عرف الفيلسوف الفرنسي "جان بودان" السيادة بأنها: "سلطة الأمـر والنهـي دون أن تكون مأمورة أو مكرهة من أي مكان على الأرض".
يقول قائد الثورة السيد "عبدالملك بدر الدين الحوثي" إن: "من أول وأهم وأكبر إنجازات الثورة تحرر الشعب اليمني من الوصاية الخارجية واستعادة حقه في الاستقلال والسيادة والحرية".
حيث تمثل السيادة أحد أهم أركان بناء الدولة والتي تتجسد في قدرتها على إدارة شؤونها الداخلية بحرية وبسط سلطتها على مواطنيها وعلى إقليمها الجغرافي براً وبحراً وجواً، كما يعد الاستقلال شرطاً لاعتبارها كياناً قادراً على الانخراط في المنظمات والاتفاقيات والمعاهدات لأن توافر السيادة والاستقلال يعني قدرة الدولة على التعامل ككيان حر يستطيع الوفاء بالالتزامات والمشاركة في اتخاذ القرارات والتصرف في مقدرات الدولة السياسية والمادية بصورة مستقلة.
والسيادة غير قابلة للتجزئة داخل الدولة الواحدة كما لا يجوز للدولة أن تتنازل عن سيادتها لدولة أخرى، فإن فعلت ذلك فإنها تفقد أحد أركانها الأساسية وهو الاستقلال . وبالتالي تفقد شخصيتها الدولية.([1])
وعادة ما تسعى الشعوب إلى تحقيق السيادة والتمتع بالاستقلال في القرار على المستويين المحلي والخارجي، وعندما تخير الشعوب الحرة بين الحياة الكريمة وبين الحياة السعيدة المنقوصة فإنهم تختار الحياة الكريمة وإن رافقها التضحيات والآلام ولكنها تشعر بالعزة والكرمة وتفضلها على حياة ظاهرها السعادة وباطنها العبودية.
وقد كان اليمن أحد تلك البلدان التي تظاهرت عليه العوامل والظروف السياسية والاقتصادية والجغرافية إضافة إلى الظروف الدولية والتي وضعته في خانة التبعية الإقليمية والدولية، وهو ما كان له تأثيراته السلبية والعميقة على الدولة وأمنها واستقرارها، فعندما تفقد الدولة سيادتها أو تصبح تابعة لقوى خارجية إقليمية كانت أو دولية؛ تتضاءل قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة تخدم مصالح شعبها وأمنها الوطني، ويؤدي إلى نتائج خطيرة تؤثر على مختلف جوانب الحياة السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية.
تعدّ الثورة واحدة من أهم الوسائل التي يمكن للأمم من خلالها استعادة قرارها الوطني وسيادتها. فهي تعبير عن رفض الشعوب للظلم والهيمنة والاستبداد، وسعيها الدؤوب نحو تحقيق الحرية والاستقلال، وعبر التاريخ، كانت الثورات هي المحرك الأساسي للتغيير الجذري في المجتمعات، وكانت تؤدي في كثير من الأحيان إلى استعادة الإرادة الوطنية التي قد تكون ضائعة بسبب الاستعمار أو الأنظمة العميلة.
تنطلق الثورات من حاجات ومطالب شعبية حقيقية، وهي لا تتوقف عند إسقاط الأنظمة فقط، بل تسعى إلى بناء دول قوية ومستقلة ذات سيادة كاملة، حيث يتمتع المواطنون بحقوقهم وكرامتهم. لذا، الثورة ليست فقط حركة سياسية، بل هي عملية تغيير شاملة تؤثر على كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعيد ترتيب موازين القوى بما يخدم المصلحة العامة.
وفي ظل ظروف أنضجت وعي الجماهير بمستوى ما وصل إليه البلد من تبعية ارتهان جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م تحت شعار الحرية والاستقلال وسعت إلى استعادة القرار والسيادة والاستقلال وتحقيق التغييرات الجذرية كما وعد بها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وإن ووجهت بالمقاومة ومحاولات الإجهاض والوأد والإفشال إلا أنها حققت الأهداف الرئيسية التي أخذت على عاتقها ضرورة القيام بها وفاء للشعب الذي أنجز الفعل الثوري وصمد في مواجهة الإفشال.
يقول قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة له : بأن الوطن وصل إلى مرحلة خطيرة لم يكن بالإمكان الصبر عليها ولا التغاضي عنها ولا التجاهل لها تتمثل بفقدان السيادة وفقدان القرار وذلك خطر يتهدد البلد واستقلاله ، وكان يتجه نحو الفقدان الكامل للاستقلال ونحو التحكم الكامل في كل شؤونه، وفي كل أموره لصالح تلك القوى المعتدية والطاغية والمتجبرة والمستكبرة وعلى مستوى القرار السياسي كانت منظومة الحكم قد تحولت إلى مجرد أداة لا تمتلك بشأنها هي لا أمرا ولا نهيا أصبحت مجرد دمى يتحرك بها أو تتحرك بها قوى الخارج لتفرض كل ما تشاء وتريد على هذا الشعب وفق مصالح تلك الدول وفق مصالح الأمريكي ووفق مصالح الإسرائيلي ووفق مصالح السعودي والضحية، الكل ذلك هو شعبنا اليمني العزيز الذي كانت مصالحه وأولوياته واستحقاقاته خارج الاهتمام وخارج الأولويات بالكامل .
خطورة فقدان الدولة للسيادة وارتهانها للتبعية:
لا تقتصر أهمية السيادة والاستقلال على كونها شرطاً في وجود الشخصية الاعتبارية للدولة المستقلة وحسب بل تنعكس على حياة الجماهير سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتؤثر على طريقة إدارة الدولة وتشكيل الحكومات ورسم السياسات الداخلية والخارجية وفق مصالح الشعب وتطلعاته.
فالتبعية وانعدام السيادة يعيقان النمو والتطور، ويضعفان قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار الداخلي والدفاع عن مصالحها في الساحة الدولية لهذا تسعى الشعوب والدول دوماً إلى التحرر من أي شكل من أشكال التبعية لضمان الاستقلال الكامل وتحقيق السيادة الوطنية، ويمكن الحديث عن المظاهر الناجمة عن التبعية وانتقاص السيادة كالتالي:
القرار السياسي غير المستقل:
تصبح الدولة فاقدة للقدرة على اتخاذ قرارات سيادية بشأن سياساتها الداخلية والخارجية. تتحكم القوى الخارجية في توجيه سياسات الدولة بما يخدم مصالحها الخاصة، ما يؤدي إلى تجاهل مصالح الشعب المحلي، ويضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
التبعية أو الاعتماد الاقتصادي:
التبعية الاقتصادية تجبر الدولة على الاعتماد على دول أو مؤسسات دولية لتوفير السلع، التمويل، أو التكنولوجيا. هذا يمكن أن يؤدي إلى اختلالات اقتصادية شديدة مثل ارتفاع الديون الخارجية، نقص السيولة، وتفاقم الأزمات الاقتصادية المحلية. كما يحد من القدرة على تطوير الاقتصاد الوطني وبناء قاعدة صناعية وتجارية مستقلة.
ضعف الأمن الوطني (القومي):
انعدام السيادة يعرض الأمن الوطني للخطر، حيث تصبح الدولة غير قادرة على حماية حدودها أو التصدي للتحديات الأمنية بشكل مستقل. قد تؤدي التبعية العسكرية إلى فرض اتفاقيات أو قواعد عسكرية تخدم مصالح القوى الخارجية، مما يزيد من التوترات الإقليمية ويعرض الدولة لمخاطر الحروب والصراعات.
فقدان الشرعية الشعبية:
مع تزايد تدخل القوى الخارجية في شؤون الدولة، تضعف شرعية النظام الحاكم في نظر شعبه، إذ ينظر المواطنون إلى الحكومة على أنها تابعة وغير قادرة على تلبية احتياجاتهم. هذا يؤدي إلى زيادة الاحتجاجات والاضطرابات الداخلية، مما يؤثر سلباً على استقرار الدولة.
التأثير الثقافي والاجتماعي:
التبعية يمكن أن تؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية والوطنية، حيث تفرض القوى الخارجية نماذج ثقافية أو اجتماعية لا تتناسب مع القيم المحلية. يؤدي هذا إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والنزاعات الداخلية بين فئات الشعب المختلفة.
العزلة الدولية:
الدول التي تعاني من التبعية وانعدام السيادة غالباً ما تجد نفسها معزولة في المحافل الدولية. لا تتمكن من تشكيل تحالفات قوية أو من الدخول في شراكات تحقق لها مصالح وطنية. كما تفقد القدرة على التأثير في القرارات الدولية الهامة، مما يزيد من هشاشتها أمام التحديات العالمية.
مظاهر التعبية وانتقاص السيادة في اليمن قبل 21 سبتمبر 2014:
كانت اليمن قبل ثورة 21 سبتمبر تعيش حالة متقدمة من المعاناة من الآثار السلبية للتبعية وارتهان وفقدان القرار وانتقاص السيادة فأصبحت السفارات هي من تحكم والسفير هو من يقرر ويمارس المهام السيادية عوضاً عن المسؤول اليمني وفقد الشعب أمنه واستقراره ورأى مؤسساته المدنية والعسكرية تتهاوى مقترباً كل يوم من الهاوية التي لن يتمكن من النهوض لو وقع فيها، وقد اعترف مسؤولو اليمن من النظام والمعارضة بهذا المستوى من الارتهان وتواطؤوا على القبول بالتبعية مناكفة وسعياً للحصول على الشرعية الخارجية من أجل السلطة.
وفيما يلي بعض مظاهر التبعية وانتقاص السيادة في اليمن قبل 21 سبتمبر2014
اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر
عندما تقوم الشعوب بثوراتها التحررية في مواجهة الهيمنة الخارجية فإنها عادة تواجه بما تسمى بالثورات المضادة لمحالة إفشالها ودائماً ما تكون مدعومة من قوى الهيمنة التي تشعر بتهديد مصالحها في ذلك البلد الثائر، فتتعرض للعدوان العسكري أو الحصار الاقتصادي والهجمات الإعلامية التي تشوه وتشيطن هذه الثورة وتربط بينها وبين الظروف التي يعيشها أبناء البلد الثائر بسبب العقوبات والحصار الاقتصادي، والتاريخ يشهد على كثير من النماذج كالثورة الكوبية والفنزويلية والإيرانية والقائمة طويلة.
اليمن في ال 21 من سبتمبر حسم أمره بضرورة استعادة قراره وسيادته يقول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في مهرجان انتصار الثورة: " إن تحقق الانتصار بشكل كامل هو حينما نرى في بلدنا اليمني العظيم دولةً عادلةً تجسد مبادئ العدل وتحقق لشعبنا اليمني العظيم الاستقلال والحرية والكرامة والرفاه الاقتصادي والأمن" ويقول : " من أول وأهم وأكبر إنجازات الثورة تحرر الشعب اليمني من الوصاية الخارجية واستعادة حقه في الاستقلال والسيادة والحرية "
فماذا كان رد فعل قوى الهيمنة التي أزيحت بالفعل الثوري في 21 سبتمبر لقد تآمرت على هذه الثورة الفتية وحاولت وأدها في مهدها، وكان العدوان العسكري السعودي الأمريكي الذي شن على اليمن بعد ستة أشهر من نجاحها أبرز مظاهر استياء قوى الهيمنة من التوجه التحرري لليمن وقد صرح عادل الجبير وزير الخارجية السعودي حينها أنه جرى التنسيق مع أصدقائه الأمريكيين لعاصفة الحزم منذ ستة أشهر وهو توقيت نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014.
فكيف تصرف يمن 21 سبتمبر:
بكل عزة وشموخ وثبات وشجاعة قال قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إن ديننا وعروبتنا وأخلاقنا وقيمنا وهويتنا تأبى لنا القبول بهذا العدوان، وقال "هذا في اليمن غير وارد"، والكثير من العبارات والمصطلحات التي تفيض عزة وكرامة وشموخ تعكس هوية اليمن وتاريخه والموقف الذي يليق به في صورة مختلفة عن التصريحات السابقة للنظام السابق الذي قال يوماً عن طائرات أمريكية انتهكت سيادة إنها "جاءت من الجو ماذا نفعل لها؟"!
وكان دور الثورة في استعادة السيادة الوطنية متمثلاً في:
مظاهر السيادة والاستقلال في يمن ما بعد 21 سبتمبر:
أما الحديث عن السيادة والقرار والاستقلال في المناطق المحتلة فيحتاج إلى أوراق خاصة ولكن يمكن الإشارة سريعا إلى وضع الحكومة ومكان إقامتها وعجزها عن التواجد في اليمن ومراسم استقبال مسؤوليها وغياب علم الجمهورية اليمنية ورفع علمي السعودية والإمارات ووضع الخائن هادي وقيادات عسكرية كبيرة تحت الإقامة الجبرية وسجن آخرين والسيطرة على منافذ الوطن وموانئه وجزره ومياهه وأجوائه وعوائد ثرواته وعزل وتنصيب مسؤولي حكومة الخيانة إلخ من مظاهر التبعية والوصاية وانعدام السيادة والاستقلال والحرية ورضوخهم للاحتلال وقراراته بل وحتى يتعرضون للقتل بما يسمونه النيران الصديقة التي لا يستطيعون إنكارها أو إدانتها ناهيك عن مواجهتها وحفظ دماء المغرر بهم من أبناء الوطن.
[1] "سيادة الدولة في ظل التطورات الدولية"، دراسـة تحليلية – عمر بن أبو بكر باخشب – عضو المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي – لاهاي – هولندا.
[2] رئيس مجلس الرئاسة؛ [مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام المحلية والعربية و الأجنبية 24-5-1992م]
انظر أيضاً: الجمهورية اليمنية، وزارة الإعلام، "الخطابات و الأحاديث الصحفية للرئيس القائد الفريق/علي عبدالله صالح "رئيس الجمهورية"، (عدن: مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر، المجلد الثاني عشر، 1992م) ص105، 108