تبين الأحداث اليومية أن السيطرة على "الكدحة" تدفع العدو إلى التوغل في المناطق المفتوحة مستغلاً تفوقه الجوي المطلق والتمركز الدائم فيها، وإقامة قواعده الدائمة لاحتلال المنطقة والدفاع عنها من خلفها، ولا يمكن مواصلة الهجوم الكبير نحو الشرق، نحو المعافر عبر الكدحة وهو هدف رئيسي من جانب العدو مادامت المخا ومناطق جانبية كثيرة أهمها: العمري، كهبوب، الوازعية التي مازالت بأيدي الجيش اليمني، وهي قادرة على إنزال الأذى بمؤخرة ومجنبات العدو وقواته خلال تحركاته للأمام.
من هنا فإن العدو يعد للهجوم الكبير القادم مبتدئاً بتصفية البؤرة الدفاعية اليمنية الكبيرة، التي تشكل عقبة كؤوداً أمام تقدم العدو على الساحل وهي مدينة المخا والمرتفعات المحيطة بها، ولكن لنفترض أن العدو لن يتمكن من تصفية البؤرة الدفاعية اليمنية في وقت قريب كما يخطط، فهل سيواصل المحاولات الاستنزافية إلى مالا نهاية، دون أن يشن هجوماً حقيقياً يقتحم فيه مناطق الداخل؟
وهل يمتلك قدرات خاصة تغنيه عن المزيد ليقوم بهجوم أكبر نحو الداخل؟
أولاً: يجب تثبيت حقيقة هامة جداً؛ هي أن توازنات العدو الراهنة بتركيبته الحالية؛ لا تحقق له القدرة التوافقية في معارك الأرض اليمنية رغم تفوقه الجوي والبحري، فيما لا يزال الشعب اليمني لم يستخدم بعد كل طاقاته أو أغلبها تحسباً للآتي الاحتمالات القادمة؛ لذلك هو يخسر كلما توغل إلى الداخل أكثر، ومن هنا فإن تحركاته الخارجية ومحاولة تقدماته المتوالية هدفها استثارة الهجمات الداخلية - من الداخل إلى الخارج - قبل كل شيء لأنه بدون استثارة الهجمات الداخلية لا يمكن له توقع إحداث خروقات مطلوبة وضرورية، كما يهدف إلى استنزاف وإرهاق الجيش اليمني ليبتعد عن الساحل، ومن ثم يخلو له الساحل لإنزالات العدو "الأجنبية" لتسيطر على الساحل الغربي كما يتوهم.
وليس العبرة في هزائمه الجزئية الآن؛ بل في منعه أولاً من إقامة قواعد عدوانه الدائمة على الساحل، فإذا أعيق من إقامة قواعد دائمة على الساحل فإنه لا يستطيع البقاء طويلاً ولا يستطيع تحمل ضربة كبيرة واحدة، كما لا يتحمل تصفية قواته في الداخل التي يراهن عليها في تقدمه القادم؛ النتيجة أن العدو يريد وضع الجيش اليمني بين المطرقة والسندان وتداول الضربات الكبرى عليه، تارة من الشرق وتارة من الغرب.
مثلما تحولت نهم أمام أسوار العاصمة بؤرة استنزاف للعدو طوال العامين ومازالت كذلك؛ يواجه العجز الدائم عن التقدم وعن التراجع الآمن؛ فإن المتوقع أن يصطدم العدو بنفس الصخرة الصلبة التي ستقوض أحلامه في السيطرة على الساحل الغربي.
في الواقع فإن طبيعة الأرض تجعل التقدم نحو العاصمة الثانية أصعب بما لا يقاس أمام قوات العدو القادمة من الساحل؛ فلا تزيد عمق المنطقة المفتوحة السهلية عن 30كيلو متراً فقط، ثم تبتدئ القمم والشوامخ والتضرسات تدريجياً، وكما توقع العدو أن يجعلها بؤرة اختراق فإنها مرشحة أن تظل مستنقع استنزاف وامتصاص لقوات العدو القادمة باستمرار، لكن نهم كانت تحوي بعض المناطق الجبلية والشعاب والوديان التي تتبع المرتزقة بعد سيطرتهم عليها؛ فإن الكدحة لا تحوي جبالاً للمرتزقة يسطرون عليها، وهي منطقة محاطة بالمرتفعات من ثلاث جهات وكلها تحت سيطرة الجيش اليمني مما يجعلها أصعب بكثير من المناطق الشمالية الشرقية وسوف يواجه العدو مقاومة شديدة عند كل خطوة على الطريق.
إذا انتقل العدو من الهجوم إلى الدفاع خلف الموانع والسواتر الترابية والخناق سيكون في وضع أسوأ كثيراً من حالته خلال الهجمات أمام صاحب الأرض المدافع، وخاصة ليلاً - حين لا يكون الطيران جاهزاً لحماية مواقع قواته إلا بعد مرور وقت معين من بداية الهجمات – مما يمكن الجيش اليمني من إنجاز مهامه الهجومية الخاطفة.
وهكذا سيكون العدو قد وضع نفسه أمام خيار صعب هو إما أن يواصل الهجومات دوماً بكل خسائرها، وإما أن يتخندق ويمسك بالأرض الصغرى التي اخترقها مؤقتاً ويواجه الضربات الأشد فتكاً في الحالتين.
إن الشعب المهجر من مدينته بآلاف الأفراد هو مصدر حيوي لرفد الجبهات والقتال والكر والفر، وحصار العدو داخل المدينة مجدداً فيما إذا دخلها؛ فإن دخوله سيكون بداية الخروج إلى البحر، رغم أنه يريد أن يكون دخوله إليها دخولاً لقوات العدوان الدولي الكبير.