سقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة "أبو محمد الجولاني" على جزء كبير من سوريا لم يكن مجرد نتاج أحداث داخلية أو نزاعات إقليمية بل هو جزء من مخطط محكم وضعته غرفة عمليات أمريكية-صهيونية بالتنسيق مع تركيا التي لعبت دورا أساسيا في المخطط، هذا المخطط استهدف تفكيك الدولة السورية وإضعافها بشكل ممنهج بهدف إخراجها من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي وتقليص تأثيرها كركيزة أساسية لمحور المقاومة، الدور التركي الذي تظاهر في البداية بدعم المعارضة السورية لأسباب داخلية وإقليمية، كان جزءاً من استراتيجية دولية تهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة و الكيان الإسرائيلي على حساب وحدة سوريا واستقرارها.
أحد أبرز مظاهر هذا المخطط كان استهداف العدو الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية العسكرية السورية حيث شن العدو الإسرائيلي سلسلة من الضربات الجوية بلغت (480) ضربة جوية طالت معظم المطارات العسكرية السورية، بالإضافة إلى المطارات المدنية التي تشكل نقاط اتصال استراتيجية بين سوريا والعالم، واستهدفت هذه الهجمات تعطيل قدرة الجيش السوري على التحرك السريع أو استقبال الدعم اللوجستي والأسلحة الاستراتيجية، كما دمرت القوات البحرية السورية بشكل كامل في اللاذقية وطرطوس، مما أدى إلى إضعاف قدرة سوريا على حماية سواحلها ومنع أي تهديدات بحرية محتملة من قبل العدو الإسرائيلي دون أي تعليق من قبل تركيا الدولة الراعية للتغيير.
هذه الضربات التي تركزت على تعطيل الدفاعات الجوية السورية والقواعد الاستراتيجية تهدف إلى ضمان أن تكون سوريا دولة ضعيفة وتابعة وغير قادرة على استعادة دورها المحوري في المنطقة حتى بعد انتهاء النزاع الحالي المسمى ثورة، إنها جزء من خطة أوسع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد بحسب المفهوم الأمريكي والإسرائيلي وبما يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية حيث يرى العدو الإسرائيلي في ضعف سوريا فرصة لتعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط وتقليص التهديدات المحتملة من محور الجهاد والمقاومة ويكون الكيان الصهيوني منطقة مركزية في هذا الشرق المزمع انشاؤه أمريكياً بحسب أحلام النتن ياهو.
توغل العدو الإسرائيلي في العمق السوري واحتلاله كامل الجولان وتمدده إلى قرى وأرياف محافظة ريف دمشق واستيلائه على منطقة جبل الشيخ الاستراتيجي يظهر أن المخطط لم يكن يقتصر على إضعاف سوريا فقط بل يشمل تحويلها إلى ساحة خالية من أي مقاومة فعالة للكيان، اليوم أصبحت إسرائيل على بعد 25 كيلومتر فقط من دمشق هذا مؤشر خطير يعكس حجم التهديد المستقبلي الذي يواجهه الشعب السوري والمنطقة بأسرها إذ سمح للكيان الإسرائيلي بالتوسع والسكوت عن توسعه.
سوريا التي كانت تمثل مركز ثقل جغرافي واستراتيجي بين لبنان والعراق والأردن، أصبحت الآن ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية على رأسها أمريكا وروسيا وتركيا والكيان الصهيوني مما يهدد بتقسيمها إلى مناطق نفوذ تخدم مصالح اللاعبين الخارجيين، فقسم لأكرادها وقسم لتحرير الشام وستظهر جماعات أخرى في قادم الأيام،
هذا الواقع لا يشكل تهديداً لسوريا فقط بل لدول الجوار بأكملها ففي لبنان أدى انهيار العمق السوري إلى زيادة الضغوط على حزب الله اللبناني في مواجهة محاولات العزل والحصار، والعراق يواجه خطر عودة الجماعات المسلحة وتنظيم داعش الإرهابي التي يستخدم الأراضي السورية كنقطة انطلاق لهجماتها، أما الأردن فإن الحدود الشمالية أصبحت مصدر قلق أمني متزايد بسبب انتشار الجماعات المسلحة والنفوذ الإسرائيلي المتنامي وهناك خطاب معلن من قبل الجماعات المسيطرة على دمشق بالاتجاه نحو مكة والمدنية وهو ما يشكل خطر على السعودية.
من الناحية الإقليمية يعد سقوط سوريا ضربة موجعة لمحور المقاومة حقيقة يجب الاعتراف بها فسوريا كان يعتمد عليها المحور كحلقة وصل حيوية بين أطرافه، إيران التي تعتبر سوريا جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية، فإيران اليوم تواجه الآن تحديات مضاعفة في دعم المقاومة اللبنانية حزب الله والمقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي بسبب استهداف خطوط الإمداد التقليدية عبر سوريا ومع ذلك فإن محور المقاومة أظهر قدرة على التكيف مع هذه الظروف الصعبة التي يمر بها حيث يواصل تعزيز جهوده في مواجهة هذه المخططات عبر تطوير أدواته العسكرية والسياسية وطرق الامداد كما يحدث في قطاع غزة، ويسعى لتحرير لبنان وغزة من قيود الجغرافيا التي ظلت أسيرة لها لعقود ماضية.
في مواجهة هذا المخطط الصهيوني الأمريكي يجب أن يكون الخطاب الإعلامي والثقافي أداة لتوعية الشعوب وكشف الأهداف الحقيقية التي تقف وراء هذه التدخلات وضرورة التركيز على فضح هذه المخططات التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة فالوعي يعد ضرورة لمواجهة الحرب النفسية التي تستهدف زرع الإحباط واليأس في نفوس شعوب المنطقة وهو الدور الذي قامت به بعض القنوات العربية ضد الشعوب العربية، إن التجربة التاريخية للمقاومة التي استطاعت إفشال مشاريع الهيمنة في العراق وأفغانستان تؤكد أن هذه الشعوب قادرة على مواجهة هذه المخططات إذا توحدت في رؤيتها وإرادتها وهو ما يحدث فعلياً والتاريخ يشهد بقدرة المنطقة على تجاوز الانكسارات وإعادة التوازن إلى معادلة الصراع.
محور المقاومة ليست مجرد رد فعل على العدوان فقط بل هي مشروع أمة يهدف إلى تحرير الأرض والدفاع عن الكرامة التزاماً دينياً وإيمانياً فالصمود أمام هذه التحديات يتطلب تعزيز التعاون بين الأطراف المتمسكة بخيار المقاومة، واستمرار العمل على إحياء روح الوحدة بين شعوب المنطقة فرغم كل المحاولات لإضعاف سوريا فإنها تبقى جزءاً أساسياً من معادلة الصراع، فأبناء سوريا الأحرار سيقومون بتشكيل مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم كما تحدث اليوم الأربعاء المرشد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي وسوف تتوسع أطراف محور المقاومة مرة أخرى عبر تنظيمات عقائدية مقتنعة بفكرة المقاومة وأهميتها وأهمية الجهاد وتحمل المسؤولية في سبيل الله وهذا ما سيظهر في الأيام القادمة.
ولله عاقبة الأمور.