بسم الله الرحمن الرحيم
عرض وتحليل: عبد العزيز أبوطالب
عقد "منتدى مقاربات" بمركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني لقاءه الثامن، عصر الأربعاء/ 25-1-2017م، والتي كانت بعنوان " ترامب والشرق الأوسط" والتي حضرها كل من الأستاذ عبد الوهاب الشرفي كمتحدث رئيسي ومشاركة كل من الأستاذ علي سيف حسن من منتدى التنمية السياسية والدكتور إدريس الشرجبي رئيس تكتل ناصريون ضد العدوان والأستاذ محمد عايش الصحفي والكاتب، والأستاذ نزيه العماد المستشار القانوني للمؤتمر الشعبي العام والأستاذ عبدالجبار الحاج رئيس تيار اليسار الثوري اليمني، والأستاذ أحمد سيف حاشد عضو مجلس النواب الأستاذ أنس القباطي رئيس تحرير موقع يمنات والدكتور أمين الغيش أستاذ جامعي بجامعة صنعاء والأستاذ دكتور علي الطارق المحاضر بجامعة صنعاء،إضافة إلى فريق المركز برئاسة الأستاذ عبدالملك العجري والأستاذ عبدالعزيز أبوطالب رئيس دائرة المعلومات والنشر بالمركز، وقد ألقى الأستاذ عبد الوهاب الشرفي ورقته المعنونة بـ " ترامب والشرق الأوسط، … رؤية استشرافية عامة لمستقبل الشرق الأوسط في مرحلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب " أعقبها نقاش ومداخلات أثرت الموضوع وفيما يلي ملخص لأهم ما ورد في هذه الندوة:
يعتبر صعود ترامب حدثاً مثيراً بالنظر إلى شخصيته النرجسية والأصولية التي يتشبع بها وعنصريته المعلنة تجاه المسلمين والمهاجرين واللاجئين، كما أن مجيئه من خارج المؤسسة التقليدية المعتادة لصناعة الرؤساء جعله يصطدم بهذه المؤسسة العنيدة، وبين مؤيد ومعارض لفكرة سيطرة واحتكار المؤسسة الأمريكية لصناعة القرار الأمريكي كان التأكيد على أن للرئيس الأمريكي هامشاً من التأثير ما لم يصل إلى معارضة الخطوط العريضة التي قد تجعله يواجه مصير كينيدي أو لينكولن.
أطلق ترامب الكثير من التصريحات خلال حملته الانتخابية منها ما يتعلق بالشرق الأوسط واليمن، استشرف منها المحللون السياسيون مستقبل سياسته في المنطقة، لعل أهمها ما يتعلق بالكيان الصهيوني وإيران والخليج العربي، وبصورة أقل اليمن الذي نسعى للتنبؤ بشكل تعاطي الإدارة الأمريكية الجديدة معه ربما بصورة واضحة من منظور الخليج العربي والملف السوري المتشابكين مع الملف اليمني.
ينطلق مفهوم ترامب للأمن القومي الأمريكي من عدة عوامل لعل أهمها:
وعليه شدد البعض على ضرورة الإلمام بالثوابت التي يتشكل على أساسها مفهوم الأمن القومي الأمريكي لأنه ما سيحدد سياسات الإدارة الأمريكية الخارجية القادمة.
وهنا يتساءل البعض عن سبب تواجد أمريكا بشدة في المنطقة العربية خاصة بعد تراجع أهمية النفط أمام صعود النفط الصخري والغاز الذين يدفعان بالنفط إلى أسفل قائمة العناصر الجاذبة للتواجد الأمريكي الفاعل في المنطقة، وضرورة توجه واشنطن نحو الشرق استجابة لمستحقات اقتصادية ملحة. كما أن سياسة الانكفاء التي يدعو إليها ترامب تستدعي نوعاً من الخروج من المنطقة، وابتعاده الظاهر عن كل ما من شأنه أن يزيد من التكلفة على كاهل الخزينة الأمريكية، إضافة إلى عدم الاهتمام برحيل الأسد، والعدائية والانتهازية تجاه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والتبشير بالحرب الجادة ضد الإرهاب التي تصل إلى التغاضي عن حالة المنافسة على الهيمنة فيما بين الشرق والغرب، وحديثه عن الاستهداف المباشر للصين، جميعها توحي بأن ترامب سيمضي في طريق توجب عليه الابتعاد عن المنطقة فيما يعتبر مخالفة لمفهومه عن الأمن القومي الذي يصنف فيه أمن إسرائيل جزءاًَ من الأمن القومي الأمريكي،
الإجابة تكمن في بقاء الكيان الصهيوني وضمان أمنه، وتفسير تلك التناقضات الظاهرية تأتي من طبيعة تصريحات ترامب، فتصريحاته عن القضايا ذات العلاقة بالكيان الصهيوني بطبيعتها هي المهيمن على باقي تصريحاته المتعلقة بملفات الشرق الأوسط كون تلك الملفات هي من متعلقات الترتيب لأمن الكيان في المنطقة ابتداءً.
كان تركيز ترامب على الداخل في خطاب تنصيبه مؤشراً على استحقاقات داخلية على حساب التواجد الخارجي للسياسة الجديدة ما يعني إمكانية الانسحاب التدريجي من المنطقة، يضاف إلى ذلك انسحاباته من بعض الاتفاقيات الدولية وفرضه قيوداً على مساهمات بلاده في منظمات مؤثرة كنوع من تخفيف الأعباء المالية، كل ما سبق يؤيد فكرة الانسحاب، إلا أنه قد يكون لها آثار سلبية على قدرة وكفاءة سياسته الخارجية. وسيترك المجال للاعبين الإقليميين لتحديد مستقبل المنطقة ما يعني هامشاً لإيران التي سيؤثر تمددها في المنطقة على أمن الكيان الصهيوني المرتبط بأمن الولايات المتحدة،
وهو ما يرجح بقاءها في المنطقة بفاعلية مع تغيير محتمل لشكل وكيفية تمويل ذلك البقاء.
كان ارتباط الإرهاب بعلاقة سببية مع قضايا الهجرة واللاجئين والتبعات الأمنية لها، مسوغاً لاستخدام ترامب الإرهاب كمحدد لسياسته المستقبلية في المنطقة أو هكذا يبدو من تصريحاته، فإعلانه عن محاربة الإسلام الراديكالي إنما يهدف من ورائه إلى تحقيق عدة أهداف أولها ابتزاز دول المنطقة لمزيد من الدفع، كون الإرهاب هو العدو المرسوم لهذه المرحلة بعد استنفاذ الفزاعات السابقة (الشيوعية وصدام حسين وإيران)، إضافة إلى تطبيق مفهومه للأمن القومي من خلال ضمان أمن الكيان الصهيوني باستخدام الحرب على الإرهاب كوسيلة لإضعاف الجيوش المحيطة بالكيان وتفرده بالقوة في المنطقة، وذلك ربما يفسر استعداده للتعاون مع روسيا المنافس التاريخي للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وهو ما يعني ضمنياً التعاون مع سوريا الأسد.
فيما سبق كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحدد العدو دولاً وأنظمة وتسعى لمحاربتها وإسقاطها، واليوم يبدو الأمر مختلفاً؛ حيث أنها صنفت العدو منظمات إرهابية، وهنا يثار التساؤل التالي: هل بإمكان الولايات المتحدة حماية دول المنطقة من هذه المنظمات؟
وهو ما سيجيب عنه ترامب فعلياً في الأشهر القادمة من خلال أسلوب ونتائج محاربته للإرهاب.
كانت فترة ولاية أوباما - وما تخللها من تدمير للدول العربية تحت مسمى الربيع العربي خدمة للكيان الصهيوني- من أسوأ الفترات على المنطقة العربية، ورغم اصطدام ذلك المشروع بصخرة دمشق الصلبة وسقوطه هناك، إلا أنه ظهرت عقيدة أوباما الجديدة التي تنص على أنه ليس بالضرورة أن نستمر في الدفاع عن إسرائيل بل نخلق تحالفات في المنطقة تكون إسرائيل هي المسيرة لهذه التحالفات، من ثم يأتي التحالف الذي تقوده السعودية في عدوانها على اليمن أول تجربة لنجاح هذه التحالفات الجديدة،
كما مضى أوباما، يسعى ترامب إلى إنشاء تحالف جديد في المنطقة لمحاربة الإرهاب تشكله دول الخليج وتدفع تكاليفه أيضاً وهو ما يمكن اعتباره محدداً لسياسته تجاه هذه الدول إضافة إلى التطبيع المتصاعد مع الكيان الذي يعد بوابة للرضا الأمريكي.
لم يلتفت ترامب إلى اليمن إلا من باب نقده للحرب السعودية على اليمن معتبراً أن النفط يقف وراء أهداف تلك الحرب، وإن كان البعض يعتبر ذلك هجوماً على السعودية إلا أنه في الحقيقة تجاهلٌ للمعاناة الإنسانية المفروضة اليمن جراء العدوان والحصار السعودي وإغفالٌ للدور الأمريكي في هذا العدوان.
وعليه فالواقع أن الملف اليمني لم يحتل أهمية لدى الإدارة الأمريكية الجديد بقدر ذلك الاهتمام الذي حظي به الملف السوري لاعتبارات التنافس الروسي الذي يسعى إلى استعادة الثنائية القطبية إضافة إلى الموقع السوري الذي ينعكس ما يجري فيها على أمن الكيان الصهيوني،
يرتبط مستقبل تعاطي السياسة الأمريكية في الملف اليمني على عدة عوامل أهمها:
حالة العداء تجاه ما يسمى بالإسلام الراديكالي لدى ترامب سيكون لها دور في تفضيلاته فيما يتعلق بالمكونات الداخلية اليمنية، وهذا الأمر بدوره سيضيف نفوراً أمريكياً من طرف هادي لاعتبار تداخله الجوهري مع تيار الاسلام الراديكالي وكذلك تعيينه لشخصيات مصنفه أو مطلوبة إرهابياً، إضافة إلى النفور البادي نتيجة رفض طرف هادي للحل المقترح للملف اليمني المعروف بمقترح ولد الشيخ.
من جهة أخرى قد يقوم ترامب وإدارته الجديدة بتصنيف قوى وطنية في الداخل اليمني كمنظمات إرهابية خصوصاً حركة أنصار الله التي رسم لها الخصم صورة نمطية كتابع أو ذراع من أذرع إيران وهو خلاف الواقع فالملاحظ ان إيران لم تقدم لليمن شيئاً خاصة في ظروفه الحالية الحالكة،
يقترح البعض استخدام الدبلوماسية الموازية أو الدبلوماسية البديلة عبر تكليف مجموعة من أصدقاء أنصار الله في واشنطن بالتواصل مع وزير الخارجية الجديد الذي عاش في اليمن لسنوات وتربطه بالرئاسة السابقة علاقات طيبة لتصحيح الصورة النمطية عن أنصار الله وتقديمهم كحركة وطنية أسهمت في محاربة الإرهاب ولا تزال، وأنها غير مرتبطة بإيران.
إضافة إلى ما سبق يرى البعض أن من الممكن الاستفادة من بعض المعطيات كتوجه ترامب لمحاربة الإسلام الراديكالي الذي تعتبر السعودية ودول الخليج من مصادره وهي من أفرز تحديثاته (القاعدة وداعش)، بالتوازي مع مطالبة تلك الدول بدفع نصف عائداتها النفطية إلى الولايات المتحدة الأمريكية مقابل الحماية ما يشكل ضغطاً على الأنظمة الخليجية والسعودية بالذات وتخفيفاً لحدة العدوان على اليمن.
من المؤكد ارتباط الملف اليمني بملفات المنطقة كما أنه من الخطأ الاعتقاد بأن محاولة إيقاف العدوان على اليمن بشكل منفرد عن محيطها الإقليمي سيبوء بالفشل مالم تكن تلك المحاولات متجذرة مع إطارها الأممي والإسلامي.
مما يمكن أن يستغله اليمن هو "المبادرة" التي أغفلها المفاوض السياسي فمثلاً يقترح البعض أن يرفع للأمم المتحدة محضر التصويت على الثقة لحكومة الإنقاذ الذي تضمن اعتراض البعض عليها كمؤشر ديمقراطي أولاً، وتنبيه المجتمع الدولي -ثانياً- على شرعية الحكومة التي نالت ثقة المؤسسة الشرعية المعترف بها دولياً والمطالبة -ثالثاً- بمقعد اليمن في الأمم المتحدة،
فتقاعس المفاوض السياسي عن مثل هذه الخطوة يمثل إعفاءً للأمم المتحدة وأمينها الجديد من مسؤوليتهم القانونية والإنسانية تجاه اليمن.
هل سيكون مصير القضية اليمنية الإهمال وترك الملف بيد قوى إقليمية تتصرف به كتطبيق لتوجه الانكفاء والانسحاب الذي يتبعه ترامب؟
المتوقع أن القضية اليمنية لن تهمل كما هو الحال في القضية الصومالية لأسباب منها:
وبالتالي سيظل الملف اليمني مفتوحاً ذا علاقة بالملف السوري ضمن التنافس بين مشروعي التطبيع مع الكيان الصهيوني وعدم التطبيع معه والمعتمل حالياً في المنطقة كأساس لتنصيف المحاور.
في مقابل كل ما سبق يرى البعض أنه لا داعي لمزيد من الاهتمام بترامب والتنبؤ بمسار سياسته المستقبلية في اليمن بقدر ما نهتم بالداخل اليمني مع استغلال ذلك كفرصة للتوحد الداخلي.
في البداية جاءت أحاديث ترامب عن حلفائه في الخليج مخيبة للآمال؛ لكن تهديداته لإيران جعلها تضمن على الأقل عدم تطرفه ضدها، وإمكانية انحيازه إليها خاصة إذا ما التزمت ببعض مطالبه المالية والتحالفات التي يحاول ترامب إنشائها في المنطقة.
في حملته الانتخابية هدد ترامب إيران بإلغاء الاتفاق النووي والذي عده البعض مؤشراً لمدى مصداقيته نحو مفهومه الجديد للأمن القومي الأمريكي باعتبار أمن الكيان الصهيوني جزءاً لا يتجزأ من أمن الولايات المتحدة القومي، إلا أن كثراً من المراقبين يستبعدون ذلك لارتباطه بدول أخرى، وحصوله على قرار دولي يثبت أركانه،
العقوبات الأمريكية على إيران هي الأخرى أداة حركها ترامب من خلال عودتها الفاعلة بقانونين يفرضان العقوبات الاقتصادية على إيران والتي تعدها إيران عوامل قد تؤدي إلى توتر المنطق، من جهتها ترد إيران بالتهديد بالعودة إلى مفهومها السابق لأمنها القومي القائم على المزيد من الاستقطاب والتمدد والسعي نحو تحقيق السيطرة خارج حدودها عبر إقامة قواعد مستقبلية محتملة في اليمن وسوريا وهو ما لا يريح أمريكا ولا الكيان الصهيوني.
أطلق ترامب العديد من الوعود لصالح إسرائيل تعد خارجة عن المألوف منها:
تصريح مسؤول كبير في إدارة ترامب أن نقل السفارة يحتاج إلى سنوات يعطي مؤشراً على أنه ليس بالضرورة تنفيذ كل ما يتعهد به الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية، فرغم الرسالة القوية التي أرسلها ترامب - قبل تسلمه منصب الرئاسة- والمعبرة عن مدى تأييده للكيان الصهيوني حينما حاول عرقلة استصدار قرار أممي يدين الاستيطان إلا أنه يتوقع عدم وفائه بالتعهد بنقل السفارة لأسباب قانونية قد يجد فيها ترامب مخرجاً للتنصل من ذلك التعهد وهو أن تلك الخطوة تمثل خروجاً على القانون الدولي والقرارات الأممية التي تضع القدس تحت وضع خاص لحين الانتهاء من حل الملف الفلسطيني.
وبديلاً عن ملف السفارة سيتجه ترامب إلى دعم ملف الاستيطان بقوة كتعويض عن عدم وفائه بنقل السفارة وربما يكون ذلك هدفاً يناسب الكيان كثيراً.
بعد عودته من زيارة السعودية ولقائه بالعديد من أمرائها أدلي الصحفي الصهيوني توماس فريدمان بشهادته أمام صانع القرار الأمريكي مركزاً فيها على أن الأمريكان في واد والعائلة السعودية في واد آخر، وخاطبهم قائلاً: "الخطر هو أن تتوجه داعش باتجاه إسرائيل عندها سيكون تحالفكم السني قد خرج من النافذة، لأن استهداف إسرائيل يعني سقوط السعودية التي سيسحب منها داعش آخر بساط وهو إسرائيل".
جملة يمثل صعود ترامب نكبة على المنطقة خاصة القضية الفلسطينية التي ينظر إليها ترامب من خلال مفهومه الخاص للأمن القومي الأمريكي المتطرف،
في الختام وفيما يخص الجانب اليمني يتوقع المحللون السياسيون أن يدفع ترامب بالمزيد من الدعم للسعودية التي استطاعت أن تتفهم شخصيته وتتجاوب مع مطالبه الانتهازية بتقديم العروض التي يهدف إليها ترامب من خلال تهديداته المستمرة خلال حملته الانتخابية، مالم يتم التعاطي بإيجابية وبراغماتية مع بعض الفرص الممكنة للجانب اليمني في مجال الإرهاب وعلاقة الفار هادي ومرتزقته بالشخصيات الإرهابية التي ضمها في تعييناته ومناصب حكومته اللاشرعية.
كما لا يتوقع الكثير انسحابه من المنطقة بالمفهوم العام للانسحاب، وإنما هو تعبير عن أزمة داخلية لها علاقة بالاقتصاد، ما جعل سياسته تتسم بالانتهازية والابتزاز بهدف إعادة توزيع الأكلاف على اللاعبين الإقليميين في المنطقة، تلك السياسة التي تسمح له بترك الروسي يستهلك نفسه في الملف السوري ويتغاضى عن المطالبة برحيل الأسد ليستمر في الاقتتال مع داعش، بينما يفرض على دول الخليج إنشاء التحالفات المدفوعة الثمن لمحاربة من تبقى من تلك القوى المتحاربة.