مدخل:
من هم أنصار الله؟ ماهي هويتهم السياسية والفكرية والمجتمعية؟ ما هو مشروعهم وماذا يريدون؟
هذه الأسئلة الباحثة عن معرفة الظاهرة الحوثية والتعرف عليها تبقى ذات أولوية ملحة بعد عقد من الزمان على بروزها وطنياً من بوابة حرب مجهولة الدوافع والمآلات.
وفي محاولة الإجابة عن الأسئلة التي أثارتها ولا تزال تثيرها الحركة الحوثية أو جماعة أنصار الله كما استقر عليه اسمها مؤخراً، يتصدر الإعلام إن لم نقل ينفرد، بالمصادر المرجعية في تعريف جماعة أنصار الله والتعرف عليها في الصورة التي رسمت لها من قبل خصومها وفي الصورة التي قدمتها الجماعة عن نفسها على حدٍ سواء، فما هي الملامح العامة لصورة أنصار الله في وسائل الإعلام اليمنية؟ وكيف ركبت هذه الصورة من قبل الجماعة وخصومها؟
تظهر صورة جماعة أنصار الله في وسائل الإعلام اليمنية مركبة بدوافع سياسية ولغايات سياسية محددة بالموقف وموظفة لخدمته في سياق يتجاهل أبعاد الظاهرة وتجلياتها كأبرز ملفات الأزمة الوطنية التي رافقت ميلاد الوحدة اليمنية واستمرت حتى اللحظة التي ننتظر فيها تجاوز الأزمة بمرجعية النتائج والرؤى التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني الشامل مطلع هذا العام.
وهذا يعني أن الخصومة ولن أقول العداوة هي التي صبغت هذه الصورة بصبغتها حتى وهي ترتسم بيد جماعة أنصار الله نفسها، لأن منطق الدفاع ورد الفعل صرف الجماعة عن تقديم نفسها والتعريف بهويتها إضافة إلى أنها افتقدت الوسيلة الإعلامية المناسبة لمخاطبة الرأي العام المحلي خلال الفترة من 2004م وحتى 2009م، باعتبارها الحامل الرئيس لما بات يعرف بـ "قضية صعدة".
إن مقاربة الصورة المرتسمة لجماعة أنصار الله في وسائل الإعلام يفتح لنا نافذة على واقع الأزمة الوطنية كما حدده التصور السياسي لطبيعة الأزمة وأسبابها وإمكانات الحل ومتاحاته، ففي هذا التصور وبه يمكننا التعرف على إرادة أطراف الأزمة نحو متاحات التجاوز أو مضاعفة التعقيدات، لذا ليست القضية هنا، ولن تكون قضية نقد للصورة المركبة سياسياً لجماعة أنصار الله أو دفاع عنها وتبرير لها؛ لأن المصلحة الوطنية تقتضي مقاربة الأزمة برؤية صادقة في الوصف والتفسير وعادلة في المعالجة والحلول وضامنة للوحدة الوطنية والسلم الأهلي والاستقرار.
نعترف هنا أن الجزء الأهم من الصورة الإعلامية لأنصار الله مجهول وغير معروف أو معرّف بطريقة منهجية واضحة، فمثلاً، لن تجد في الخطابين السياسي والإعلامي ذكراً للأسباب الحقيقية والدوافع الفعلية للحرب في صعدة، حتى أن وثيقة للمعارضة السياسية في البلاد تعترف صراحة أنها لا تعرف لماذا وكيف كانت تتوقف وتندلع الجولات الست لهذه الحرب؟ ومع ذلك سنقارب هذه الصورة كما رسمتها وسائل الإعلام ثم نحلل معطيات الصورة ونحدد مؤشراتها الدلالية لمعرفة ما يترتب عليها من واقع موضوعي قد يتيح لنا إذا - وإذا فقط أردنا ذلك - تجاوز الأزمة إلى انفراج ممكن وحل متاح.
سنعرض هنا خلاصة دراسة منهجية شاملة لصورة الظاهرة الحوثية في وسائل الإعلام وسنقتصر في ذلك على عرض موجز لمضمون الصورة والنتائج المترتبة عليها، والدلالات المحمولة بها عن النشأة والمآلات.
أولً: أنصار الله في السياق التاريخي
يظهر أنصار الله في الرسالة الإعلامية ضمن سياق تاريخي يمتد في جذوره البعيدة إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين وإمامة البطنين وفي جذوره القريبة إلى ما يصفه الإعلام بـ "بقايا الإمامة" إشارة إلى أنصار النظام الملكي الذي انتهى بثورة سبتمبر في شمال الوطن وقيام النظام الجمهوري عام 1962م.
في هذا السياق ترتسم صورة أنصار الله من قبل خصومها وتحديداً في الإعلام الرسمي لسلطة الحكم وحلفائها بكونهم دعاة حق إلهي في الحكم وطلاب إمامة يعادون النظام الجمهوري ويسعون إلى القضاء عليه وإعادة نظام الإمامة المستند إلى دعوى حصر الحق في الحكم بأبناء السلالة الهاشمية وتحديداً في ذرية الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب عليهم السلام.
كان الموقف من الإمامة والنظام الجمهوري أول تجليات الظاهرة الحوثية عند تحقيق الوحدة وقيام دولتها في الجمهورية اليمنية عام 1990م؛ لأن التعددية السياسية والحزبية التي قام عليها النظام السياسي لدولة الوحدة أتاحت لأتباع المذهب الزيدي إعلان أطرهم الحزبية القائمة قبل الوحدة، وتشكيل أطر جديدة كان أبرزها حزب الحق الذي تأسس من قبل أبرز المرجعيات الفقهية للمذهب الزيدي وبمرجعية بيان شهير أكد فيه أن الإمامة كانت مرحلة تاريخية وأن الحق في الحكم ملك للأمة تعطيه من تشاء وتنزعه ممن تشاء.
ومع ذلك ظل الإعلام الرسمي يتهم الأحزاب ذات المرجعية الزيدية بالإمامة خصوصا أثناء الأزمة والصراع بين شريكي التوحيد حين تفتق ذهن أساطين إعلام تحالف الحرب على الحزب الاشتراكي عن مصطلح "التحالف الاشتراملكي، أو الاشتراإمامي".
تشير الرسالة الإعلامية لخصوم أنصار الله إلى أن أهم المرجعيات الزيدية ممثلة بالعلامة مجد الدين المؤيدي والعلامة بدر الدين الحوثي، رحمهما الله، رفضا التوقيع على هذا البيان متمسكين بمبدأ الإمامة وحصرها في البطنين، وهذا ما أكده المرحوم بدر الدين الحوثي في لقاء له مع صحيفة الوسط بين الجولتين الأولى والثانية من الحرب في صعدة، ومع هذا، فإن المسار التاريخي لحزب الحق وتفككه وخروج الشهيد حسين الحوثي منه وتشكيل تنظيم الشباب المؤمن وما تلاه حتى اندلاع الجولة الأولى للحرب ترتسم في الإعلام محاطة بالتناقض والغموض خصوصاً لجهة صلة كل هذا بالسلطة الحاكمة، وتحديداً شخص الرئيس السابق.
وفي السياق التاريخي أيضاً، ترتسم الصورة الإعلامية لجماعة أنصار الله موصولة بالثورة الإيرانية عام 1979م، والمد الشيعي الذي حركته في المنطقة العربية؛ حيث يشار في سياق التناول الإعلامي للظاهرة الحوثية إلى صلات مبكرة بين قيادات زيدية وإيران في ثمانينيات القرن المنصرم، وسيوظف هذا فيما بعد في سياق إدانة أنصار الله بالتشيع الاثني عشري والعمالة لإيران.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو التجاهل الإعلامي لبوادر المواجهة بين الشباب المؤمن وأجهزة السلطة من خلال القبض على الشباب الذين كانوا يتجمهرون بعد كل صلاة جمعة للهتاف بالصرخة الشهيرة التي دعا إليها الشهيد حسين الحوثي وكانت فيما بعد وكما كشف عن ذلك الرئيس السابق، شرارة الصدام بينهما إثر رفض الشهيد حسين وقف الهتاف بالصرخة أثناء أداء الرئيس صالح صلاة الجمعة بالجامع الكبير في صعدة.
الشعار أو الصرخة، كان هو الآخر دليل تبعية الحركة الحوثية للاثني عشرية والعمالة لإيران باعتبار الشعار صناعة شيعية إيرانية صكها الإمام الراحل آية الله الخميني، وقد استخدمه الإعلام أيضاً للتشنيع والسخرية بأنصار الله الذين صورهم الإعلام بأنهم يهتفون بالموت لأمريكا وإسرائيل ويقتلون اليمنيين بالإضافة إلى كونه مصدر مواجهة مجهولة بين الذين ينشرونه على جدران المدن والذين يطمسونه أو يضيفون معه الموت لإيران.
في هذا السياق التاريخي كان إعلام الظاهرة الحوثية ضعيفاً وتقليدياً يعتمد المباشرة في المحاضرات والخطب وينتشر عبر الشرائط الموجهة والنسخ المصورة والمعسكرات الصيفية للطلاب والتجمعات الجماهيرية في المناسبات الدينية منحصراً في التربية العقائدية وفي التعبئة الثورية في سياق يجوز لنا وصفه بحالة من تثوير وتجديد الزيدية.
ثانياً: في الصورة الإعلامية لأنصار الله
أشرت سابقاً إلى أن الصورة الإعلامية لأنصار الله في الإعلام ركبت بدوافع وغايات سياسية ولخدمة الموقف السياسي، وتحديداً لتبرير وشرعنة الحرب على الشهيد حسين الحوثي وأتباعه في مران عام 2004م، وهي الحرب التي حرص الرئيس السابق على تبريرها ببيان صدر لأول مرة باسم علماء الزيدية وتضمن حكماً بضلال وانحراف الشهيد حسين الحوثي.
كان هدف الإعلام وتحديداً الرسمي منه من تنميط صورة الحركة الحوثية بالسمات التي ظهرت بها منذ أول جولة للحرب في صعدة عام 2004م، هو شرعنة الحرب التي خاضتها القوات الحكومية ضد أنصار الله ابتداءً، عن الزيدية ومنحرفين عنها بفتوى كبار مرجعياتها الفقهية ومن هنا اعتمد الإعلام ثلاثية: التكفير والتخوين والتجريم لتعريف الظاهرة الحوثية وتوصيف حركتها وقادتها ومشروعها.
ارتسمت هذه الصورة للحوثية بسمات وملامح تشرعن الحرب عليها وتفرضها كواجب ديني ومصلحة وطنية وضرورة أخلاقية في مواجهة جماعة منحرفة ومحرفة للمذهب الزيدي، ومارقة إلى الكفر وخائنة للوطن وعميلة لأعدائه ومجرمة في دعوتها وأعمالها وأهدافها، وقد وصلت المبالغة بهذا في الإعلام الرسمي حداً أساء إلى الدولة اليمنية نفسها، حين نشرت صحيفة الثورة الرسمية أثناء الجولة الأولى للحرب في صعدة تقريراً مفاده أن الحركة الحوثية تعاونت تاريخيا مع اليهود ضد المسلمين بأعمال إجرامية كان منها تسميم آبار مياه شرب المسلمين، وهو ما استندت إليه الخارجية الأمريكية في إدانة اليمن بمعاداة السامية بتقريرها عن ذلك في العام 2004م.
نلخص السمات الرئيسة لهذه الصورة كالآتي:
1. التكفير الديني
وقد ظهر الحوثيون في هذه الصورة محرفين للزيدية ومارقين عنها إلى الاثني عشرية والتشيع الصفوي، وادعاء النبوة أو بالقول إنهم جماعة متطرفة تنتمي إلى إحدى فرق الزيدية المعروفة بالجارودية، وخارج الزيدية كانت الحركة الحوثية موصوفة بكونها من غلاة الروافض الذين يحرفون القرآن وينكرون نبوة محمد صلى الله وعليه وآله وسلم ويسبون الصحابة ويقذفون أمهات المؤمنين ويروجون لزواج المتعة.
2. التخوين السياسي
وفي هذا الملمح من الصورة الإعلامية للحوثية ظهرت الجماعة كعملاء مأجورين لإيران ومعمر القذافي ضمن أجندة لاستخدامهم ضد السعودية، وفي الصورة أيضاً اتهم الحوثيون بمعاداة النظام الجمهوري والدعوة للإمامة ورفع أعلام حزب الله واتهم الشهيد حسين الحوثي بأنه أخذ البيعة لنفسه إماماً ومنع دفع الزكاة للدولة وتلقي الأموال والأسلحة من إيران والتدرب في معسكرات الحرس الثوري وحزب الله في كل من إيران ولبنان وارتيريا.
3. التجريم الأخلاقي
وصف الحوثيون بأنهم دعاة عنصرية سلالية تستعلي بالحق الإلهي للبطنين في الحكم وتدعو إلى الكهنوت الإمامي وتمارس أبشع الجرائم فتقتل بوحشية الشيوخ والأطفال وتخطف النساء لخدمة أعضائها الذين هم تجار مخدرات ومدمنين عليها، ولا يدفنون قتلاهم من غير أبناء الهاشميين ومؤخراً أضيف جرم تدمير المنازل ومراكز التعليم السلفي.
يلاحظ من السياق العام للصورة الإعلامية المرتسمة للحركة الحوثية قلة وندرة وصفها بالتمرد والتمرد المسلح، أو بالقول إنها تنظيم سري مسلح محظور بدستور البلاد وقوانينها النافذة، مع أن هذه التهمة وحدها تبرر للدولة استخدام القوة المسلحة ضد من يقترف هذا الجرم، وفي محاولتنا تفسير ذلك وجدنا في مضمون الرسالة الإعلامية ما يشير إلى ما يلي:
a) إن قيادة الدولة لا تسمح فقط بل وتدعم تكوين المليشيات المسلحة خارج أطر المؤسسات الرسمية وأنها سلحت ودعمت ما أسمتها المجاميع القبلية التي قاتلت مع الدولة الحركة الحوثية.
b) إن القيادة السياسية سعت إلى حشد الدعم والتأييد الخارجي، بتصوير الحوثية كخطر مرتبط باستراتيجية إيران للمد الشيعي واستكمال هلال الشيعة شمال الجزيرة في الجنوب.
في مقابل هذه الصورة الرسمية كانت الصورة المرتسمة بمهنية وحياد في الإعلام الحزبي والأهلي محكومة بهيمنة الحاجة إلى، والمصلحة من، موقف سياسي ووطني تجاه الأزمة وحروبها، لهذا ابتعدت عن التورط فيما سيحسب عليها انحيازاً لأحد الطرفين متمسكة بأولوية الدعوة إلى، والعمل على، نبذ العنف ووقف الحرب، ويمكن الاستنتاج من تحليل مضمون هذه الصورة خلاصة مفادها، أن ابتعاد القوى السياسية والمجتمعية عن مقاربة الظاهرة الحوثية بمنهاج العلم ومنطق العقل، جعلها عاجزة عن إدراك كنه الظاهرة وسبر أبعادها المختلفة ومن ثم التقدم بمبادرة لتسوية الأزمة تتضمن معالجة شاملة وحلولاً جذرية ودائمة لأبعاد أزمة صعدة وحروبها المستمرة.
ثالثاً: الصورة في إعلام أنصار الله
أشرت سابقاً إلى أن إعلام أنصار الله كان ضعيفاً تقليدياً في الفترة منذ نشأة الأطر السياسية للزيدية مع قيام دولة الوحدة وحتى العام 2009م، وسأضيف هنا إلى أن هذا الإعلام مع ضعفه القديم وتحسنه المستمر ظل عاجزاً عن تقديم صورته كماهي في تصور الجماعة وتصرفها، ولعل تذبذب الاسم وتغيره يدل على الصدق النسبي فيما سبق قوله ذلك أنه مع التوافق على مسمى أنصار الله الذي يتربع على قيادته السيد عبد الملك الحوثي؛ إلا أن إعلام الجماعة درج على وصف السيد عبد الملك مؤخراً بأنه قائد المسيرة القرآنية.
يمكن القول إن حاجة أنصار الله لتبرير وشرعنة مقاتلة الدولة وقواتها المسلحة دفعتهم إلى استخدام ذات الأسس التي استند اليها إعلام الدولة والخصوم ونعني بهذه الأسس: التكفير والتخوين والتجريم، وإن كان استخدام أنصار الله لهذه الأسس مختلفاً خاصة فيما يخص التكفير، إذ لم يقولوا بكفر مخالفيهم وخصومهم في إعلامهم صراحة، فقد انتقدوا ضعف وقعود مرجعيات الزيدية عن مقاومة الظلم ومجاهدة الباطل، وسفهوا تيار التكفير ومنحوا أنفسهم هالة من القداسة المكتسبة من كونهم حسب ادعائهم على الحق والصراط المستقيم، هذا ما تدل عليه ألفاظ الاسم ابتداءً من حزب الحق مروراً بالشباب المؤمن ووقوفاً عند أنصار الله والمسيرة القرآنية.
برر أنصار الله قتالهم بكونه دفاعاً عن النفس من عدوان بدأته الدولة عليهم حسب تصريحات صحيفة للسيد عبدالملك الحوثي، أكد فيها أن هذا الدفاع مشروعٌ للحفاظ على ثقافتهم الإسلامية ووجودهم الاجتماعي، واستند أنصار الله في شرعنة قتالهم الدفاعي إلى التخوين السياسي بتصوير الرئيس السابق والحكومة اليمنية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأسرة آل سعود، وسعوا إلى كسب التعاطف والتأييد باستخدام التجريم الأخلاقي للسلطة وممارساتها من خلال عرض آثار ونتائج العمليات الحربية في مناطق القتال، مستندين إلى المظلومية التاريخية وما لحق بهم من إقصاء وتهميش وحرمان.
يقع أنصار الله في خطأ الخلط بين السياسي والاجتماعي أحياناً في إعلامهم حين يتباهون بانتصاراتهم بصورة لا تحصر خصومتهم مع سلطة الحكم بل تمتد بها إلى مجتمع ينتمي إليه جنود السلطة ووقود حربها، ففي كل اقتتال أهلي يحتكم المتحاربون إلى قاعدة وحدة الجميع في الخسارة ومبدأ لا غالب ولا مغلوب حفاظاً على وحدة الانتماء الوطني والشعور الجمعي وتغليباً لقيم العفو والتسامح والتصالح بالقسط والإحسان.
خلاصة واستنتاجات
نخلص مما سبق عرضه بإيجاز إلى القول إن الحرص على شرعنة الحرب وكسب التأييد والدعم لها، فرض أن ترتسم الصورة الإعلامية لأنصار الله بدوافع وغايات سياسية، ركز على تجريم الخصم وإدانته بما يبرر الموقف السياسي ضده ويوفر لهذا الموقف ما يتطلبه من دعم واسناد.
وعند مقاربة هذه الصورة بتحليل علمي نستنتج مباشرة أن المضمون الإعلامي يكون مشحوناً بالكراهية التي تولد نزعة جامحة إلى العنف ومناخاً محرضاً على الحرب، فالاتهامات المتبادلة بين فئات المجتمع وأطيافه السياسية والثقافية بالتكفير والتخوين والتجريم تولد في نفوس الأفراد والجماعات وبينها مشاعر الكراهية التي تصبغ المواقف والسلوك بنزعات العنف وتغذيها بما يتطلبه تبلورها نظرياً وعملياً إلى حرب واقتتال.
إن الصور النمطية لأنصار الله في وسائل الإعلام اليمنية لا تخلو من معطيات ودلالات يمكن استنتاجها والاستناد إليها في إعادة بناء الصورة في إطار تتكامل فيه عملية التفسير بضرورات الحل والمعالجات وبما يضمن صناعة رسالة إعلامية تهدف إلى معالجة القضايا الوطنية وحل المشكلات وتجنب كل ما يقود المجتمع إلى فتنة الفرقة والانقسام وويلات الاقتتال الأهلي وكوارث التدمير الذاتي لمقدرات الوطن والشعب في الحاضر والمستقبل.
نشترك جميعاً في المآسي التي صنعتها إدارتنا للصراع على سلطة الحكم وقادتنا إلى التفرق الطائفي والتعدد المذهبي والتنوع الثقافي والمجتمعي، وآن لنا جميعاً أن نخرج من هذه الدوامة المهلكة للحرث والنسل والمدمرة للتقدم والتحضر، وهذا أمر أيسر لنا وأسهل علينا من عنت الكراهية وويلات الاقتتال. وفيه من الخير ما تفيض به بركات لنا في السماء والأرض وفي الأنفس والآفاق.
وإجمالاً نخلص إلى دعوة القوى السياسية اليمنية وأحزابها وتياراتها في سلطة الدولة والمعارضة والمجتمع إلى إعادة بناء الصورة الإعلامية لأنصار الله وكافة القضايا بروح الوطنية المسؤولة عن رؤى واقعية صادقة وعادلة، تتجنب التكفير والتخوين والتجريم، وتبتعد تماماً عن إشاعة الكراهية والبغضاء لتوليد مشاعر العنف وتأجيجها في سلوك عدواني يجعلنا جميعاُ ضحايا الحروب وصناعها، وختاماً أعتذر من قصوري عن الوفاء بما تستحقه القضية من بيان وافٍ بالشرح والتفصيل الذَين تضمنتهما دراسة شاملة وموثقة وفرض علينا ضيق الوقت الممتد بين ظهر الأربعاء وهذه اللحظة تلخيصها بالعرض المكتوب والذي تلوته عليكم الآن.