كانت ولازالت المنطقة العربية هي محور اهتمام كل القوي المتصارعة منذ فجر التاريخ وحتي اليوم، وزادت أهميتها بعد تدفق البترول وهذا الكم الهائل من الاحتياطي العالمي في الأراضي العربية؛ ولذلك نجد أن ما يحدث الآن هو نتاج الأهمية الاستراتيجية والعسكرية والجغرافية لها؛ ولكن السؤال الذي يتطرق دائماً إلى الذهن لأي محلل سياسي عربي أو غربي، هو: إلى متى يظل مستقبل تلك المنطقة رهن التحالفات الشرقية والغربية؟
هنا نجد تحالف يضم تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل وبعض العرب، وفي الناحية الأخرى نجد تحالف يضم روسيا وإيران وبعض العرب، وهذا يجعل العلاقات دائماً متوترة بين تلك التحالفات في ظل غياب دور فعال للجامعة العربية التي أصبحت بفعل آخرين مجرد اسم لاوجود له علي كافة المستويات.
حتى عندما طرحت مصر فكرة إنشاء قوة عسكرية عربية في وقت كانت الأمة العربية أحوج ما تكون إليها؛ لمواجهة الخطر الداهم الذي زرع على أراضيها بفعل الدعم الاقتصادي والعسكري واللوجيستي من بعض القوي الإقليمية، سواء بشكل علني أو غير علني، تلك الفكرة تكاثرت عليها الحيل للحيلولة دون خروجها إلى النور بأمر البيت الأبيض الأمريكي؛ لأن وجودها يشكل خطراً علي إسرائيل أولاً، والنفوذ الأمريكي ثانياً، كما تؤدي إلى تغيير معادلة الصراع الإقليمي، فتم وأد الفكرة بمعرفة المملكة العربية السعودية التي دعت إلى تشكيل قوة عسكرية إسلامية لا تشارك فيها إيران أو باكستان أو أفغانستان، وهذا كان كفيل بفشلها وهي مازالت في المهد.
الآن ظهر في الأفق تحالفٌ استراتيجيٌ بين روسيا وإيران بعد قمة موسكو التي جمعت بين روحاني وبوتن الذي كان رئيساً لجهاز المخابرات السوفيتية "كي جي بي" يفهم المعادلة السياسية الدولية جيداً، ويعمل على استعادة نفوذ روسيا الاتحادية كدولة عظمى من خلال إيجاد وضع دولي جديد يكون لها دور هام فيه.
الإيرانيون أيضا أذكياء ويدركون أهميّة وجود حليف قوي لهم كروسيا، ولهذا فقد طوّروا معها علاقات ممتازة، ووقعوا عدة اتفاقيات تعاون عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية بين البلدين. ولهذا يمكن القول إن الدعم الروسي للموقف الإيراني والقوى العربية المناهضة للغرب وإسرائيل سيستمر؛ لأن مصالح البلدين والأمة العربية تتطلّب ذلك.
روسيا وإيران لن تقبلا الهزيمة، ولن تتنازلا عن أهدافهما الاستراتيجية بسهولة؛ لأن ذلك يضعفهما محلياً، وينهي دورهما في الشرق الأوسط.
هل من مصلحتنا نحن العرب أن ينتصر هذا التحالف المعادي للولايات المتحدة وإسرائيل والديكتاتوريات العربية؟ وهل انتصاره قد يفتح آفاقاً سياسية جديدة تشجّع الشعوب العربية على كسر حاجز الخوف، وعلى التحرك ضدّ الاستبداد والطغيان؟ ويقودنا إلى تأسيس اقتصاد قوي وسياسية قومية عربية يقودها تيار قومي عربي يخلّصنا من وضعنا الحالي البالغ السوء، ويمكّننا من بناء مستقبل أفضل.