صدر عن مركز الأبحاث الأوروبي التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تقرير بواسطة آدم بارون وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي العلاقات الخارجية وباحث في معهد الأنثروبولوجيا الاجتماعية في الأكاديمية النمساوية للعلوم ومؤسس مشارك لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية،
ونظراً لأهمية التقرير نقوم باستعراض أهم الأفكار الواردة فيه:
تعرف الحرب العدوانية على اليمن في الأوساط الغربية بالحرب المنسية نظراً لتجاهل المجتمع الدولي للمعاناة التي يعيشها الشعب اليمني في ظل حصار خانق وتدمير شامل لكل بنى الدولة ومرافقها وحتى منازل المواطنين، وقد نشر مركز الأبحاث الأوروبي التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تقريراً هاماً وتحليلاً شاملاً عن العدوان الذي تشنه السعودية وحلفاؤها على اليمن وتقييماً لتلك الحرب التي وصفها التقرير بالحرب الفاشلة.
يفتتح الكاتب تقريره بالقول إن السعودية لم تستطع تحقيق أياً من أهدافها التي حددتها بدحر الحوثيين وصالح أو تأمين حدودها أو الوقوف في وجه التمدد الإيراني المتمثل في حركة الحوثيين أو إعادة حكومة هادي التي أكد التقرير أنها لا تحظى بأي شعبية في الداخل. وأنه رغم العمليات العسكرية التي لا هوادة فيها فما زال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء والمرتفعات الشمالية للبلاد، والجزء الأكبر من ساحل البحر الأحمر في البلاد وجزء كبير من وسط مدينة تعز.
فيما يذكر التقرير أن الهدف الوحيد الذي حققته تلك الغارات هو الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والملايين من النازحين، كما تسببت في حدوث مجاعة جراء الحصار وتدمير البنية التحتية والانتاجية لبلد يعاني أصلاً من وضع اقتصادي سيئ وصراعات ممتدة.
يشير التقرير إلى نتيجة أخرى لهذه الحرب العدوانية وهو تدمير وتفكيك الدولة اليمنية لتصبح دولة فاشلة، ويحذر أن آثار وتداعيات الفوضى في اليمن لن تقتصر على اليمن وحده بل ستشمل المنطقة ولن تسلم منها أوروبا نفسها؛ حيث يفترض أن تجارب الصراعات البعيدة يمكن أن يكون لها آثار محلية كبيرة، ما يعني أنه يتوجب على الدول الأوربية أن تستقبل موجة من اللاجئين بسبب تدهور وتفكك ذلك البلد وانعدام الأمن وفرص العمل فيه. وبالتالي يوصي التقرير الاتحاد الأوربي والدول الأعضاء فيه بضرورة دعم الجهود الإنسانية في اليمن وفي الوقت نفسه العمل على حماية مؤسسات الدولة قبل فوات الأوان.
لا يستغرب التقرير أن تتجه اليمن إلى التقسيم في ظل صراعات متعددة يدفعها توتر طائفي كبير في أجواء من التأثيرات الإقليمية للتوتر السعودي الإيراني وتزايد الجرأة الإقليمية للإدارة السعودية الجديدة التي جلبت الصراع إلى اليمن.
ويضيف أنه مما زاد من تعقيد القضية اليمنية هو استقدام القاعدة وداعش لملء الفراغ في المناطق التي أبعد عنها الحوثيون. وانتشار العديد من المجموعات السلفية المتفرعة والمختلفة التي سيكون من أهم العقبات أمام تحقيق أي سلام في اليمن هو كيفية دمج تلك الجماعات المختلفة والمتنافسة في العملية السياسية.
يسلط التقرير الضوء على فشل حكومة الفار هادي التي وصفها بأنها خليط غير متماسك فكرياً من الشخصيات والفصائل الانتهازية، ولا تملك رؤية للمستقبل في حال انهزم الحوثيون.
كما سخر التقرير أيضاً من إعلان هادي وحكومته السيطرة على معظم الأراضي اليمنية بينما لا يستطيع مغادرة قصر المعاشيق المحصن، وأكد أن تلك الحكومة المعترف بها دولياً لا تزال غير قادرة على التحرك خارج أسوار المعاشيق، ولا تستطيع رفع العلم اليمني الذي غاب تماماً هناك، ناهيك عن الحكم حتى في المناطق "المحررة" من البلاد وإنما يقتصر عملها على زيارات رمزية تحت حراسة مشددة من قوات التحالف الأجنبية.
يصف التقرير تحالف الحوثي وصالح بالمرجح رغم كل الصعاب، وأنه استطاع الحفاظ على قدر من التماسك ربما بسبب الحرب التي تشن ضدهم، كما استطاع الحفاظ على مؤسسات الدولة. وأن الفريقين تمكنا على الرغم من تاريخهما المتوتر من العمل بشكل متماسك وقوي في القتال جنباً إلى جنب في الميدان العسكري والتمثيل الدبلوماسي في الميدان السياسي التفاوضي لإنهاء الصراع.
عند المقارنة يؤكد التقرير أن المناطق التي يسيطر عليها صالح والحوثي متماسكة وإن شهدت نوعاً من عدم الاستقرار فبسبب عمليات القصف السعودية.
بينما تلك التي تحت سيطرة هادي والجماعات المسلحة تشهد المزيد من التصدع والاقتتال الداخلي، ومنقسمة إلى أيديولوجيات متفرعة ومختلفة بشكل كبير، وعن السلطة يرى انها تتركز في أيدي شخصيات طالما ارتبطت بالفصائل المتشددة والحراك الجنوبي مثل عيدروس الزبيدي وشلال شائع. ويضيف أن تلك الشخصيات تتمتع بحكم شبه ذاتي وكثيراً ما تتجاوز هادي في التنسيق مع السعودية أو الإمارات، كما لا تخفي عدم رغبتها في التعاون من أعضاء حكومة هادي من أصل شمالي.
يؤكد التقرير أنه رغم اجتماع الإمارات والسعودية على نفس الهدف في اليمن؛ إلا أن تعاملهما مختلف على أرض الواقع، فبينما تركز السعودية على المناطق الشمالية، توجه الإمارات جهودها نحو الجنوب، ويرى أن ذلك التقسيم لا يخلو من تداخل وتوترات بسبب موقف الإمارات من الإخوان المسلمين، ويتهم التقرير تلك الديناميكيات الداخلية والإقليمية المتنافسة في التسبب بانفجار سياسي داخلي وانهيار للمؤسسات في المناطق التي يسيطرون عليها.
وسط هذا الاضطراب العام في اليمن يلاحظ التقرير ظهور مجموعتين:
الأولى: الانفصاليون الجنوبيون الذين يسعون للسيطرة على الجنوب المستقل سابقاً.
الثانية: مجموعة متنوعة من الفصائل السلفية التي عملت مع الانفصاليين بجانب القوات المدعومة من الإمارات، كما أنها هي المسؤولة عن الفوضى المستمرة في تعز. ويشدد على أن المهمة الصعبة لأي جهود قادمة للسلام هي في دمج الشبكات السلفية في الهيكل الوظيفي للحكم في مرحلة ما بعد الصراع.
ولا يهمل التقرير تنظيم القاعدة في اليمن الذي يشكل تحدياً هائلاً والذي لاحظ انتعاشه بعد فقدان المكلا وانطلاق عدة هجمات له على قوات الحوثي شمالاً والقوات المدعومة من الإمارات جنوباً.
من الناحية الإنسانية يؤكد التقرير أن اليمن يواجه جيلاً ضائعاً بين خيار البحث عن الطعام أو التعليم، وأنه سيواجه عقوداً من التداعيات فملايين الأطفال يكبرون بدون تعليم ويعانون من سوء التغذية في بيئة لا تملك الكثير من الوظائف المتاحة، ويضيف أنه مع كل يوم من الصراع تتفاقم الأوضاع،
إضافة إلى مشاكل تتعلق بتفكك النسيج الاجتماعي وانتشار غير مسبوق للطائفية ما يعني تهديداً راسخاً لتشكيل الأبعاد المجتمعية في البلاد حتى في مرحلة ما بعد الصراع، في هذا الصدد يرى التقرير أن اليمن ليست بحاجة إلى بنى تحتية بقدر حاجته إلى إصلاح الخلل في النسيج الاجتماعي.
ويحذر من أن انهيار مؤسسات الدولة التي لا تزال قائمة بما في ذلك احتمال تفكك البلد، والانتشار النشط لتنظيم القاعدة والفراغ الخطير في السلطة قد يأتي مع انعكاسات سيئة جداً ليس فقط لليمن، ولكن للمنطقة وأوروبا أيضاً.
ينبه التقرير أن أوروبا لا تستطيع أن تتجاهل اليمن، ويتساءل ماذا يمكن وماذا يجب على أوربا أن تفعله؟
عند الإجابة على هذا التساؤل يشدد التقرير على أن الاتحاد الأوربي والدول الأعضاء فيه لديهم مصلحة استراتيجية وأخلاقية في إنهاء الصراع؛ حيث يمكن أن يؤدي الفشل في التعامل مع الأزمة اليمنية إلى أن يصبح اليمن مركزاً جديداً للجماعات الإرهابية ذات التوجه العالمي، ويمكن أن يحفز موجة جديدة من اللاجئين إلى أوروبا،
بداية يشدد على الدور الرئيس للمتحاربين وداعميهم في نزع فتيل الصراع، ويستدرك ما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتخذه من خطوات للمساعدة في إنجاح عملية السلام في اليمن كالتالي:
استنتاج
يختتم التقرير بنتيجة أن مأساة اليمن ستمتد إلى ما بعد الحرب فالدولة ومؤسساتها تتهاوى، في وقت تواجه أزمة إنسانية بعيدة المدى ربما تتجاوز سوريا في حدتها. ولكن على الرغم من بُعد اليمن الجغرافي والمجازي عن أوروبا؛ إلا أنه لا ينبغي تجاهل ضرورة بذل جهود استراتيجية وأخلاقية أوروبية قوية للفهم والمساعدة في حل الصراعات في البلاد، وأن توفر سياسة أوروبية متماسكة في اليمن سيلعب دوراً قوياً في تحسين الوضع الإنساني في البلاد، ولاحقاً وضع أسس لسلام حقيقي ومستدام.
انتهى؛؛؛