بسم الله الرحمن الرحيم
موقف ألمانيا من طوفان الأقصى.. داعم رئيسي للكيان
دور ألمانيا في دعم الكيان الصهيوني لا يلتفت إليه الكثير باعتبارها دولة لها صورة عالمية إيجابية كدولة مسالمة تساهم في تمويل المنظمات الدولية والمشروعات التنموية والتعليمية إضافة إلى عدم تورطها في حروب الغرب مثل غزو العراق وليبيا، كما أنها تحظى باحترام كبير في المنطقة العربية والإسلامية كونها لم تحتل دولاً منها أثناء فترة الاستعمار الأوربي البغيض، ميدانياً وعلى صعيد الصراع العربي الصهيوني لعبت دور الوسيط المقبول خاصة فيما بين حزب الله والكيان الصهيوني في جولات الصراع المستمرة، وكانت من أهم الداعمين لاتفاقية أوسلو مطلع التسعينات، وتعتبر المتبرع الرئيسي للسلطة الفلسطينية والأونروا وتستضيف على أراضيها أكبر جالية فلسطينية في أوروبا.
لكنها انكشفت وظهر نفاقها بعد انطلاق طوفان الأقصى بدعمها المطلق للكيان الصهيوني وتغاضيها عن ارتكابه مجازر الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتسبب في المجاعة في قطاع غزة بل ووقوفها سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية للدفاع عن الكيان المجرم وتبرير جرائمه والاستمرار في تقديم السلاح والذخائر.
أسباب دعم ألمانيا للكيان الصهيوني:
تشعر ألمانيا بالذنب تجاه ما يسمى المحرقة التي تدعي قتل الملايين من اليهود على يد الألمان وتحاول ألمانيا التكفير عن أخطائها بدعم "إسرائيل" دعماً مطلقاً وقد مرت العلاقات بين الدولة الألمانية والكيان الصهيوني بمراحل صعبة ومتدرجة، ففي السنوات الأولى من إعلان قيام الكيان الصهيوني كان مكتوباً على الجواز الصهيوني أن الجواز صالح لكل دول العالم باستثناء ألمانيا، كتعبير عن الغضب والعداوة مع الدولة الألمانية، ولكن ألمانيا سعت لتحسين العلاقة مع الكيان في اتفاقية لوكسمبورغ عام 1952 التي نصت على التعويضات والمدفوعات لليهود، وصولاً إلى العلاقات الدبلوماسية الكاملة في 1965، تم تعزيز العلاقة ببطء. في يونيو 1973، كان فيلي براندت (1969-1974) أول مستشار ألماني يسافر إلى "إسرائيل" في زيارة استغرقت خمسة أيام. خليفته هيلموت شميدت (1974-1982) لم يسافر أبدًا إلى "إسرائيل" كمستشار خلال الأوقات الصعبة بينهما. أما المستشار غيرهارد شرودر (1998-2005) فقد كان في تل أبيب في زيارة لمدة يومين عام 2000 وأكد أنه جاء "كصديق لإسرائيل وكصديق لشعبها".
وخلال 16 عاماً من توليه منصب المستشار الاتحادي (1982-1998)، لم يزر هيلموت كول الكيان سوى مرتين فقط، على عكس أنغيلا ميركل (1998-2021) التي زارته أكثر من جميع المستشارين الآخرين مجتمعين: ثماني مرات، آخرها في أكتوبر 2021.
في عام 1975، كان إسحاق رابين أول رئيس حكومة صهيوني يسافر إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية ويزور برلين الغربية.
أما جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشيوعية) فلم يقم أي رئيس حكومة أو وزير في الجمهورية بزيارة "إسرائيل" أبداً؛ فقد دعمت برلين الشرقية المعسكر العربي الفلسطيني واعتبرت الكيان "العدو الصهيوني".
موقف ألمانيا من العدوان الصهيوني على غزة:
يتطابق الموقف الألماني مع الموقف الأمريكي تجاه ما يجري في غزة من اعتباره عدواناً على "‘إسرائيل" من قبل "منظمة إرهابية" (حماس) التي اعتدت مع الفصائل الأخرى على "إسرائيل" وقتلت مدنيين واختطفت ما يقارب من 250 يهودياً، وأن ما تقوم به "إسرائيل" دفاع عن النفس ويحق لها أن تمارس ما تضمن به أمنها وبقائها وسلامة مواطنيها حسب وجهة النظر الألمانية.
وقد صرحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن حماس "تحتجز سكان غزة في القطاع وتستخدمهم كدروع بشرية"، وعلى اعتبار حماس جماعة إرهابية ليست حركة مقاومة، وعلى ذلك الموقف اتخذت ألمانيا قرارها برفض وقف إطلاق نار فوري وكامل في غزة في نوفمبر 2023 بحجة أن ذلك يسمح لحماس بامتلاك صواريخ جديدة ودعا مستشارها "شولتس" إلى هدنة إنسانية. وكانت ألمانيا من أوائل الدول التي صدقت الرواية الصهيونية بأن حماس ارتكبت جرائم بحق الإنسانية واغتصبت النساء وقتلت الأطفال، كما قبلت رواية الكيان بمشاركة الأونروا في دعم حماس وعليه قطعت تمويلها عن المنظمة ولكنها عادت لتمويلها مؤخراً بعد اتضاح الحقيقة وصدور تقرير دولي ينسف الادعاءات الصهيونية.
في الداخل قمعت السلطات الألمانية المظاهرات الداعمة لفلسطين بحجة أنها "معادية للسامية" وتدعو لقتل اليهود، وألغت فعاليات وجوائز لعرب وغير عرب بدعوى انتقاد "إسرائيل"، وفي تطور لاحق وغير مسبوق تشترط برلين الاعتراف بالكيان الصهيوني لكل من أراد الحصول على الجنسية وطرد الأجانب أو اللاجئين بمجرد التعليق على منشورات ضد "إسرائيل"، وقد صرحت وزيرة الداخلية الألمانية بأن "معاداة السامية والعنصرية تمنع التجنس".
على الصعيد السياسي سارع المسؤولون الألمان بزيارة الكيان الصهيوني وعلى رأسهم المستشار الألماني أولاف شولتس في منتصف أكتوبر 2023 وهناك قال قولته الشهيرة : "لألمانيا مكان واحد وهو بجانب إسرائيل"، وفي مارس 2024 ليجدد دعمه ومساندته للكيان، إضافة إلى زيارات وزيرة الخارجية بيربوك التي بلغت سبع مرات منذ اندلاع طوفان الأقصى.
دبلوماسياً تطوعت برلين بالدفاع عن الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، وقال الفريق القانوني الألماني أمام المحكمة: "إن أمن إسرائيل "في صميم" سياسة ألمانيا الخارجية"، وأبدت أسفها وانتقادها لإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال بحق قادة صهاينة متهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
على المستوى الاقتصادي لا زالت ألمانيا تدفع التعويضات للكيان الصهيوني وقد بلغ إجمالي تلك المدفوعات ما يزيد عن 82 مليار يورو إلى نهاية العام 2022، وذلك لا يشمل المساعدات التي تقدمها برلين للجامعات والمنظمات والهيئات الصهيونية.
ولم يسلم الأكاديميون الألمان من القمع فقد أجرت وزارة التعليم والبحث العلمي الألمانية تحقيقاً لقطع الدعم عن الأكاديميين الذي يؤيدون الطلاب المحتجين على العدوان على غزة وقمع التظاهرات في الجامعات الألمانية.
ومما يجعل ألمانيا من أكثر الدول تعصباً للكيان الصهيوني هو منعها دخول الطبيب الفلسطيني - البريطاني غسان أبو ستة من دخول أراضيها رغم المطالبات الأممية لها بالعدول عن القرار التعسفي، وقد سمحت لاحقاً محكمة ألمانية للطبيب بدخول منطقة الشنغن (دول الاتحاد الأوربي التي ألغت الحدود فيما بينها).
عسكرياً تعتبر ألمانيا ثاني أكبر مزود بالسلاح للكيان الصهيوني بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أرسلت برلين إلى الكيان معدات عسكرية بقيمة 350 مليون دولار في العام 2023.
ووفقاً لتقديرات معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام؛ "استوردت إسرائيل 69 % من أسلحتها من الولايات المتحدة و30 % من ألمانيا في الفترة من 2019 إلى 2023."
أبرز التصريحات الألمانية عن العلاقة بالكيان:
المستشارة السابقة أنجيلا ميركل: "كل حكومة اتحادية وكل مستشار قبلي كان ملتزماً بالمسؤولية التاريخية الخاصة لألمانيا عن أمن إسرائيل. المسؤولية التاريخية لألمانيا هي جزء من المصلحة الوطنية لبلدي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل لا يمكن التفاوض عليه أبداً بالنسبة لي كمستشارة ألمانية"، كلمة أمام الكنيست، في عام 2008.
أولاف شولتس المستشار الحالي:
وفي مؤتمر ميونخ للأمن (فبراير 2024)، تحاشى المستشار الألماني مراراً الإجابة عن سؤال عما إذا كان يعتقد أن "إسرائيل" خرقت القانون الإنساني الدولي.
نائب المستشار الألماني "روبرت هابيك": "أمن إسرائيل جزء من مبادئ سياسية، أو مصلحة وطنية لألمانيا".
وزيرة الخارجية الألمانية: "إن الأولوية لدولتنا هي دعم أمن دولة إسرائيل. ويعني أيضاً القيام بكل شيء لضمان عدم خسارة إسرائيل لنفسها في هذه الحرب." (20/05/2024)
أثناء دفاع الحكومة الألمانية عن الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية: أكد فريق الدفاع الألماني: "أن أمن إسرائيل هو "في صميم" سياستها الخارجية" (09/04/2024)
التحولات في المواقف الألمانية:
بسبب المواقف المنحازة كلياً للكيان الصهيوني تعرضت ألمانيا لانتقادات في الداخل والخارج وبدأت تظهر بعض المواقف الخافتة والخجولة من الدولة الألمانية تجاه المجازر المروعة والمجاعة وتحقق الإبادة الجماعية وفق تقارير ألمانية ميدانية وأخرى دولية.
على المستوى الدولي تقدمت نيكاراجوا باتهام لألمانيا أمام محكمة العدل الدولية بالتواطؤ مع إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، كنموذج دولي لما تتعرض له برلين بسبب موقفها الداعم للكيان الصهيوني.
الرئيس الماليزي أنور إبراهيم وبّخ المستشارَ الألماني علناً حين وقف إلى جانبه في مؤتمر صحفي (مارس 2024) في برلين قائلاً: "نعارض الاستعمار والأبارتهايد والتطهير العرقي ومصادرة أراضي أي بلد سواء في أوكرانيا أو في غزة ..أين إنسانيتكم؟ ما هذا النفاق؟".
مؤخراً وفي مناسبات عديدة جدد المسؤولون الألمان انتقاداتهم للخروقات بحق المدنيين، سواء في حالات قصف لمواقع مدنية مثل المستشفيات أو العاملين في المنظمات الإنسانية، وارتفاع أعداد الشهداء المدنيين الفلسطينيين.
على مستوى الرأي العام الألماني بدأ يُلحظ تحولاً في الموقف تجاه دعم "إسرائيل" فقد أظهرت استطلاعات رأي أجرتها قنوات إعلامية مملوكة للدولة الألمانية أن 70% من الألمان يرون الآن أن "أفعال الجيش الإسرائيلي لا يمكن تسويغها"، وبالتالي لوحظ اصطفاف حكومي خجول ومتدرج مع هذا التحول؛ فعلى مستوى المستشار الألماني شولتس عند زيارته للكيان الصهيوني الأخيرة (مارس 2024) فقد تغيرت لهجته هذه المرة، وصرح في مؤتمر صحفي والمجرم نتنياهو يقف إلى جانبه قائلاً: "هل يمكن أن يسوغ الهدف، مهما كان، الأثمان الباهظة؟".
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك غيّرت هي الأخرى لهجة الدعم غير المشروط، عندما أعلنت في نهاية شهر مارس 2024 نيتها إرسال وفد إلى "إسرائيل" لأن ألمانيا باعتبارها أحد موقعي معاهدة جنيف "ملزمة بتذكير كل أطراف المعاهدة بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني".
إعادة تمويل وكالة الأونروا بعد إيقافها والتراجع عن المطالبة بإقالة مفوضها فيليب لازاريني شرطاً لإعادة ضخ الأموال.
في مطلع العام الجاري (يناير 2024) أدانت ألمانيا دعوة وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير حكومة بلاده إلى إعدام الأسرى الفلسطينيين، واعتبرت كلامه أمراً مثيراً للاشمئزاز ومداناً".
خلال زيارتها السابعة للكيان الصهيوني دخلت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مشادة مع المجرم نتنياهو، فقد كشف تقرير نشر في «القناة 13» الإسرائيلية تطرق إلى ما أسمته "محادثة صعبة" جرت بين نتنياهو وبيربوك انتقدت فيها بشدة الوضع في غزة، وقالت إنه وصل إلى وضع جوع كارثي، مضيفة: «يمكنني أن أستعرض صور الأطفال الجائعين على هاتفي»، فرد عليها نتنياهو بالقول: «هيا، اعرضيها أمامنا، لا يوجد جوع في غزة، نحن نتابع الموضوع كل الوقت، تعالي وشاهدي صور الأسواق في غزة، صور الشواطئ في غزة، لا يوجد جوع»، وعرض عليها صوراً لغزيين يسبحون في البحر، فردت الوزيرة الألمانية بالقول: «لا أنصحكم بعرض هذه الصور؛ لأنها لا تعرض الوضع الحقيقي في غزة، في غزة يوجد جوع».
ووفق التقرير، رفع نتنياهو صوته وقال: «هذه حقيقة، هذا الواقع، نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صوراً مزيفة لواقع خيالي». وفي جزء من النقاش سألت بيربوك نتنياهو: «هل تريدون القول إن أطباءنا بغزة لا يقولون الحقيقة».
وصفت بيربوك الوضع في غزة بأنه "جحيم"، وأصرّت على رفضها عملية إسرائيلية كبيرة على رفح.
تحدّثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية، عن "بدء فقدان ألمانيا صبرها" على خلفية ما يحصل في غزة، وأنها تعتبر أنّ دعم "إسرائيل" لم يعد "شيكاً على بياض لنتنياهو".
على مستوى المساعدات جددت ألمانيا دعمها للأونروا وللمنظمات الأخرى التي تدعم المنظمات الأممية والمنظمات الإنسانية التي تدعم المناطق الفلسطينية ووصلت إجمالي المساعدات الألمانية 480 مليون يورو.