شكل نجاح الثورة اليمنية في الحادي والعشرين من سبتمبر، والتي قادتها جماعة "أنصار الله" في اليمن، تحدياً بارزاً، حين استطاعت وفي مدة قياسية إزاحة رموز الفساد والظلم من صنعاء، والسيطرة علي مقر الفرقة الأولى مدرع التي كانت تحت قيادة اللواء علي محسن الأحمر المحسوب علي جماعة الاخوان المسلمين، يشار إلى أن اللواء الأحمر كان المظلة الأساسية لقوي الفساد في البلد من خلال قيادة الفرقة الأولى مدرع الذراع العسكري لمنظومة الفساد منذ تأسيسها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وقد استطاع في العام 2011م السيطرة علي ثورة فبراير، عندما أعلن انضمام قواته العسكرية المنضوية تحت لواء الفرقة، للثورة الشعبية أو ما عرفت بثورة فبراير، والتي أفرزت حكومة، مثلت امتداداً لحالة الفساد التي خرجت جموع الجماهير اليمنية ضدها، بل يمكن القول أنها أسواء أداءً من الحكومات السابقة، لناحية الارتهان للخارج والتبعية المطلقة لقوي قبلية، تمثل قوي إقليمية سعت ومازالت نحو إبقاء حالة عدم الاستقرار في اليمن، تنفيذاً لأجندات دولية كشفت الأحداث التي تعاقبت علي المنطقة خبث توجهاتها والأهداف المراد تحقيقها من خلالها، وبالرغم من ذلك استمرت حالة المراوحة في الوضع القائم في اليمن علي ماهي عليه، الأمر الذي جعل لزاما علي حركة أنصار الله والقوي الوطنية الأخرى التي استبعدت من التسوية السياسية كالحراك الجنوبي مواصلة العمل الثوري والوقوف في وجه قوي الاستكبار والعمالة، وصولاً إلى يوم 21 سبتمبر2014 م والذي مثل تاريخاً فارقاً في حياة الشعب اليمني؛ حيث خرج أحرار اليمن معلنين رفضهم للخطوات التجويعية التي حاولت حكومة باسندوه أو ما عرفت بحكومة "الوفاق" فرضها في سياق مخطط تجويع وتركيع الشعب اليمنى، وتمكنت بالفعل من إلغاء الجرعة، وإسقاط الحكومة، والتوصل إلى اتفاق السلم والشراكة بين مختلف القوى السياسية اليمنية، وتصاعد نجاح "أنصار الله" بعد ذلك باستقبال الشعب اليمنى والقوات المسلحة اليمنية لهم في مختلف مدن اليمن مما ساهم في توجه "أنصار الله" لمحاربة إفرازات النظام والحكومة السابقة والتي كان للإخوان المسلمين وحركتهم الدولية اليد الطولي فيها، فتوحدت الجهود لمجابهة تنظيم القاعدة في كلاً من محافظة البيضاء، وغيرها من المناطق التي كانت مرتعاً للقاعدة والأفكار التكفيرية .
ومن الطبيعي في كل الثورات التي تحقق أحلام البسطاء، وتنتصر على الإرهاب أن تجد ترحيب من كل القوى الإقليمية والدولية، لكن ذلك لم يكن كذلك مع "أنصار الله" وثورة 21 سبتمبر في اليمن حيث تراوحت ردود الأفعال الاقليمية والدولية بين القلق والرفض وصولا إلى فرض عقوبات على بعض الشخصيات بسبب ما أسموه سيطرة "أنصار الله" على صنعاء وباقي المدن، وإتهام قوى إقليمية ودولية لـ"أنصار الله" بالسعي لتكرار تجربة " حزب الله " فيما واصلت وسائل إعلام عربية ودولية وصف "أنصار الله" بالمتمردين رغم أنهم جزء رئيسي من اتفاق السلم والشراكة، ومكون رئيسي لكافة عناصر المشهد السياسي اليمنى رسميا وشعبيا، لكن الجانب الإيجابي في ردود الافعال الإقليمية والدولية على صعود "أنصار الله" أنه لم يأخذ أي شكل عدائي حاد باستثناء بعض الخطوات من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات ومجلس الأمن([1])
وقد تعددت الاتهامات الموجهة لأنصار الله بالسعي إلى فيدرالية متعددة الأقاليم في اليمن، تسمح للجنوب لاحقاً بالانفصال، والمطالبة بإقليم خاص في الشمال يضم محافظة صعدة، مع محافظات الجوف وعمران، وحجة، والمطالبة بإضافة ميناء ميدي كميناء للإقليم، رغم الرفض الواضح والكامل من جانب "أنصار الله" لطرح الأقاليم الستة وانفصال الجنوب.
ونحن هنا سنستعرض أبرز ردود الأفعال الإقليمية والدولية على ثورة 21 سبتمبر عام 2014م
الموقف السعودي
تُعد المملكة العربية السعودية أبرز الدول الإقليمية تأثيراً في اليمن منذ عقود طويلة، وطالما كانت المملكة العربية السعودية اللاعب الإقليمي و الرئيسي والأكثر تأثيراً على مسار الأحداث في اليمن، منذ رعايتها للمصالحة بين الجمهوريين والملكيين في نهاية الستينيات من القرن الماضي، التي أنهت حقبة من الحروب الأهلية بعد ثورة سبتمبر 1962 في شمال اليمن، وصولاً إلى رعايتها للتسوية السياسية للثورة اليمنية عام 2011 على نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح والتي وقعت في (الرياض) في نوفمبر من ذات العام وهي ما تعرف "بالمبادرة الخليجية"
غير أن عودة العاصمة صنعاء للشعب اليمنى تحت راية "أنصار الله" في 21 سبتمبر الماضي بعد أن اختطفتها قوى ركبت الثورة عام 2011، وبعد بلورة الظهور الجديد لأنصار الله في المحافظات الأخرى دفع البعض إلى القول بنهاية الدور السعودي في اليمن، وفي ظاهر الأحداث قد يبدو ذلك صحيحاً، لكن من التسرع أيضاً القول إن دور المملكة وتأثيرها قد انتهى في اليمن، فما للمملكة من تأثير ونفوذ تاريخي في اليمن وإن بدا أنه قد تراجع في اللحظة الراهنة لا يمكن القول عنه إنه قد انتهى بتلك البساطة، وذلك يعود إلى أن هناك نوع من المصالح المتبادلة لا يمكن التخلي عنها بسرعة على الأقل في المدى المنظور وهى :
1- حاجة اليمن للدعم المالي السعودي لتجنب المشاكل الاقتصادية، حيث تعد المملكة الداعم الأكبر من بين الدول المانحة لليمن، وقد كان لدعمها بالمشتقات النفطية والتي بلغت قيمتها أكثر من عشرة مليار دولار بالغ التأثير في دعم الاقتصاد اليمني ومنعه من الانهيار منذ ما بعد ثورة 2011، كما أن المملكة تودع ملياري دولار في البنك المركزي اليمني لدعم استقرار العملة المحلية، بالإضافة إلى أن المشروعات التنموية المتبقية والتي لا تزال تنفذ بعد الثورة اليمنية هي بتمويل سعودي([2]).
2- العمالة اليمنية الكبيرة في المملكة، والتي قد يؤدي طردها لأزمة اقتصادية في اليمن، لا تقل في تأثيرها وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية عن أزمة طرد العمالة اليمنية أثناء احتلال العراق للكويت، والتي لا يزال اليمن يعاني منها حتى الآن.
3- تعد المملكة المستورد الرئيس لمنتجات اليمن الزراعية والسمكية، وتوقف المملكة عن قبول تلك المنتجات قد يؤدي إلى تأثير سلبي على الاقتصاد اليمنى خاصة على القطاعين الزراعي والسمكي.
4- يحتاج أي نظام سياسي حاكم في اليمن إلى قبول المملكة به، والتي يتوفر لها إلى جانب مالها من علاقاتها التاريخية مع الكثير من القوى السياسية اليمنية أنها ما زالت تمتلك علاقات قوية مع مكونات اجتماعية وقبلية يمنية ([3]).
وكان نظام صالح يفهم هذه الحقيقة، حيث كان للمملكة الفضل في صعود صالح نفسه إلى الحكم في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كما كان مناوئوه في ثورة العام 2011م يفهمونها أيضاً، لتكون المملكة السعودية أحد أهم الأطراف الإقليمية والدولية تأثيراً في مجريات الأمور اليمنية لذلك تم توقيع المبادرة الخليجية في الرياض([4]).
والسؤال الآن، ما الذي يمكن للمملكة فعله أمام صعود حركة سياسية وشعبية وهي "أنصار الله" بعيداً عن هيمنتهم التاريخية؟
1- تستطيع المملكة العربية السعودية ومعها دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، جر المجتمع الدولي معها إلى عدم الاعتراف بالوضع الحإلي في اليمن، ومن السهل الادعاء بأن ما يحدث في اليمن لا يمثل كل اليمنيين، وهذا قد يشكل تحدياً كبيراً لأنصار الله، وهو ما يفسر الحكمة السياسية بعدم استحواذ أنصار الله على السلطة بشكل كلى، رغم قدرتهم على ذلك.
2- تحتاج إدارة الدولة اليمنية الدعم الاقتصادي للملكة، وتجنب إجراءات قد تتخذها السعودية، كطرد العمالة اليمنية أو منع الواردات الزراعية والسمكية من اليمن، وفي حال ما إذا قررت المملكة دعم مناوئي "أنصار الله" بالمال والسلاح والغطاء السياسي، سيشكل هذا تحدياً إضافياً، وهذا قد يكون الحال ما لم يحدث تفاهم سعودي مع أنصار الله.
3- يمكن للمملكة العربية السعودية إدارة الصراع مع أنصار الله من خلال مؤسسات الدولة اليمنية، التي ظلت قائمة حتى الآن، والحد من نفوذ أنصار الله عليها باستخدام النفوذ الاقتصادي والسياسي، وحاجة الاقتصاد اليمني لدعم المملكة كما حاجة النظام السياسي الجديد للمشروعية والاعتراف الدولي الذي يمر عبر المملكة أيضاً([5]).
صور من رد الفعل السعودي على صعود أنصار الله في اليمن
1- شعور المملكة العربية السعودية بالقلق أدى لعودة السفير السعودي لليمن بسرعة بعد سيطرة أنصار الله على صنعاء رغم غياب أي سفير سعودي عن اليمن لمدة أكثر من عامين بعد انتهاء فترة عمل السفير السابق([6]).
2-مواصلة وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية خاصة قنوات العربية وصحيفتي الشرق الأوسط والحياة الصادرتين من لندن، الهجوم وتشويه صورة أنصار الله ونعتهم دائماً بالمتمردين، وتتهمهم أيضاً بالتعاون مع أنصار الرئيس السابق على عبد الله صالح في إسقاط صنعاء وإضعاف سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادى، والادعاء الدائم بأن أنصار الله ذراع لإيران في اليمن، رغم النفي الدائم من قبل أنصار الله لهذا الاتهام ([7]).
3- تركز المملكة العربية السعودية الآن على دعم الرئيس عبد ربه منصور هادي وتقول إنها تهدف إلى حماية المشروعية السياسية للنظام الانتقالي ممثلاً في الرئيس هادي، على اعتبار أن سقوطه في الوقت الراهن قد يصب في مصلحة أنصار الله والرئيس صالح.
4- توقف المملكة العربية السعودية عن تقديم مساعدات مالية لشراء سلاح وقطع غيار للطيران اليمنى بعد أن كانت تقوم بذلك في السابق، لكنها ما زالت تقدم مساعدات مالية لا تصل إلى الجوانب العسكرية، مثل المساعدة في دفع الرواتب([8]).
ورغم هذه المواقف السعودية، إلا أنها جاءت أقل حدة مما توقعه البعض، بما فيهم بعض المحللين والدبلوماسيين السعوديين أنفسهم، ويعود ذلك لأسباب كثيره منها:
1-تحسن الوضع الأمني بشكل كامل على الحدود السعودية اليمنية، بعد السيطرة الكاملة لأنصار الله على الحدود السعودية اليمنية، ومنع مهربي السلاح والمخدرات من المساس بأمن المملكة العربية السعودية، بل تقديم أنصار الله شهداء في سبيل ذلك، وهو ما عكسه تصريحات الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي، الذي أشار لذلك الإنجاز في أكثر من مناسبه.
2- بروز خطر جماعة الإخوان المسلمين كجماعة تهدد أمن المملكة العربية السعودية، وكل دول الخليج وتصنيفها كجماعة إرهابية ساهم في ترك "أنصار الله" ليخلصوا اليمن وكل الجزيرة العربية من حكم الإخوان المسلمين بعد تمكنهم من الوصول إلى سدة الحكم في اليمن، وهو ما دفع بعض المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين للقول إن المملكة العربية السعودية سعيدة بنجاح أنصار الله في اليمن، والتخلص من أعداء المملكة في اليمن وهم الإخوان والقاعدة.
3-أن السعودية بذلت كلّ جهد مستطاع على امتداد عشر سنوات، منذ الجولة الأولى للمواجهة المسلحة مع الحوثيين عام 2004 التي نفذها نظام علي عبد الله صالح، وانتهاءً بالجولة السادسة مع الجيش السعودي، وفشلت في مواجهة الحوثيين، والعودة الآن إلى المواجهة المباشرة لن تعود بالمنفعة السياسية على المملكة.
4- باتت الرياض على قناعة بأن التهاب المنطقة في جبهات عديدة، وتحديداً في العراق وسورية وليبيا، إضافةً إلى أفغانستان وأوكرانيا، لا تترك لهم فائض قوة يمكن استخدامه في معركة من الصعب ربحها أولاً بفعل جغرافية اليمن الصعبة، وثانياً بسبب القدرات الكبيرة التي برهنت على عدم فعاليتها في المواجهة مع أنصار الله.
5-يعتقد الكثيرون أن الاجتماع الذي تم بين وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في نيويورك يوم 21 سبتمبر الماضي، ساهم في تخفيف التوتر بين البلدين مما انعكس إيجابياً على الموقف السعودي مما يحدث في اليمن بعد أن أصبح "أنصار الله" والسعودية على نفس الجبهة من الحرب على داعش([9]).
خلاصة الموقف السعودي
خلاصة رد الفعل السعودي أنه اقتصر على نقد ما أسماه بسيطرة المتمردين "أنصار الله" على الدولة اليمنية، ورفض تمويل بعض مشتريات الحكومة اليمنية العسكرية الجديدة، لكنها في ذات الوقت تواصل استكمال مشروعاتها للبنية التحتية اليمنية، وتواصل مساعدة الحكومة في دفع مشتريات غير عسكرية ودعم البنك المركزي اليمنى، ومن هذا المنطلق يجب أن تتفهم جماعة أنصار الله المخاوف السعودية وتقدرها وتُشعر المملكة أنها تسعى لمعالجتها بشكل عملي، لا بمجرد الكلام أو التصريحات، تلك المعالجات ليست حرصاً على المصالح السعودية فقط إنما هي من صميم المصالح اليمنية أيضاً، فوجود علاقات إيجابية بين اليمن والسعودية مسألة حتمية يجب أن يسعى الجميع لترسيخها، فما يجمع اليمن والسعودية أكثر مما يجمع اليمن ببقية الدول العربية، فرابط العقيدة والعروبة والجوار والتاريخ المُشترك، وصلات الدم بين القبائل المنتشرة على الحدود تحتم علي اليمن تحسين العلاقات مع المملكة، كما أن الفوائد المتوقعة من تحسن العلاقات اليمنية السعودية كبيرة جداً وستؤدي إلى تحسن واستقرار الأوضاع في كلا البلدين وفي اليمن بشكل خاص، فعلاقات أخوية صادقة بين الرياض وصنعاء تعني أمن على جانبي الحدود وتعني تبادل تجاري وتسهيل دخول العمالة اليمنية إلى السعودية والاستثمارات السعودية إلى اليمن، وتعني كذلك مكافحة فعالة للإرهاب ومنع تهريب السلاح والمخدرات، وتعني أيضاً وقف تدخلات أي من الطرفين في الشؤون الداخلية للطرف الآخر ووقف أي دعم لجهات نافذة أو سياسية أو دينية أو اجتماعية قد تزعزع الأمن في أي من البلدين.
على الجانب السعودي تحسن العلاقات مشروط بوضوح في المواقف من الطرفين، فالمملكة معنية بوقف دعمها لبعض النافذين الذين عاثوا فساداً ونهباً وتقطعاً وارباكاً للحياة العامة داخل اليمن منذ عقود، إضافة إلى وقف دعمها للجماعات الدينية التي تسعى لتغيير الخارطة الدينية المذهبية التاريخية في اليمن والتي سادها التعايش منذ قرون طويلة قبل أن تتأثر بالحركة الوهابية العابرة من الأراضي السعودية.
كما أن أنصار الله بشكل خاص معنيون بتطمين المملكة وبشكل عملي أنهم لن يكونوا خنجراً في خاصرة السعودية لصالح أي طرف إقليمي، إضافة إلى أنهم يعترفون ويحترمون اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين، لأن ثمن العلاقات المتوترة بين الطرفين سيكون فادحاً على كلا البلدين، فلن تنعم اليمن بالاستقرار ولن تشعر السعودية بالأمان. وكما تمكن أنصار الله من تطمين الكثير من القوى السياسية المحلية والوصول إلى اتفاق السلم والشراكة الأخير، عليهم كذلك تطمين المملكة وبقية دول الخليج، ولن يتم ذلك إلا بلقاءات مباشرة ولجان مشتركة تناقش مخاوف كل طرف من الآخر وبشكل واضح وشفاف، ومن ثم إيجاد حلول عملية لتلك المشكلات.
الموقف الخليجي
كان الموقف الإماراتي الذى صنف "أنصار الله" ضمن قائمة تضم الجماعات الإرهابية أكثر ردود الأفعال العربية والإقليمية والخليجية غرابة وحدة، رغم أن القرار حمل تناقضاً كبيراً؛ فهو تضمن أنصار الله والقاعدة والإخوان المسلمين رغم أن حرب "أنصار الله" واضحة ضد الإخوان والقاعدة والدواعش في اليمن، وهو ما وجد استغراباً شديداً حتى من جانب بعض الإماراتيين أنفسهم، كما طالبت الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي باستعادة سلطة الحكومة في اليمن، وأصدرت انتقادات مغلفة لأنصار الله، أما الموقف القطري فكان داعماً لموقف الإخوان المسلمين في اليمن على حساب أنصار الله([10]).
مجلس الأمن
رغم أن جميع القرارات التي صدرت بحق اليمن منذ عام 2011 جاءت بالإجماع في مجلس الأمن، إلا أن قرارات المجلس حملت نوعاً من التناقض في مرحلة ما بعد 21 سبتمبر 2014م وهو ما يتضح من خلال موقفين متعارضين يمكن ايرادهما في التالي:
أولاً: أن جمال بن عمر المبعوث الدولي الخاص لليمن، هو راعى اتفاق السلم والشراكة الذي شارك فيه أنصار الله، أشاد بشكل كامل بالروح التي تحلى بها أنصار الله في حرصهم على جمع كل مكونات المجتمع اليمنى حول هذا الاتفاق، ومثل هذا نوع من الرؤية الصحيحة لما يحدث في اليمن، وقال إن مجلس التعاون الخليجي ودول مجلس الأمن (الدول العشرة) ومجموعة أصدقاء اليمن تدعم اتفاق السلم والشراكة مع التأكيد علي دعم للرئيس عبد ربه منصور هادى.
ثانياً: تناقضاً مع ما سبق، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على اثنين من قيادات جماعة الحوثي أنصار الله، وهو ما يتناقض تماماً مع تصريحات بن عمر ودور أنصار الله في محاربة القاعدة وداعش في اليمن، وشكلت مناقشات مجلس الأمن إما عدم دراية بما يحدث في اليمن من تحديات بنشاط القاعدة وداعش، أو النظر للأوضاع في اليمن بالعيون الأمريكية فقط([11]).
الاتحاد الأوربي وثورة 21 سبتمبر
لا يختلف الموقف الأوربي كثيراً عن مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائها في المنطقة العربية، حيث عبر عن قلقه من تنامى ما أسماه بالعنف في اليمن، ودعم الرئيس عبد ربه منصور هادى واحترام سلطة الدولة، وحث جميع الفئات على تمكين الدولة من استعادة السيطرة الكاملة على المؤسسات الأمنية والعامة، لكنه لم يتخذ خطوات عقابيه ضد أنصار الله إلا من خلال تصويت أعضائه في مجلس الأمن بفرض عقوبات على اثنين من أنصار الله([12]).
الموقف الروسي
كان الموقف الروسي أكثر التزاماً بدعم الثورة اليمنية من خلال الإعلان عن حرص روسيا على الاستمرار في تسليح الجيش اليمنى، مع تعزيز التعاون العسكري مع اليمن والإسهام الفاعل في الوقوف إلى جانب اليمن وشعبها وقيادتها السياسية حتى إخراجها إلى بر الأمان، ولذلك شكل الموقف الروسي رؤية مختلفة لثورة 21 سبتمبر بعيداً عن المواقف الدولية التي سارت معظمها خلف الولايات المتحدة الأمريكية.
الموقف الأمريكي
يمثل استقرار اليمن أولوية للولايات المتحدة وحلفائها من دول الخليج العربية، بسبب موقعه المتاخم للسعودية والخطوط الملاحية عبر خليج عدن، وبعد 21 سبتمبر 2014م تَدرج الموقف الأمريكي من أقصى السلبية إلى درجات يمكن وصفها بالمقبولة في الوقت الراهن حيث أدانت ليزا موناكو (كبيرة مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما المكلفة) تحركات أنصار الله في البداية وعرضت دعم الرئيس اليمني، خصوصاً أن حكومته تتعرض "لإخفاقات" في عملية الانتقال السياسي، وفق ما نقل بيان البيت الأبيض([13]).
كما أن الموقف السلبي الأمريكي من أنصار الله تجلى بوضوح في تقديم مشروع أمريكي لمجلس الأمن، بفرض عقوبات على اثنين من قيادات أنصار الله والرئيس السابق على عبد الله صالح وافق مجلس الأمن عليها في النهاية، لكن المصالح الأمريكية في اليمن، وظهور حكمة سياسية بالغة من جانب أنصار الله في التعامل مع التحديات المختلفة وطمأنة كافة القوى السياسية الداخلية، جعل الولايات المتحدة الأمريكية تخفف من حدة نقدها لأنصار الله وثورة 21 سبتمبر، حيث تتحدث أوساط أمريكية عن مصالح يمكن تحقيقها في اليمن بالتعاون مع أنصار الله ومن أهم تلك المصالح :
الموقف المصري من أنصار الله
أثارت بعض الأخبار المغلوطة من اليمن عن وجود تحركات لقوات أنصار الله نحو مضيق باب المندب الاستراتيجي، موجة من القلق وإطلاق التحذيرات للحكومة المصرية للتحرك، لما تمثله هذه الخطوة من خطورة على مصر وأمنها القومي، خاصةً في الوقت الذي تستكمل فيه مصر مشروعها الملاحي (قناة السويس الجديدة)، الذي أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، ودفعت ضغوط وسائل الإعلام رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، بالتأكيد على أن مصر لن تسمح بأي خطر على مضيق باب المندب؛ لما له من تأثير على قناة السويس وحركة الملاحة فيها، لكن وزير الخارجية المصري سامح شكري أشار في أكثر من مناسبة وفي أكثر من بيان لوزارة الخارجية المصرية، إلى أن القوانين الدولية تكفل حرية الملاحة، وبالتالي فإن ما أسماه بالتهديد في اليمن "ليس مباشرًا" على الأمن القومي المصري أو على قناة السويس، وإنه حال تحول الأمر لتهديد "مباشر" فمصر لن تتأخر عن ضمان أمنها القومي([15]).
ولذلك يمكن تقسم الموقف المصري من ثورة 21 سبتمبر في اليمن إلى مسارات عدة وهي:
المسار الإعلامي : كان في مجمله سلبي للغاية مما حدث في اليمن من ثورة، باستثناء صوت أو صوتين في كل الساحة الإعلامية المصرية التي تحاول توضيح الحقائق واستجلاء حقيقة ما حدث في اليمن، حيث تصف وسائل الإعلام المصرية جماعة أنصار الله بالمتمردين، وتربط دائماً بينهم وبين إيران، وأنهم ذراع إيران في اليمن دون الإشارة إلى أنهم مكون رئيسي وكبير من مكونات المجتمع اليمنى ،وكانوا يحكمون لمدة تزيد عن 1000 عام، كما أن غالبية الخبراء الذين تحدثوا في وسائل الإعلام عن خطورة على الأمن القومي المصري والعربي، من سيطرة أنصار الله على باب المندب (رغم أن باب المندب بعيد جغرافياً عن سيطرة أنصار الله كونه ممر ملاحي عالمي) وأذاعت وسائل إعلام كثيرة ما تردده قنوات سعودية مثل العربية حول خطورة ما يحدث في اليمن على الملاحة في قناة السويس، ووصل الأمر ببعض الخبراء في الإعلام إلى الادعاء بأن مصر يمكن أن تستخدم القوة للحفاظ على مصالحها في البحر الأحمر وقناة السويس([16]).
المسار الشعبي: كشفت تقارير أذاعتها قنوات خاصة مصرية عدم وعى المواطن المصري بحقيقة ما يقوم به أنصار الله في اليمن، وكل من تحدثوا قالوا إنهم يخشون من سيطرة أنصار الله "الحوثيين" على قناة السويس والبحر الأحمر، وكل هذا نتيجة للصورة النمطية التي رسختها وسائل الاعلام عن أنصار الله باعتبارهم ورقة إيران في اليمن([17]).
المسار الرسمي: الدولة المصرية ممثلة في وزارة الخارجية لم تدِن أي تصرف أو سلوك لأنصار الله بل كانت دائماً تدعو للتمسك بوحدة اليمن والاستجابة لتطلعات الشعب اليمنى بما يصب فعلياً في صالح أنصار الله، وحتى هناك تصريحات للرئيس السيسى كانت في مجملها إيجابية للغاية ولم تردد ما يردده الإعلام المصري([18]).
توصيات الدراسة
10- وسائل الاعلام هي من تصنع الصورة الذهنية عن أنصار الله وما حدث بعد 21 سبتمبر، لذلك لا بد من التواصل بشكل مختلف ومحترف مع وسائل الإعلام خاصة الأجنبية لشرح حقيقة الوضع، ويكفي هنا الإشارة أن وكالة رويترز حتى كتابة هذه الدراسة تصف أنصار الله بالمتمردين رغم أنهم جزء من العملية السياسية.
*-دراسة قدمت عام 2014
[1] جمال أبو حسين، السلفيون والأزمة اليمنية بين الدعوة والسياسة والسلاح، مجلة السياسة الدولية، عدد يوليو 2014.
[2] جمال أبو حسين، السلفيون والأزمة اليمنية بين الدعوة والسياسة والسلاح، مجلة السياسة الدولية، عدد يوليو 2014.
[3] جريدة الشرق الأوسط اللندنية.
[4] تقرير لوكالة رويترز 24 -9-2014.
[5] علي ربيع، "سقوط عمران يسلب الإخوان معقلهم ويضع الحوثيين على أبواب صنعاء"، الحياة اللندنية.
[6] موقع أرام نيوز مقابلة: جمال بنعمر "التطورات الأخيرة" في اليمن، 2 نوفمبر 2014.
[7] عبد الوهاب الروحاني، تعقيدات المشهد اليمني: سقوط صنعاء (2-3)، موقع جريدة الشرق الأوسط، الاثنين 20 أكتوبر/تشرين الأول.
[8] ، How Yemen Chewed Itself Dry، foreign Affairs
[9] Greg Johnsen remarks at the Carnegie Endowment for international Peace event" AL-Qaeda in Yemen،July7،2009
[10] محمد محمود، مجلة السياسة الدولية، عدد سبتمبر 2014.
[11] صحيفة النيويورك تايمز 27 سبتمبر 2014.
[12] أكرم فرحات : وثيقة الحوار الوطني في اليمن....ما بين شطري الرحى .. إشكاليات داخلية وتدخلات إقليمية.
[13] منى صفوان، مقال، موقع عربيات، سبتمبر 2014.
[14] حمدي العبد الله، جريدة البناء 19-11-2014.
[15] عبد الله الشمري، عمود، مجلة المونيتور، أكتوبر 2014.
[16] رويترز، 22 أكتوبر.
[17] النيويورك تايمز 25-9-2014.
[18] د. محمد أبو رمان، السلفيون والربيع العربي ...سؤال الدين والديمقراطية في العالم العربي، مجلة السياسة الدولية، مارس 2014.