلاقات من الدولاب وحسب خصائص الشرق الأوسط فإنها لن تصبح قائمة بعدها". (4)
يعتبر "مارك ميلر" بأن المصالح الجيوسياسية المتقاطعة سمحت في الماضي بمستويات معينة من الحوار الأمني السري وتبادل المعلومات الاستخبارية وتقديرات وتعاون تنفيذي" مع دول عربية خاصة من "دول الطوق" أي مصر وسوريا ولبنان والأردن. والحوارات السرية هذه كانت تخرج بنتائج جيده واعتراف واضح بإسرائيل، وإقامة العلاقات معها، إلا أنها ظلت قيد السرية، بسبب التضامن الشعبي العربي العميق مع الفلسطينيين، "ولكن خمس سنوات من اضطرابات (الربيع العربي) والعداء المتزايد بين الإيرانيين والسعوديين وبين الشيعة والسنة خلق مصلحة مشتركة أكثر وضوحاً بين إسرائيل والعرب السنة".
ويقيس مدى هذه التطورات بأخذ التدخل العسكري على اليمن كمثال، فعلى اعتبار انه في العام 2015 ظهرت احتمالات بتنامي الهيمنة الإيرانية وحضورها في اليمن: "فإن شدة التخوف تلقى تعبيراً واضحاً ليس فقط في ردود فعل السعوديين على الأحداث في اليمن، وإنما أيضاً في التلهف الذي سارعت إليه بقية دول الخليج والدول العربية السنية الأكثر بعداً عن اليمن بتزويد الحرب العسكرية بالدعم المادي أو على الأقل الدعم السياسي الدبلوماسي غير المتحفظ".
ويرى ميلر أن الاهتمام بالموضوع الإيراني من شأنه أن يخفف جزءاً من المعارضة العربية التقليدية للقيام بإجراء حوار أمني علني مع إسرائيل، "تحليل مثل هذا تؤيده وقائع مثل اللقاءات العلنية التي قام بها الأمير السعودي تركي بن فيصل مع شخصيات إسرائيلية، واللقاءات مع الصحافة الإسرائيلية، وكذلك في موافقة الاتحاد الاماراتي على السماح بتعيين مبعوث دبلوماسي إسرائيلي في وكالات الطاقة الدولية المتجددة والتي مقرها في أبو ظبي؛ تلكم التطورات تعلمنا أنه يحتمل وجود استعداد أكبر مما كان في الماضي للتنسيق والتعاون الخاص مع إسرائيل، ولكن ما يزال ذلك غير كافٍ لحد التبشير بدعم عربي شرعياً يتخلى عن الموقف العربي التاريخي الرافض لجميع أنواع التطبيع مع إسرائيل، لبناء منظومة أمنية إقليمية شاملة مؤسسية ورسمية تكون بها إسرائيل شريك للعرب. إلا إذا حدثت خطوة حقيقة جديده مع الفلسطينيين، كمثل تلك الخطوة التي أعطت الأردن فرصة لتوقيع سلم رسمي مع إسرائيل، بعد اتفاقية أوسلو في العام 1993 بين إسرائيل والسُلطة الفلسطينية".(5)
الرواية الإسرائيلية لــ "عاصفة الحزم"
تتفق مختلف الرؤى الإسرائيلية، بإن التدخلات الإقليمية في الصراع الداخلي في اليمن، تصاعدت عندما اجتاز "الحوثيون" الشيعة، حدود معاقلهم الشمالية وحاولوا السيطرة على مجمل البلاد، وإزاحة الرئيس "هادي"، والذي تولى الحكم، كجزء من الفصل اليمني من "الربيع العربي".
ومن المنظور البحثي الإسرائيلي، لم تنجح مرحلة هادي في التأسيس لترتيب سياسي قابل للحياة أو لجلب الاستقرار، ويرون بأن نتائج الانتخابات في العام 2012 التي أخذ منها هادي شرعيته "طُعنت بقوة في العام 2014". أي تم الانقلاب عليها، حيث تعاون "المتمردون الحوثيون - وفق التقارير - مع ضباط في الجيش من أتباع صالح، ودخلوا العاصمة صنعاء".
وفي مطلع العام 2015 تقدم مقاتلو أنصار الله وضباط الرئيس صالح جنوباً "لتهديد عدن، التي كانت ملجأ للرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي" قبل أن يفر إلى العربية السعودية". ويعتقد مارك بأنه على الرغم من عدم وجود ما يشهد على أن إيران دفعت أنصار الله (الحوثيين) ليخرجوا في هجوم 2014، (أي ثورة 21سبتمبر)، إلا أن هويتهم "الشيعية" أثارت فزع الخليج.
ويُذكر الباحثين الإسرائيليين بتصريح "قيادي إيراني كبير" قال بأن بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية، هي سوريا وبغداد وبيروت وصنعاء، ويعتبرون هذا التصريح، أحد المعطيات التي أججت رعب الخليجيين، والسعودية بشكل خاص.
وتعتقد البحوث الإسرائيلية، بأن عملية عاصفة الحزم، عبرت عن رد فعل الخليجيين، على سيطرة حلفاء إيران على صنعاء، وأنها أي عاصفة الحزم، كبحت جماح أنصار الله (الحوثيين) من التقدم في الجنوب، وأعادتهم إلى الخلف، وهوَ ما يُعبر عن عجز إيراني في وقف حدوث هذا التراجع لدى قوات حلفائها، غير أن السعودية لم تحرز نصراً قاطعاً بهذا التراجع الحوثي.(6)
النظرة الإسرائيلية لأنصار الله
يتطرق الكاتب في معهد "هارستيا" للدراسات السياسية الخارجية الإسرائيلية "شاؤول شاي" إلى الجانب التاريخي في ظهور أنصار الله، إذ يعتبر بأن هذا الصراع تعود أصوله للعام 2004 إلى "الانتفاضة الأولى التي قادها حسين بدر الدين الحوثي، ضد الحكومة المركزية في اليمن، وهو زعيم شيعي زيدي، سياسي، وديني، وعسكري".
وعلى عكس الدراسات الأمريكية والروسية التي تطرقت إلى مرحلة تشكل حركة أنصار الله، وربطها بالقضايا الاجتماعية والثقافية في صعده، وبالسياسة العالمية آنذاك، من بعد الحملة الأمريكية محاربة الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر، بما جعل أنصار الله حركة يمنية منذ البداية، ثم يختلفون فيما بعد عن علاقتها بإيران، إلا أن شاؤول يعتبر هذا الصراع الذي استمر لخمسة حروب بعد ذلك بين المتمردين والقوات الحكومية، "كان منذ البداية لعبة أوسع بين المتنافسين الإقليميين السعوديين ذوي الأغلبية السنية والإيرانيين ذات الأغلبية الشيعية".
ويرى الإسرائيليون أنه الصراع الحالي القوات الحكومية الشرعية للرئيس عبدربه منصور هادي المدعوم من التحالف الذي تقوده السعودية، وكذلك الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولها تفويض من الأمم المتحدة، وتقاتل معها "المقاومة الشعبية" المكونة من متطوعين ورجال أمن على علاقة بهادي،
ضد أنصار الله (الحوثيين) المتمردين وحلفائهم، من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والمدعومين من إيران، "فيما يقول الحوثيون إنهم يقاتلون كثورة ضد الحكومة فاسدة ودول الخليج. وينكرون تلقي دعم عسكري من إيران".(7)
الأخطار "الحوثية" حسب التقييم الإسرائيلي
ظهر الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العام 2014 في أحد جلسات الكونجرس الأمريكي إبان فترة باراك أوباما ينبه أمريكا، بأن مضيق باب المندب في اليمن سوف يقع بيد حلفاء إيران في اليمن الحوثيين، وكان هذا التصريح، في إطار الضغط الإسرائيلي على «أوباما» لوقف المباحثات النووية مع إيران، واحساساً بالقلق على المياه الاقتصادية، أكثر من كونه خوف إسرائيلي على مستقبل التحولات العامة في اليمن بعد 21سبتمبر، واعتبار اليمن قد أصبحت دولة من محور "المقاومة".
الدراسات الإسرائيلية الأخيرة، وخاصة التي صدرت من بعد هجوم قوات الجيش واللجان الشعبية على بوارج التحالف في ساحل المخا وباب المندب، تعكس القلق الإسرائيلي من الوضع في باب المندب، وكأنها مُصدقة لمخاوف نتنياهو.
تعتقد البحوث الإسرائيلية، بأن الهجمات "الحوثية" على السفن الأمريكية وسفن التحالف بالصواريخ المضادة للسفن تثير تساؤلات حول سلامة مرور سفن الشحنات العسكرية والمدنية في مضيق باب المندب الاستراتيجي أحد أكثر الطرق العالمية ازدحاماً.
ومن وجهة النظر هذا فإن التهديد الحالي لحركة المرور البحرية في مضيق باب المندب الاستراتيجي "يتطلب زيادة وجود وإشراك القوات البحرية الأمريكية والغربية الأخرى في المنطقة على نطاق واسع، ليس فقط لحراسة الشحن والممرات، وإنفاذ الحصار البحري، ولكن لتدمير الصواريخ الحربية المضادة للسفن والردع عن إيران التدخل المباشر وغير المباشر في اليمن ومنطقة البحر الأحمر".(8)
وهذا الاقتراح العدائي يتطابق مع الاقتراح الذي قدمه الباحث والضابط في البحرية الأمريكية "إسكندر ميلوا وزملاؤه في معهد واشنطن بوست، حين طالب واشنطن "إلى اتخاذ تدابير إضافية للحد تماماً من هذا التهديد" رغم إرسالها ثلاث سفن حربية للمنطقة كما أفاد «ميلو» وشدد حينها على واشنطن وشركائها الدوليين "النظر في مساعدة الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة على فرض سيطرتها التامة على كامل ساحل البلاد على البحر الأحمر".
ويعتقد الباحثون الإسرائيليون، بأن "المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران" يستخدمون نوعين من الصواريخ: قصير ومتوسط المدى لضرب أهداف في الأراضي السعودية، وصواريخ المضادة للسفن لتهديد حركة الملاحة البحرية في باب مضايق المندب".
ووفقاً لبعض التقارير- التي لم يكشف الباحث عن طبيعتها - فإن إيران "قامت بتسليح حلفائها حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا والآن المتمردين الحوثيين في اليمن بصواريخ زلزال 3".
مع اعتقاده أنه من المعروف أن أنصار الله لديهم صواريخ "اسكود" من العصر السوفياتي تم الاستيلاء عليها من المخازن العسكرية للبلاد. ويحاول أنصار الله عن طريق "إطلاق صواريخ سكود وبركان -1 وزلزال 3 "ضد أهداف مدنية وعسكرية في قلب المملكة العربية السعودية "تغيير التوازن العسكري للحرب الراهنة في اليمن، وخلق توازن ردع جديد مع التحالف بقيادة السعودية".
يستبعد الإسرائيليون أن تكون هذه الصواريخ مصنعه أو مطورة محلياً كما زعمت التقارير الصحفية، لأن ذلك يتطلب تكنولوجيا متقدمة لا يملكها أنصار الله وحليفهم صالح، ويرجحون بأن تكون هذه الصواريخ منتجة محلياً كعملية تركيب من دعم وواردات إيرانية، كما يعتقدون، بأنه يتطلب من السعودية وتحالفها استراتيجية جديده لمواجهة التحدي الحوثي، بعد إطلاق ثلاثين صاروخاً ضد أهداف سعودية، وهوَ تصعيد خطير في الحرب من قبل أنصار الله (الحوثيين).(9)
الخطر "الحوثي" على باب المندب، والذي يتجلى بهذا الشكل الدعائي التحريضي في الدراسات الإسرائيلية، ما هو إلا امتداد "للخطر الإيراني" حسب هذه الرؤية، التي تريد تصوير كل ما تعتبره معادياً جزء من "يد إيران الخفية" بما يربط كل توجه أو تحرك معادٍ لها - سواء أكان موجوداً أو مُتخيلاً - بالنسق الإيراني لجعله نشاطاً طائفياً خارج المشروعية العربية أو الوطنية الثورية في مناهضة الوجود الإسرائيلي، وهذه الأشكال القومية واليسارية قبل ظهور الاشكال الإسلامية كان يراها أنشطة إرهابية.
يتجلى هذا الربط لدى الباحث في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عاموس يدلين، إعلان أمريكا تفعيل عقوبات بحق أعضاء منظمات إيرانية لهم علاقة بالأعمال الإرهابية وبرنامج الصواريخ الإيراني، كرد على تجربة الصاروخ الباليستي الذي قامت بها إيران. وإرسال مدمرة أمريكية إلى منطقة باب المندب في وقت لاحق "من أجل الدفاع عن ممرات التجارة في مواجهة المتمردين الحوثيين في اليمن ".(10) كتحرك أمريكي موحد في مواجهة الخطر الواحد في اليمن وإيران، هذا الرد الأمريكي هو - وكما صرح الرئيس ترامب - إبداء عدم استعداده للتغاضي عن السلوك الإيراني الإشكالي، والعمل على ردع النظام الإيراني عن الاستمرار في سياسته الإقليمية "المتسلطة".
عن مُستقبل الصراع من وجهة النظر الإسرائيلية
تنطلق الرؤية الإسرائيلية، في الإشارة على مُستقبل الصِراع ككل، من الإشارة إلى مستقبل تأثيراته على أمنها، وباعتقادهم فإن تدخل روسيا المباشر في الصراع في سوريا كان إشارة مهمة إلى أن التنافس بين القوى العظمى العالمية على النفوذ والتواجد في الشرق الأوسط يعود الآن بكامل عنفوانه، ذلك التنافس الذي حدد دور المنطقة الجيواستراتيجية في السياسة العالمية على مدار سنوات القرن العشرين.
تعتقد إسرائيل أنهُ على المدى القريب لا تُهددها أي من هذه التطورات في العالم العربي بشكل مباشر، وضمن هذه التطورات التي لا تُقلقها الجماعات المسلحة "المعارضة" على الحدود السورية مع الأراضي المحتلة، ولكن إسرائيل تعتقد بوجود احتمال حدوث انعكاسات خطيرة عليها على المدى البعيد. بسبب تنامي الفوضى الإقليمية المتميزة بتكاثر اللاعبين غير المستعدين أو غير القادرين على إجراء حوار أمني جدي مع إسرائيل، يؤكد ذلك خطر التصعيد المتعمد أو غير المتعمد نتيجة التحالفات المختلفة من قبل أنظمة تصعد وتسقط، ولا يعرف الإسرائيلي موقفها النهائي منه. فهي قلقة من تعمم الفوضى ومن القوى المنظمة أو غير النظامية كحركات راديكالية ثورية أو إرهابية التي قد تظهر من هه الفوضى من خارج الأيادي الإسرائيلية المساهمة في تأجيج وتوجيه هذه الفوضى بما يخدم تل أبيب في إضعاف محيطها.
وفي الشأن اليمني يعتقد الباحثون الإسرائيليون، أنه في الوقت الذي تستمر فيه الحرب منذ بداية عاصفة الحزم، استغلت "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية حقيقة كون الجهات الإقليمية والدولية (ذات التوجه الغربي) منشغلة في الحرب على "الحوثيين" غربي البلاد، لتوسع "القاعدة" و"داعش" تواجدها في الشرق الأوسط.
والمغزى حسب هذا التحليل هو أن إيران والسعودية جُرتا إلى مواجهة محلية من خلال وكلائهما أو حلفائهما المحليين، وبسبب الإطار ثنائي القطبية الشاملة للتطورات الإقليمية؛ اضطرتا للالتزام بخطوات تمنع التعاون في الرد على قضايا تمثل مصالح مشتركة كتنامي حضور "القاعدة" و"داعش" في اليمن. وهذا يُثبت التضارب والتناقض اللذان يميزان التغيير الذي تمر به المنطقة.
ويفترض التحليل بأن أي ترتيب سياسي بين السعودية وإيران، كالذي حدث في العراق بعد أن قامتا سراً بتنسيق عزل المالكي في العام 2014 وانتخاب خليفته حيدر العبادي الأكثر تصالحاً مع الطرفين، تنسيق سعودي إيراني في سوريا والعراق يمكنه أن يرقي الحرب على "داعش"، وهو التنظيم الذي تعتبره الدولتان تهديداً، وتنسيقاً من هذا النوع من شأنه أن يساعد في كبح وحل الأزمة في اليمن، وكما يبدو أن شيئاً من هذه التفاهمات حدثت بالنسبة للوضع السياسي في لبنان.
ويرى الإسرائيليون بأنه من أجل تحقيق نصر كامل يجب على المملكة العربية السعودية مع الإمارات العربية المتحدة أن تستثمر المزيد من القوات وأن تطلب مساعدة كبيرة من حلفائها الغائبين عن المشهد.
وإلا فإن أي تصعيد ضد تحالف المتمردين سيكون لتحقيق أهداف محدودة - أخذ العاصمة صنعاء. بهجوم عسكري على نطاق واسع دموي ومُكلف. سيقدم انتصاراً رمزياً مع عودة حكومة هادي إلى عاصمة اليمن ولكنه سيبقى "الحوثيين" في مسيطرين على معقلهم التقليدي في شمال اليمن على طول الحدود السعودية.
أما مؤشرات الوضع الحالي في اليمن من وجهة التحليل الإسرائيلية، "يعني التقسيم الفعلي للبلد". ويمكن أن يكون هذا الخيار "نتيجة العودة إلى طاولة المفاوضات مع المتمردين أو الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية".
ـــــــــــ
الخلاصة:
تعتبر إسرائيل، أن هادي هو الرئيس الشرعي لليمن، وكان الانقلاب عليه منذ 21 سبتمبر 2014، وبأن أحد أسباب التدخل العسكري هو التقدم العسكري لقوات "الانقلاب" نحو عدن التي مثلت ملجأ الرئيس "الشرعي"، والذي يحظى بعدم تحالف عربي وغربي بتفويض من الأمم المتحدة، ومُساعدة "المقاومة الشعبية" المكونة من متطوعين ورجال أمن على علاقة بهادي.
وتفسر الحرب في سياق المنافسة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، كجزء من الصراع الإقليمي بين إيران وحلفائها والمملكة العربية السعودية وتحالفها العربي "السني المعتدل". وأن لهذا الصراع أبعاد طائفية بجانب الأبعاد الجيوسياسية وتولي إسرائيل للبعد الطائفي أهمية أكبر.
فـ "محور المقاومة" يريد إيران أن تصبح لاعباً إقليمياً وذا تأثير هيمني في المنطقة. ويُنصب إيران كقوة مركزية تدافع وتدفع مصالح الشيعة. ومعارضة نفوذ والقوات الغربية، ولاسيما الأمريكية "الشيطان الأكبر" وحليفتها إسرائيل "الشيطان الأصغر". فيما تتحالف دول الخليج مع الغرب من أجل الزعامة السعودية على منطقة الخليج ومناطق المواجهة التاريخية بين السنة والشيعة، ومن أجل تثبيت التواجد الغربي في الإقليم الذي تسعى إيران إلى تصفيته أو تقليصه، وفي ذلك تهديد لأمن الخليج.
تتطابق النظرة الإسرائيلية، مع الدراسات "الترامبية" في معهد واشنطن، باعتبار أنصار الله "متمردين" يهددون باب المندب بصواريخ إيرانية، ويجب على أمريكا مضاعفة حضورها في المضيق، والسيطرة على الساحل اليمني. كما تفترض تل أبيب بأن أنصار الله منذ تشكلهم لعبة بيد إيران. على عكس الدراسات الأمريكية والروسية عن مرحلة تشكل أنصار الله، التي تربطها بالقضايا الاجتماعية والثقافية في شمال اليمن، وبالمتغيرات العالمية آنذاك وخاصة من بعد أحداث 11سبتمبر وتوسع أمريكا في "محاربة الإرهاب". ويستبعد الإسرائيليون أن تكون الصواريخ الباليستية مصنعة أو مطورة محلياً، لأن ذلك يتطلب تكنولوجيا متقدمة لا يملكها أنصار الله وحليفهم صالح، ويرجحون بأن تكون هذه الصواريخ مركبه في اليمن.
ترى إسرائيل أنه على المدى القريب لا تهدد هذه التطورات في العالم العربي أمنها بشكل مباشر، ورغم استفادة إسرائيل من ضعف البلدان العربية، فهناك قلق من تعمم الفوضى التي قد تخلق على المستوى البعيد قوى تهددها. ولا تخفي إسرائيل غبطتها، بأن خمس سنوات من الصراع في الدول العربية، جعل العلاقات الإسرائيلية مع دول عربية أكثر سهولة، وأظهر المصالح الأمنية المشتركة بين إسرائيل وما تسميه "الدول السنية" في مواجهة "إيران الشيعية"... وكون الانشغال بالموضوع الإيراني من شأنه أن يخفف جزءاً من المعارضة العربية التقليدية للقيام بإجراء حوار أمني علني مع إسرائيل.
ويظن الإسرائيليون، بأن أي ترتيب سياسي بين السعودية وإيران، كالذي حدث في العراق بعزل المالكي وانتخاب حيدر العبادي، يمكنه أن يرقي الحرب على "داعش" في سوريا والعراق، من شأنه أن يساعد في كبح وحل الأزمة في اليمن. ويبدو أن شيء من هذه التفاهمات حدثت بالنسبة للوضع السياسي في لبنان.
من أجل تحقيق نصر ينصح الإسرائيليون السعودية والإمارات أن تستثمر المزيد من القوات وأن تطلب مساعدة كبيرة من حلفائها. وإلا فإن أي تصعيد عسكري دموي ومُكلف. سيقدم انتصاراً رمزياً بعودة حكومة هادي إلى صنعاء لكنه سيبقي "الحوثيين" في مسيطرين على معقلهم التقليدي على طول الحدود السعودية. أما مؤشرات الوضع الحالي في اليمن من وجهة التحليل الإسرائيلية، "يعني التقسيم الفعلي للبلد". ويمكن أن يكون هذا الخيار "نتيجة العودة إلى طاولة المفاوضات مع المتمردين أو الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية".
ـــــــــــ
المصادر
1: فوضى وليدة عاصفة كاملة.. يعقوب عميدرور.. مركز دراسات بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية 2016
2: فوضى متنامية في المنطقة، بقلم مارك هيلر. من المسح الاستراتيجي الإسرائيلي 2015 ،2016. ترجمة مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية فلسطين غزة 2016
3: التباديل الجديدة في "لعبة المخيمات" في الشرق الأوسط بواسطة العقيد (احتياط) الدكتور عيران ليرمان 17 يناير 2016
:4 الائتلاف السني: هل عثرنا على صيغة للتطبيع في الشرق الأوسط؟ معاريف بقلم: سارة ليفوفيتش – ترجمة مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية فلسطين غزة 30 نيسان / أبريل 2016
5: مارك هير
6: مارك هيلر
7: حروب الصواريخ في شبه الجزيرة العربية شاؤول شاي 2016 معهد السياسات والاستراتيجية هارستيا (IPS) تأسس المركز المتعدّد المجالات في هرتسليا في العام 2000 بغية تدعيم السياسة القوميّة لإسرائيل وترقية عمليّة صنع القرارات الاستراتيجية. يعالج المعهد أكثر القضايا أهمّيّةً لإسرائيل، كالأمن القوميّ، والاستراتيجية، والسياسات الخارجيّة، والاستخبارات، والشعب اليهوديّ، والاقتصاد، والعلوم، والتكنولوجيا، والرفاه الاجتماعيّ، والسياسة الاجتماعيّة والتربية والتعليم.
8: مضيق باب المندب والتهديد الحوثي شاؤول شاي أكتوبر 2016 معهد هارستيا
9: "حرب الصواريخ" في شبه الجزيرة العربية شاؤول شاي نوفمبر 2016معهد هارستيا
10: اختبار نظام ترامب أمام إيران على جبهات ثلاث16 شباط / فبراير 2017 مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بقلم: عاموس يدلين وأفنير غولوب.. ترجمة مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية فلسطين غزة