مثلما كانت فلسطين هي الشغل الشاغل لكل السياسيين العرب لعقود متعددة، اليوم أصبحت القضية السورية هي الشغل الشاغل لقوى الشر الدولية والاقليمية والخليجية والصهيونية؛ ولكن لماذا كل ذالك في تلك البقعة الهامة من الوطن العربي؟
علينا أن نعلم أن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي استطاع تأمين الأمن الغذائي والدوائي، فأمّن مخزوناً استراتيجياً من القمح لعشرات السنين، كما بنى مصانع أدوية عظيمة أمنت للسوريين الدواء، لا بل كانت تقوم بتصدير الفائض إلى الخارج.
إن المطلوب في تلك المؤامرة الكونية عليها هو القضاء على البنية الصناعية في سوريا، وخاصة في حلب التي كانت تحتضن أهم المعامل في سوريا، وتنتج أعظم السلع والبضائع، وأن المؤامرة استهدفت الاقتصاد السوري الذي بدأ يتعافى بشكل رائع في العقد الأول من هذا القرن. إن قلتم إن سوريا تعرضت لمؤامرة، سأقول لكم تعرضت لأبشع مؤامرة عرفها العرب خلال تاريخهم الحديث.
هل تذكرون مقررات إتفاق الدوحة بين المعارضة السورية والدول الداعمة له، ونقاطه الثلاثة عشر، والذي كُشف عنه في كانون الأول / ديسمبر 2012؟
أول بند فيه كان خفض عدد القوات المسلحة من الجيش العربي السوري إلى خمسين ألفاً! والبند الثاني تتوقف سوريا عن المطالبة بسيادتها على الجولان؛ والبند الثالث تتخلص سوريا فيه من أسلحتها الكيميائية والبكتريولوجية وصواريخها بإشراف الولايات المتحدة الأميركية! أما البند الرابع فتكف وفقه سوريا عن المطالبة بسيادتها على لواء إسكندرون وتتنازل عنه، نعم تتنازل لتركيا عن بعض القرى الحدودية التي يقطنها تركمان في محافظتي حلب وإدلب؛ والبنود الباقية تنص على تنازلات لإسرائيل وتركيا وقطع علاقات دمشق مع الصين وروسيا وإيران إلخ…
لا يتضمن برتوكول الدوحة كلمة واحدة تتحدث عن مستقبل السوريين أو الديموقراطية في بلدهم أو رفع مستوى معيشتهم!!!
والسؤال الآن إلى أي مدى ستستمر تلك المؤامرة الدولية والإقليمية ضد الوطن العربي السوري؟
حتى عندما وافقت سوريا علي الاشتراك في الحل السياسي سواء في اجتماعات "أستانة" الأولى والثانية، ثم اجتماعات جنيف وما تم الاتفاق عليه من أربع نقاط هامة أصر المفاوض السوري عليها؛ أهمها إدانة الإرهاب من جانب ما تسمى بالمعارضة؛ إلا أن الوضع القائم على أرض الواقع يشير إلى مسار سيء للغاية بعد إصرار تلك الجماعات فتح جبهات للقتال أخرى على أطراف المدن الكبرى خاصة دمشق لخلق ذريعة أخرى من قبل تلك الجماعات المعارضة المدعومة من قوى عربية خليجية، سواء مادياً أو عسكرياً، ووصل الأمر إلى إقامة معسكرات تدريبية لها في مناطق عربية ؟؟
- إن الأراء الدولية والعربية تجاه محاربة الإرهاب في سوريا والعراق واليمن تحمل العديد من التناقضات التي تحمل في مقدمتها الفشل في الوصول إلى حل سياسي أو حتى انقاذ الشعب السوري من ويلات التدمير، وأخطر ما في هذا الأمر هو تلك الحدود المفتوحة بين سوريا وتركيا، وهذا يهدد أي تقدم في إحراز انتصار على المليشيات المسلحة التي تدمر البنية التحتية في المدن السورية، وهذا ما شاهده العالم في حلب حيث توفر تركيا غطاءً برياً وعسكرياً واقتصادياً عبر الحدود المفتوحة في الشمال.
لقد أبرزت شراسة الهجمة الدولية، ولا سيما الغربية على النظام في سوريا خطورة ما يجري فيها؛ ليس فقط على المستوى الوطني، بل الدولي أيضاً، فيما يتعلق بإعادة بناء التوازنات ومعها صورة المشهد المرتقب للنظام الدولي قيد التشكل. فالمنطقة على وجه العموم تحظى بمتابعة القوى الدولية العظمى للملفات الساخنة فيها لما لها من أهمية جيوسياسية واستراتيجية. والمعطى السياسي والأمني على كامل الأراضي السورية في كل يوم وفي كل لحظة بات حاسماً في تحديد وجهة الأمور ومرتكزات المعادلة التي ستستقر عليها الحال في نهاية المطاف؛ فالأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات حتى اللحظة الأخيرة في خضم العراك الذي يبقى فيه مفتاح الحل رهينة التسوية السياسية التي كثر الحديث حولها، والأطراف الضالعة في المعركة والمعنية بإيجاد المخرج من المأزق تحاول استخدام كل الأوراق التي بحوزتها لتحصيل ما يمكن قبل أن تضع الحرب أوزارها، بنية تحسين شروط التفاوض لحظة الجلوس على طاولة المباحثات التي لم تنقطع يجري كل ذلك بالتزامن مع التحوّل الاستراتيجي في موازين القوى العالمية،