تتعدد أَوجه ومستويات المسؤولية القانونية القائمة على المملكة العربية السعودية جرَّاء عدوانها على اليمن، بتعدُد ما ارتكبته السعودية في حق اليمن والشعب اليمني من جرائم وانتهاكات جسيمة موصوفة في نصوص وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وفي اتفاقيات (لاهاي) واتفاقيات (جنيف) والبروتوكولات الملحقة بها، والمواثيق الدولية ذات الصلة، التي تشكل في مجموعها قوام "القانون الإنساني الدولي". ومن تلك الجرائم والانتهاكات المثبتة والمشهودة أمام شعوب ودول العالم أجمع، وأمام كافة المؤسسات الدولية، والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية والإقليمية والمحلية.
جريمة مبادأة العدوان بشن الحرب على اليمن إبتداءً، وتالياً تجاه ما لحق باليمن والشعب اليمني جراء هذه الحرب العدوانية من قتل لآلاف المدنيين- رجال ونساء وشيوخ وأطفال- وأضعافهم من المعاقين والمصابين بعاهات مستديمة، ومن تشريد لملايين اليمنيين من قراهم ومساكنهم، وما أحدثته السعودية في هذه الحرب العدوانية من دمار واسع في بنية اليمن التحتية وفي المنشآت العامة والخاصة، والمواقع التاريخية والثقافية والمنشآت الصحية والتعليمية في عموم مدن ومناطق اليمن، ذلك إلى جانب ما ترتب على جريمة الحصار الشامل (البري والبحري والجوي) الذي فُرض على الشعب اليمني من قبل دول العدوان بقيادة السعودية من أضرار فادحة ومتنوعة طالت جُلّ أفراد وشرائح الشعب اليمني .
واتساقاً مع المنهجية القانونية فإن المقام يتطلب تقسيم هذه الدراسة إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: توصيف وتأصيل طبيعة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها السعودية في حق اليمن والشعب اليمني
أولاً: العدوان على اليمن
حَلّ العام 2015م والشعب اليمني لايزال تحت وطأة أحداث "أزمته السياسية" المتوالية فصولها منذ عام 2011م، بكل ما كانت قد أفرزته على مدى أربع سنوات من أوجه معاناة قاسية طالت مختلف جوانب حياته.
وفي اللحظة التي كان اليمنيون فيها قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى حل سياسي يعالج النقاط الخلافية التي كانت قائمة حينها بين الأطراف السياسية اليمنية، ويؤسس لمرحلة الشروع في بناء مؤسسات الدولة اليمنية الحديثة، وفقاً لما تضمنته مقررات (مؤتمر الحوار الوطني الشامل) وبما يكفل أن تقوم هذه المرحلة على قاعدة " توافقية وقانونية" صلبة. وأثناء ما كانت جميع الأطراف السياسية اليمنية منخرطة في جولة جديدة من الحوار السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة، ودعم وتأييد "الدول العشر" الراعية للعملية الانتقالية في اليمن ؛ حدث بعد منتصف ليل 26 مارس 2015م أن قامت الدولة المستقلة وذات السيادة والدولة العضو في الأمم المتحدة المملكة العربية السعودية بمبادأة العدوان على السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية، للدولة المستقلة وذات السيادة والدولة العضو في الأمم المتحدة دولة الجمهورية اليمنية، وذلك عبر مبادأتها في ذلك المساء باقتراف الأعمال العدوانية التالية:
ثانياً: طبيعة جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة
على الرغم من حجم ونوع التحركات والترتيبات - السابقة للعدوان والمصاحبة له - التي قامت بها السعودية، وحجم الأموال الطائلة التي أنفقتها في هذه التحركات والترتيبات بهدف تحييد وإبعاد الهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، والإعلام العالمي عن حقيقة ما يجرى على مسرح الحرب التي تشنها على اليمن وما ترتكبه خلالها من فضائع بشعة وجرائم حرب مروعة في حق اليمن والشعب اليمني. وبالرغم من أنها قد تمكنت من تحقيق جزء كبير من هدفها هذا، وأمكنها عزل اليمن كلياً، على مدى أشهر طويلة من عمر هذه الحرب العدوانية عن محيطه وعن العالم، حتى سميت بـ"بالحرب المنسية"؛ إلا أن عدداً من الشهادات والتقارير قد صدرت عن عدد من الهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية ،مثل هيومان رايتس ووتش و الهيئة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود، التي تسنى لها الاطلاع على جزء من مآسي الوضع القائم في اليمن، واصفةً وقائع ومجريات هذه الحرب العدوانية التي تشنها السعودية على اليمن والشعب اليمني، بأنها من أقذر وأشنع "حروب الدول" التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
القسم الثاني: الطبيعة القانونية للخروقات والاخلالات التي اقترفتها المملكة العربية السعودية لالتزاماتها القانونية الدولية وانتهاكاتها لتعهداتها الدولية خلال عدوانها على اليمن:
أولاً: ما يتصل بالحرب العدوانية المسلحة
وتأكيداً لهذه المقاصد السامية التي أُنشئت لأجلها هيئة الأمم المتحدة، أتت المادة ( 2/ 4) من الميثاق "بصيغة النص الآمر" في إلزام أعضاء الأمم المتحدة بالامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
وفي سبيل تعزيز مبدأ سيادة الدول، وتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أسس ميثاق الأمم المتحدة في المادة (2 / 7) منه للقاعدة القانونية الدولية التالية:
"ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل، لأن تُحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يُخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع".
إن الجمعية العامة، وانطلاقاً من كون أحد مقاصد الأمم المتحدة الأساسية، هو أن تصون السلم والأمن الدوليين، وأن من واجب الدول بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، أن تفض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية، وعلى وجه لا يعرض للخطر السلم أو الأمن أو العدل الدولي، وأنه لما كان "العدوان" هو أفدح صور الاستعمال غير المشروع للقوة وأخطرها.
ولاقتناعها بأن اعتماد "تعريف للعدوان" خليق بأن يؤدي إلى ردع أي معتد محتمل، وأن يُيَسر البت في وقوع أعمال العدوان، وتنفيذ التدابير اللازمة لقمعها، كما يُيَسر حماية حقوق المعتدى عليه ومصالحه المشروعة والقيام بمساعدته.
وصولاً إلى ما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المشار إليه في تعريــــف العدوان: "أن العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما، ضد سيادة دولة أخرى أو سيادتها الإقليمية أو استقلالها، وأن المبادأة باستعمال القوة من قبل دولة ما خرقاً للميثاق، تشكل بينة كافية مبدئياً على ارتكابها عملاً عدوانياً".
تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه، وذلك دون الإخلال بأحكام المادة (2) وطبقاً لها:
ثانياً: ما يتصل بجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة
تنطلق فكرة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من فكرة أنه ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار أساليب الحرب، خاصة تلك التي تلحق آلاماً وأضراراً مفرطة لا تقتضيها الضرورات العسكرية، كتلك التي تلحق أضراراً بالمدنيين والأشخاص الذين لا يشتركون في العمليات الحربية، وبالأموال والممتلكات والمنشآت التي ليست لها علاقة بالعمليات العسكرية.
وقد تطور القانون الإنساني الدولي ضمن القانون الدولي العام، عبر مراحل عدة، ابتداءاً من اتفاقية جنيف سنة 1864م، ثم اتفاقيات لاهاي لعام 1907م، وبروتوكول جنيف عام 1925م، وصولاً إلى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، التي تم التوصل إليها والتوقيع عليها في المؤتمر الدولي المنعقد في جنيف بتاريخ 12 أغسطس1949م، والذي أتى عقده في أعقاب التجربة الأليمة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وقد تضمنت هذه الاتفاقيات الأربع مجموعة من القواعد والأسس الجديدة والشاملة بكافة نواحي الحرب وتداعياتها، والتي صارت تعُرف بالمبادئ الأساسية في القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي العام .
القسم الثالث: المسؤوليات الدولية والقانونية القائمة على المملكة العربية السعودية الناتجة عما ارتكبته من جرائم وانتهاكات في حق اليمن، وعن إخلالاها وانتهاكاتها لالتزاماتها وتعهداتها الدولية
استناداً إلى ما سبق تناوله في القسمين الأول والثاني -من هذه الدراسة- في توصيف طبيعة الأعمال الإجرامية وتأصيل الطبيعة القانونية لعديد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها السعودية في حق اليمن والشعب اليمني، والاخلالات التي اقترفتها السعودية لالتزاماتها وتعهداتها الدولية خــلال عدوانها على اليمن. والتي تُعد في مجموعها ونوعها في التكييف الدولي ضمن:
وبناءً عليه فإن المسؤوليات الدولية والقانونية الناتجة عنها، والقائمــة الآن علــى المملكة العربية السعودية تتوزع بين نوعين من المسؤولية "المسؤولية الجنائية الدولية، والمسؤولية المدنية الدولية ".
أولاً: المسؤولية الجنائية الدولية
وفقاً للشرعية الدولية المنشِئة "للمحكمة الجنائية الدولية" كمعزز للمسؤولية الجنائية الدولية ولآليات نفاذ قواعد القانون الدولي العام بشكل عام وقواعد القانون الدولي الإنساني بشكل خاص، فقد أرسى النظام الأساسي "للمحكمة الجنائية الدولية" المقر في مؤتمر (روما) بتاريخ 7 يوليو عام 1998م والمصادق عليه من مجلس الأمن الدولي في القرار رقم (1315) لعام 2000م، أُسس المسؤولية الجنائية الدولية الفردية، إذ نصت المادة (25) من " نظام روما " على: -
وأمام ما سبق نجد أن المسؤولية الجنائية الدولية قائمة بكل أركانها على المملكة العربية السعودية وأن ما ارتكبته من جرائم وانتهاكات في حق اليمن والشعب اليمني، إبتداءً من جريمة "الحرب العدوانية المسلحة" وصولاً إلى سلسلة جرائم "الحرب والجرائم ضد الإنسانية" التي ارتكبتها السعودية في حق اليمن والشعب اليمني، لا تدخل فقط في نطاق اختصاص "المحكمة الجنائية الدولية" بل تشمل جميع اختصاصاتها المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة.
ثانياً: المسؤولية المدنية الدولية ([3])
أولاً: في تعريف المسؤولية المدنية الدولية وعناصر قيامها ونتائجها
متى ما توفرت عناصر المسؤولية المدنية هذه (كما هــو الحــال القائــم الآن بالنسبة للمملكة العربية السعودية بصفتها أحد شخصيات القانون الدولي العام، وما اقترفته من سلسلة أعمال غير مشروعة ضد إحدى شخصيات القانون الدولي العام الجمهورية اليمنية) تقوم بذلك مسؤولية الدولة، وتبدأ بوقف الفعل غير المشروع أي بالتوقف عن الاستمرار في اقتراف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتالياً بالتعويض عن الجرائم المقترفة، وما نشأ عنها من ضرر، وذلك إما بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الفعل غير المشروع، أو بدفع التعويض المالي عن الأضرار المترتبة على الفعل أو الأفعال غير المشروعة .
ثانياً: أشكال التعويض وطُرق الحصول عليه
(أشكال التعويض)
إن التعويض الذي يكون هدفه إصلاح وجبر الأضرار الناتجة عن إخلال دولة ما بالتزاماتها الدولية، ليس واحداً بل هو متعدد الأشكال، شريطة تحقق التعويض العادل في أي منها، والذي يجب أن يمحو بقدر الإمكان كافة الآثار المترتبة عن العمل غير المشروع كما لو لم يرتكب.. ومن أشكال التعويض:
(طُرق حصول التعويض):
وتتمثل طُرق التعويض في طريقتين اثنتين [طرق سياسية، وطرق قانونية]:
أولاً: الطُرق السياسية
تتمثل تسوية التعويضات عبر الطرق السياسية الأكثر شيوعاً في تاريخ المنازعات المسلحة الدولية، وتتسم بالسرعة في حسم التعويض، إلى جانب ذلك فإن الحلول التي يتم التوصل إليها عبر الطرق السياسية تكون نابعة عن إرادة الأطراف، الأمر الذي يساعد على سرعة تنفيذ النتائج التي يتم التوصل إليها.. ويكون السير في الطرق السياسية من خلال الوسائل التالية:
فيصُار هنا إلى تشكيل "لجنة تحقيق" تتكون من خمسة أعضاء [اثنان من كل دولة، وعضو واحد من دولة محايدة] وتتولى هذه اللجنة "مهام تقصي الحقائق" من كل جوانبها القانونية والفنية والمالية.. وفي ضوء ذلك تضع اللجنة حلول توافقية مكونة من شقين:
ثانياً: الطرق القانونية
وفقاً للقواعد المستقرة في القانون الدولي العام، فإن الدول فقط هي الشخصية القانونية المؤهلة للمطالبة بالتعويض المرتبط بالمسؤولية المدنية الدولية، كون الدولة هي الشخص الأصيل في القانون الدولي المخول بإثارة دعوى ضد دولة أخرى للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها، سواء كانت أضرار مادية أو معنوية.
أما بالنسبة للأشخاص الطبيعية - الأفراد - أو المعنوية - المنظمات وما في حكمها- فإن القانون الدولي أناط بالدول التي يحمل الشخص جنسيتها، الحق في تبني مطالب رعاياها دولياً، ويطلق على هذا التصرف مصطلح "الحماية الدبلوماسية" ويقصد به قيام الشخص الدولي - الدولة - بحماية رعاياه تجاه شخص دولي آخر، وذلك لإصلاح ما تعرضوا له من أضرار.
استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة وإلى البروتوكول الأول لعام 1977م، والمواثيق الدولية ذات الصلة، تتجسد الوسائل القانونية المتاحة حسب القانون الدولي، لتسوية التعويضات المرتبطة بالمسؤولية المدنية الدولية، في الوسائل التالية:
ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والأعراف الدولية السائدة، يجري التقاضي أمام أي من هذه المحاكم الدولية الثلاث، عبر:
وبالنظر إلى ما يحيط "بالحالة اليمنية - السعودية" الراهنة من عدائية سعودية عمياء، ومن تعقيدات سياسية وقانونية ناتجة عن احتكار واختطاف شرعية الدولة اليمنية لدى الجانب السعودي، إلى جانب ما يكتنف الموقف الدولي الراهن من انحياز كلي للموقف السعودي، وبالتالي ما يترتب من كل ذلك على ملف "المسؤوليات الدولية والقانونية القائمة الآن على السعودية والأطراف المشاركة في العدوان كما تم تناول مختلف جوانبها وعناصرها المادية والموضوعية والقانونية والسياسية" في محتوى هذه الدراسة - يكون من قبيل تأكيد المؤكد القول بأن فرص تحريك "ملف التعويضات" من خلال الطُرق القانونية، أمامه الكثير من العوائق والصعوبات، وتبقي الفرص المتاحة أمامنا حالياً لتحريك هذا الملف من خلال الطرق السياسية، خصوصاً وأن الجانب السعودي قد ألزم نفسه أمام المجتمع الدولي وعبر كل الوسائل ومنذ بدء العدوان على اليمن "مسؤولية إعادة الإعمار"، إضافة إلى أن الموقف الدولي والموقف الأمريكي يؤكـــد مسؤولية والتزام المملكة العربية السعودية في إصلاح وجبر الأضرار التي لحقت باليمن والشعب اليمني.
وليس قانونياً، ولا يجوز أن يعتبر كذلك، أي كسب قانوني أو أي غنم خاص ناجم عن ارتكاب عدوان.
([2]) بالعودة إلى نص البيان الرسمي الصادر من "حكومة المملكة العربية السعودية" عشية مبادأتها العدوان على اليمن مساء 26 مارس2015م، وما قدمته أمام العالم في هذا البيان من "مبررات" لشن هذه الحرب العدوانية على اليمن تحت مسمى "عاصفة الحزم" والتي جوهرها:
- مما يكشف) نوايا "الميليشيات الحوثية" في تكرار عدوانها السافر الذي اقترفته دون أي مبرر حين هاجمت أراضي المملكة العربية السعودية خلال شهر نوفمبر 2009م. فقد قررنا الاستجابة لطلب الرئيس هادي لحماية اليمن وصونه من عدوان المليشيات الحوثية التي كانت ولا تزال في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن والمنطقة.
([3]) انظر سلسلة التقارير القانونية الصادرة من الأمانة العامة للأمم المتحدة.