بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء: إلى شبابنا المحاربين ضد العدوان في الجبهات القتالية التحررية دفاعاً عن حياض الوطن بشرى النصر المؤزر.
نتيجة لعجز العدوان عن إنجاز الهجوم البري الحاسم – واستحالة تحقيق الهيمنة الجوية المطلقة والنصر بدو ن سيطرة على أرض المعركة – فإن الهجوم البري الحاسم للعدوان غدا مستحيلاً بعد 30 يوماً من إطلاق أكبر هجوماته الكبيرة على جبهاته الأربع - وستظل الحرب الجوية خيار العدو الاستراتيجي الرئيسي - وهي خيار تكتيكي - استنزافي – لا يحسم معركة ولا يسيطر على أرض.
وهو ما يعكس حالة التخبط والتقهقر التي نتجت عن الهزائم المتواصلة للعدو، وعليه فإن الاستراتيجية التي يحاولها العدوان - هو أن يواصل طريق حرب عصابات المرتزقة البرية المدعومة آلياً وجوياً - حرب مناوشات – طويلة الأمد غير حاسمة هدفها ليس تدمير الخصم فذلك فوق طاقة العدوان؛ وإنما استنزافه وإجباره على التفاوض بالشروط التي تفرضها مزايا العدوان المالية والجوية والدولية والاقتصادية –وهذا هوما يتوهمه.
ومن ثم فإن الحرب الجوية التدميرية والسياسية للعدوان السعودي الأمريكي تكو ن قد أفلست ، ذلك أن الحروب السياسية العدوانية يستحيل نجاحها في مواجهة حروب الشعب السياسية الوطنية التحررية والعسكرية فالحرب الوطنية العسكرية الحالية تملك القدرة على النصر لسببين أولهما أنها وطنية تحررية عادلة تستند على الشعب المقهور المسلح و المستعد للتضحية دون كلل أو ملل لأجيال متطاولة دون تعب أو شكوى وخلفها تأييد العالم المظلوم كله ولو معنوياً وثانيهما أنها في اليمن تملك جيشاً عرمرماً وقوياً حديثاً مجرباً ومقداماً يربو على المليون مقاتل رسمياً وخلفه عدة ملايين من المحاربين الشعبين والقبليين المتطوعين من الشباب الوطني، إن هذا الوضع يضع المحارب اليمني في كفة الغلبة الاستراتيجية والتكتيكية ضد أعدائه .
عندما يكون المعتدي -على بلاد مستقلة بهدف احتلالها والسيطرة عليها- أقوى عسكرياً؛ فإن الدولة المدافعة تكون في حالة حرب وطنية سياسية وعسكرية مشتركة وتكون استراتيجياً في حالة الدفاع الوطني ولا تستطيع شن الهجوم الكبير على المعتدي من اليوم الأول للهجوم العدواني بل إن محاولات الهجوم الكبير قد تسبب لها المزيد من الخسائر العسكرية –عندما يكون المعتدي لا يزال قوياً وفي أوج قوته.
وعندها تلجأ إلى حروب الكر والفر والتراجع و الالتفاف لفترة من الوقت قد تطول لسنوات إلى أن تتعدل كفة التوازن بين القوات عن طريق توسع جبهات العدو وطول طرقه ومحاوره واستنزاف الكثير من قواته نتيجة توزعها على جبهات عديدة وتحتفظ بقواتها الرئيسية في مناطق آمنة وتواصل التأهيل و تفرز مفارز خفيفة الحركة لتشن حروب العصابات على جوانب المعتدي ومؤخراته وخطوط امداداته الإدارية التي تشكل أضعف نقاط منظوماته الحربية و أخطرها تأثيراً على الجيش الغازي هذا كان سبباً لهزيمة أقوى جيوش في أوروبا والعالم - نابوليون في أسبانيا وروسيا في القرن التاسع عشر وهتلر في القرن العشرين وبريطانيا وفرنسا في حروب السويس والجزائر وعدن وإيرلندا، واسرائيل في لبنان وغزة وسيناء، وأمريكا في فيتنام وكمبوديا ولاوس وكوبا وإيطاليا في ليبيا وأسبانيا وفرنسا في المغرب العربي.
كيف يفسر هزيمة فيتنام الضعيفة لأمريكا القوية؟ وكيف تكون مصر الضعيفة قد هزمت بريطانيا وفرنسا واسرائيل مجتمعة؟ وكيف تكون الجزائر قد هزمت فرنسا؟ وكيف تكن عدن الفقيرة قد هزمت بريطانيا العظمى؟ وكيف كون حزب الله الفقير قد هزم إسرائيل؟ وكيف تكون حماس والجهاد قد هزمتا إسرائيل؟
وكيف هزم الإيرلنديون بريطانيا العظمى؟
في فيتنام كانت الخسائر اليومية الفيتنامية أكثر من الخسائر الأمريكية اليومية، حيث كانت خسارة فيتنام قد بلغت 4.8 مليون بين قتيل وجريح فيتنامي خلال عشر سنوات، أما أمريكا فقد خسرت حوالي 60 ألف جندي أمريكي وضعفهم من المرتزقة المحليين الجنوبيين، أي أن الفارق بين خسائر الطرفين هائل جداً، كما هو بين قواتهما، ومع ذلك فالنتيجة كانت هزيمة الطرف المعتدي الأمريكي وخسارته 73 ألف طائرة حربية تم إسقاطها من الجو، وآلاف المدرعات والآليات، وبلغت تكاليفها في الحرب150 مليار دولار، وفقدانها كل المخزون الذهبي الوطني المودع كغطاء للعملة الأمريكي.
علماً أن أمريكا كانت ما زالت تسيطر على مناطق كبيرة في الجنوب وقبلها كانت فرنسا قد أقرت بهزيمتها بعد معركة كبرى طويلة هي معركة "ديان بيان فو" في العام 53م حين انسحبت فرنسا من الشمال الفيتنامي واحتفظت بالجنوب إلى العام 64م حين هزمت وانسحبت من البلاد ولكن أمريكا جاءت لتحل محلها ضمن تسلم وتسليم إمبريالية من لا يملك إلى من لا يستحق، وهكذا تبدأ قصة الاحتلال الأمريكي لفيتنام من العام 64م إلى العام 74م
وفي كل الأحوال لم تدمر قواتها - كاملة في الميدان كانت مازالت تملك قوات كبيرة هي أقوى من قوات القوى الوطنية التي تواجهها التي تكت تملك طائرات ولا دبابات ولا مدرعات –بل عصابات خفيفة الحركة، ومع ذلك وجدت نفسها عاجزة عن مواصلة المشوار والسيطرة على البلاد ومواصلة المواجهات –أكثر مما قد سبق فطلبت المفاوضات للخروج بماء الوجه من البلاد، وقبلها كيف خرجت بريطانيا من عدن مهزومة بعد 129 عاماً من السيطرة؟
وكيف خرجت فرنسا من الجزائر مهزومة بعد قرن من السيطرة؟
في حروب الشعب الطويلة قد لا تكون الهزيمة عسكرية مطلقة وتامة وإنما نسبية، إلا في حالات تاريخية معينة كانت القوات الشعبية المسلحة للدولة الوطنية قد أصبحت أكبر وأقوى في نهاية الصراع الذي دام لسنوات تطورت التوازنات لصالح جيش الدولة الوطنية التي حققت اختراقات هامة وهناك دول وطنية تعرضت للعدوان مثل الاتحاد السوفيتي من قبل الدولة الامبريالية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، ومصر في العدوان الثلاثي، وسوريا والعراق ولبنان واليمن.
الحرب في حقيقتها معركة إرادات غايتها إخضاع إرادة الخصم لإرادة المتغلب تحت وطأة الضغط المريع والصدمة.
الخسارة الحقيقية هي خسارة إرادة، أي انكسار العزم على مواصلة الصراع والقبول بالهزيمة على أنها نهاية التجربة، ومآل الصراع والاعتقاد بألا أمل في المواصلة والمحاولة والخوف من تحمل أكلاف الصمود.
تحسب على أساس موازين متكافئة ثلاثة: هي قوة العدد وقوة العدة وقوة الروح، والنتيجة تكون في صالح الذي يملك تفوقين على الأقل في مجالين أو أكثر؛ فإذا تكافأت القوة في مجالين فإن التفوق يكون في العامل الثالث الذي يمنح صاحبه امكانية النصر وخاصة إذا كان هذا التفوق في الجانب الروحي المعنوي والعقلي والنفسي والسياسي والفكري والعقيدي والقيادي.
فالأقوى معنوياً وإرادياً وصاحب الحق هو المتغلب وإن خسر مادياً مادام على أرضه وبين شعبه، وإن خسر بشرياً ومادياً خسارة مؤقتة فهي حالة تزول، يمكن له أن يعيد مراكمة القوى مجدداً؛ لأن القوة المعنوية للأضعف المعتدى عليه تزداد كلما زاد الاضطهاد والظلم أكثر فأكثر لتصل إلى مرحلة لا يقبل فيه جندي العدو المزيد من القتل والظلم للمظلوم صاحب الحق والأرض ولا يملك دافع القتال والتضحية بينما تزداد الطاقات الإيثارية للمعتدى عليه ويزداد صلابة وقوة وشموخاً – وشجاعة وإصراراً.
ويعجز المعتدي عن مواصلة السيطرة على البلاد نتيجة استمرار وتطور المقاومة الشعبية رغم الخسائر للمحتل الأجنبي.
كما تصبح العملية غير مربحة بل مكلفة للمعتدي فيصل إلى مرحلة العجز عن الوفاء بالتكاليف المالية لمواصلة حرب السيطرة فينهار اقتصاديا قبل أن ينهار عسكرياً واقتصادياً.
فيضطر إلى طلب المفاوضات والتنازل عن البلاد لأهلها والرحيل عنها مجللاً بالعار،
لا يعني بالضرورة أن المعتدي المهزوم يجب أن نراه وقد فقد أغلب قواته وقد قتلت وجرحت وأسرت أو استسلمت واحترقت كل معداته هذه الصورة النمطية للمهزوم لم تعد تطابق الواقع الجديد الذي اجترحته حروب الشعوب التحررية الجديدة
هناك أنماط من الهزائم ممكنة:
نمط هزيمة رأيناها في فيتنام وكمبوديا ولاوس وروسيا والصين للفرنسي والأمريكي والياباني والألماني.
وهي نمط هزائم خاصة كلها في مواجهة قوى عظمى من قبل دول صغرى وفقيرة أو من قوة وطنية معارضة أحياناً كالصين التي انضمت حكومتها الرسمية الرجعية الكومنتانغ إلى المعتدي ضد الشعب الثائر.
والهزيمة تختلف من وضع إلى آخر باختلاف نتائج الحرب، في الحالة الروسية ضد الألمان المحتلين كانت روسيا الدولة والشعب موحدين في المعركة ضد الأجنبي بينما كان الألمان يملكون أقوى جيش في العالم يعد عشرة ملايين جندي إلى جانب الجيوش العميلة الأخرى التابعة له وهي سبعة مليون جندي عدد الجيش المحتل لروسيا آنذاك والعدة كانت تتفوق بمرتين ونصف في بداية الحرب؛ لكن الروس استطاعوا الصمود واستنزاف الألمان داخل الغابات الروسية الواسعة بعد أن تمكن الألمان من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.
بعد أربع سنوات تغيرت الموازيين لصالح صاحب الأرض وتعرض الألمان لهزائم كبيرة قادتهم إلى انهيار شامل وانتحار قادتهم واستسلام البقية، كانت تلك هزيمة شاملة مادية ومعنوية كذلك.
أما هزائم - فرنسا وأمريكا وبريطانيا والبرتغال أمام الشعوب الأضعف مادياً فقد واجهت نوعاً جديداً من الهزائم، هي هزيمة الأقوى مادياً أمام الأضعف مادياً لكن الأقوى معنوياً وصاحب الحق والقضية والأرض والمظلومية؛ لذلك لم تكن كما حصل مع ألمانيا واليابان بل رأينا شكلاً جديداً من هزيمة الإرادة مباشرة.
فالأضعف لا يستطيع إحداث التدمير المادي الكامل بالعدو؛ بل هو يحدث تدميراً بشرياً وتقنياً جزئياً إضافة إلى تدمير معنوي كبير واقتصادي أكبر؛ حتى يصل المعتدي إلى مرحلة لا يجد معها الاستمرار مفيداً له، بعد أن تطورت قوى الرأي العام الداخلي للمستعمر وفي العالم وأصبحت للصحافة قوة خاصة مؤثرة ومعارضة سياسية قوية تتصيد كافة الفرص والأخطاء للحكومة القائمة لذلك كثيراً ما تخدع الحكومات شعوبها وتخفي عنه ما تفعله في الخارج، فما إن اكتشف الرأي العام الأمريكي حقيقية الحرب في فيتنام
وأخبارها حتى نزل إلى الشوارع يطالب الحكومة بالانسحاب وخاصة حين رأى الجثامين وصورها على الصحف، وتأثيرها على نتائج المعركة والاستمرار فيها فحين يعلم الرأي العام أن أبناءه لا يحققون نتائج مفيدة ولا يحققون الأرباح الموعودة فإنهم سرعان ما يبادرون إلى المطالبة بإعادتهم ووقف الحرب غير المفيدة.
إن عوامل متعددة يجري توحيدها في النهاية تعطي النتيجة، كسر إرادة المعتدي وتخليه عن الأهداف السابقة التي وعد بها جمهوره فلم الاستمرار إذا في حر ب نخسرها ولا نحسمها فلننهيها الآن في وقت مبكر، هذا أفضل للجميع وقبل أن يصبح من المحال السماح للأبناء بالرحيل والعودة إلى الوطن حين يخرج الشعب في بلاد المعتدي مطالباً برحيل وعودة القوات يكون قد خسر الحرب استراتيجياً، ويبتدئ البحث عمن يفاوضه للخروج الآمن من البلاد وأحياناً يضطر إلى الخروج بدون تفاوض ولا ضمانات أمنية تحمي قواته المنسحبة.
وتلك هي الهزيمة الاستراتيجية للمعتدي، هزيمة إرادته وعجزه عن المواصلة والاستمرار وتحمل التكاليف والخسائر البشرية والاقتصادية والمعنوية والافتقاد إلى الاستعداد للتضحية وتقديم المزيد من الرجال والمتطوعين دفاعاً عن الوطن والالتفات ككتلة موحدة حول أهداف تحرير الوطن وسيادته وكرامته وعزته وقيادته الثورية.
وباختصار فإن هذا النوع الحروب المؤدية إلى هزيمة العدو يمكن تسميته بتقييد وشلل العدو استراتيجياً قبل سقوطه التام حينها يكون في وضع لا يستطيع معه أن يتقدم أو يتأخر رغم احتفاظه بقواته الكبيرة الأقوى؛ إلا أن المقاوم على الأرض استطاع أن يقطع الطرق على حركته أو جعل حركته خطرة أو عرضة لحصار بعيد تقل معه المؤن وتتناوشه عصابات المقاتلين الذين ينقضون عليه من كل جانب في كل خطوة يخطوها.
هذه صورة تقريبية عن هذ النمط من المقامة الشعبية التي تقيد العدو بين التغلب والهزيمة الاستراتيجية بدون تدمير مادي شامل للعدو.
أحيانا ينتج الانكسار ليس من الإجراءات التقييدية فقط بل من النتائج ومن ارتفاع التكاليف البشرية والمادية وتأثيرها اقتصادياً على وضع الدولة المعتدية كما تحدث الهزيمة أيضاً إذا كانت زعامة التحالف العدواني ومركز ثقل الحرب مرتبطة بالخارج أو بمركز آخر داخلي أو خارجي فإن تعرض هذا المركز الخارجي الداخلي للانكسار أو للتحييد أو للتعطيل فإن ذلك ينعكس على موازين القوى في خلل مفاجئ رهيب التأثير يؤدي إلى النتيجة الانهزامية ذاتها.
أين نضع السعودية وهزيمتها الاستراتيجية القادمة الممكنة في أي إطار أو نمط؟
السعودية تقع بين النمط الأخير وبين أنماط أخرى وهي نمط من المعتدي ليس قوياً بذاته؛ ولكن قوي بقوة المركز العالمي للاحتلال والعدوان ما أن يهتز مكانة هذا المركز العالمي أو الاقليمي حتى ينهار الكيان التابع الملحق.
خليط من الهزيمة المادية والبشرية والمالية والمعنوية والمركزية ينتظر السعودية من الآن.
تشبه السعودية الكيان الإسرائيلي الذي قوته ليس منه في ذاته بل من المركز الأجنبي الخارجي والاقليمي المحيطي الذي يشده ويربطه ويوجهه ويحميه وفي السعودية يكون العامل الأجنبي مؤثراً أكثر من بقية العوامل وما إن يهتز أو يتعطل هذا العامل حتى يسقط الكيان التابع لأن هذا المركز هو مركز الحرب والعدوان ولا يمكن هزيمة العدوان إلا إذا هزم المركز الدولي الذي يحميه ويسلحه، وأصبح عاجزاً عن مواصلة الدعم والحماية للكيان حين يصبح عاجزاً عن مواصلة الدعم والتوجيه للعدوان حين يبدأ المركز في الاهتزاز والتراجع والتلويح بورقة المفاوضات والمشاورات وخرائط الطريق فإن مؤشرات الهزيمة تكون قد ارتفعت وبانت وهذا ما يعانيه العدوان الآن.
هزة 20 يناير 2017م الكبرى للعدوان السعودي الأمريكي
إن العدوان السعودي الأمريكي المشترك والمختلط، ليس المركز فيه والثقل للسعودية وإنما الطرف الأمريكي، وخروج هذا الطرف أو تراجعه ولو قليلاً عن مواصلة المشروع يعني أن المشروع العدواني قد وصل إلى نهايته المريعة.
بصعود الرئيس الجديد ترامب غير المستعد للتورط في العدوان أكثر مما قد تورطت الإدارة السابقة لأسباب تخصه إن هذا يعني أن التحالف المركزي قد كسر ذاتياً وإراديا الآن.
إن الدور الأمريكي قد تراجع وسيواصل تراجعه يومياً من اليوم الـ 21 من يناير العام الحالي، وهنا يبدأ العد التنازلي للعدوان، هل سينهار في الغد أم بعد غد أو بعد العام؟ كلها ممكنة لكنها كلها تقود للحقيقة التي ذكرناها آنفاً.
الخلافات والعدوات تدب بين الحليفين هذا ما يصرح به الطرفان وما تدل الأحداث عليه.
البريطانيون قد يحاولون التعويض عن غياب الطرف الأمريكي في التحالف وإدارته لكن ليس البريطاني كالأمريكي لا قوته ولا إرادته ولا مصالحه، ولن يغير من النتيجة كثيراً، فالهزيمة هي الهزيمة وإن تغيرت أشكالها.
منذ 20 ديسمبر 2016 إلى 20 يناير 2017 مر شهر من الهجوم الكبير الذي شنت السعودية هجومها خلاله على مختلف الجبهات العدوانية من نهم - مأرب – العاصمة إلى بيحان - عسيلان وصرواح، إلى كهبوب ذوباب فالساحل الغربي والمخا.
ميدانياً تكبدت السعودية أكبر الهزائم التي واجهتها إلى الآن، ميدانياً خسرت آلاف المرتزقة من قتلى وجرحى خلال شهر فقط بينما تجاوزت خسائرها من المدرعات والآليات المئات والمئات، هذا يضاف إلى الكثير من الخسائر طوال العامين الماضيين من العدوان.
2تريليون هي مجموع الخسائر والديون المالية التي تحملها العدوان الطويل وحملاته الجوية والبرية، أكثر من ستين ألف قتيل وجريح ثلثهم على الجبهات الحدودية والشرقية السعودية، آلاف المدرعات والدبابات والآليات والعربات أكثر من عشرة آلاف آلية ومدرعة.
وتصل خسائر العدوان خلال الشهر الماضي من الهجومات المتوالية إلى عشرة آلاف قتيل وجريح نصفهم في كهبوب وذباب حيث مازال الهجوم متواصلاً ومستمراً رغم تراجعه في بقية الجبهات.
وهو ما يؤشر إلى طبيعة التكتيك الجديد الذي تتبعه السعودية في مواجهة هزائمها
وهو ما أشرنا إليه من قبل.
والنتيجة أن الهزائم الميدانية تتلاقى مع الهزائم الاستراتيجية السياسية وهي فقدان العدوان وتكسر تحالفه القيادي المركزي بعد رحيل القيادة الدولية السابقة ومجيء قيادة أمريكية جديدة لها مواقف من العدوان والارهاب مغايرة للإدارة السابقة.
نسمع البعض في الاعلام والصحافة والقنوات الوطنية وهي تتناول موضوع صعود ترامب بعد أوباما وهو اتجاه عدمي لا يريد أن يفهم أبداً أن هناك فار ق بين الاثنين يجب استغلاله لصالح معاركنا وانتصاراتنا دون أن نقع ضحية الجمود الفكري وهو اتجاه يبشر بالميل الأصولي والسلفي للسياسة، والكسل الفكري والتفاهة العقلية التي تم برمجتها وفقاً لخطوط محددة ثابتة لا تقبل أية تطورات على الموقف نتيجة تطورات الوضع في موقف العدو وانقساماته.
استراتيجية حرب الشعب هي الجمع بين القوة والخداع والسياسة والدهاء والقدرة على المكيدة، إن مصير الحرب كلها أحياناً مرهون بمدى تصرف القيادة الحصيف والذكي وعدم الاستعجال في إظهار الموقف قبل معرفة موقف القيادة الجديدة لأمريكا قبل استقرار الموقف الجديد للعدوان في عهده الجديد.
كيف نتعامل مع الموقف الجديد لمراكمة انتصاراتنا خطوة خطوة؟
إن هذا الهدف لن نبلغه إلا إذا اتصفنا قيادياً واعلامياً بذكاء ودهاء وهذا لا يتفق أبداً مع الاسلوب الاستفزازي القاصر النظر.
إن حربنا مزيج من النصر والمكيدة للعدو واستخدام صنم ضد صنم، واستغلال تناقضاتهم وتوسيعها وعدم السماح بتصرفاتنا وأقوالنا اللامسؤولة، التي قد تدفع بأطراف العدوان المختلفين إلى سرعة نسيان خلافاتهم ليتحدوا ضدنا مجدداً.
ويهمنا أن نعوذ بالذاكرة إلى معركة الخندق بين المسلمين - الطرف الأضعف - وبين التحالف المشرك لقريش ضد الاسلام - الطرف الأقوى - الذي جمع عشرة آلاف مقاتل كأكبر قوة آنذاك في الجزيرة العربية بعد نجاح تحالفه وتفاهمات أطرافه.
يومها أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بأن الانتصار على العدو يتطلب المكيدة والخداع لتفريق صفوفه واثارة الفتنة بينهم ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعض المسلمين في صفوف العدو ألا يظهروا إسلامهم إلا بعد النصر، وطلب منهم زرع الفرقة بين قريش وأحلافها من اليهود، وكانت الخطة الناجحة لنعيم بن مسعود التي أوجدت خلافاً بين الطرفين أدت إلى انسحاب قريش بعد أن شكوا من نوايا اليهود
وانسحاب اليهود بعد أن شكوا من نوايا قريش فانسحبوا من مواصلة الحرب ودب الخلاف فانفرط الحلف ضد الإسلام وانهار الحصار، لم تكن قوة المسلمين قادرة على مواجهة قوة الخصم المتجحفل بالقوة مباشرة وحدها، فقد أدرك الرسول الكريم بوحي من ربه ضرورة تفريق كلمة المشركين كمقدمة لإضعاف الحصار وانكسار الزحف، وبعدها أمكن للرسول إنجاز الزحف صوب مكة، لأن الحصار وانكساره كان يشير إلى التوازن الجديد في قوتي الطرفين فلم يمل لصالح الطرف المسلم إلا بعد تفريق الصفوف المعادية بالخديعة والمكيدة.