خاضت مصر والسعودية جولات من المباحثات والمداولات أفضت إلى قرار مصري بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بموافقة البرلمان وتصديق السيسي على الحكم صادر في يونيو 2017، الولايات المتحدة أسهمت بشكل واسع في تمرير الصفقة والكيان الصهيوني رابع أربعة في هذه الصفقة، ومع اقتراب موعد خروج القوات الدولية يحدث تطور قد يجعل الصفقة متأرجحة حتى حين.
الموقع والأهمية
تقع جزيرة تيران (80 كلم2) مباشرة عند مدخل "مضيق تيران" الفاصل بين خليج العقبة والبحر الأحمر، وتبعد ستة كيلومترات عن شواطئ شبه جزيرة سيناء، وثمانية كيلومترات عن السواحل الغربية للسعودية، وتقع صنافير (33 كلم2) شرق تيران على بعد نحو 2.5 كيلومتر منها، ويوجد جنوبيها خليج مفتوح يصلح م3لجأ للسفن في حالات الطوارئ.
تأتي الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين من موقعهما المطل على خليج العقبة المؤدي إلى ميناء العقبة الميناء الوحيد للأردن وميناء أم الرشراش (إيلات) المحتل كما أنهما بالقريب من منتجع شرم الشيخ المصري.
تتجلى هذه الأهمية الاستراتيجية في أنها تطل على ثلاث ممرات في المنطقة الأول مضيق "انتربرايز" الفاصل بين تيران وشرم الشيخ وعمقه 290 متراً وهو الوحيد الصالح للملاحة، والثاني مضيق "غرافتون" والواقع أيضاً بين تيران وشرم الشيخ وعمقه 73 متراً والثالث الممر الفاصل بين الجزيرتين وعمقه 16 متراً .
تنازع الملكية وتأرجح الإقرار
في العام 1950م تمركز الجيش المصري في الجزيرتين بعد النكبة، وكانتا من القواعد العسكرية الاستراتيجية لمصر في فترة العدوان الثلاثي عام 1956، ثم سيطرت "إسرائيل" على الجزيرتين في حرب 1967، عندما قام الراحل جمال عبدالناصر بإغلاق المضيق أمام السفن الصهيونية، قبل إعادتهما إلى مصر بعد توقيع البلدين على اتفاقية السلام في عام 1979.
دار الجدل حول ملكية الجزيرتين بين السعودية ومصر وتراشق الطرفان إعلامياً، ـبينما خاضت الجهات المختصة جولات ومباحثات بلغت 11 جولة ولقاء.
في أبريل عام 2016، وقعت مصر والسعودية، أثناء زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما تنص على تسليم تيران وصنافير للسعودية.
أثار القرار موجة استنكار في الشارع المصري الذي اعتبر ذلك تفريطاً في سيادة مصر على جزء من أراضيها وطالبوا بإلغاء الاتفاقية.
مدافعاً عن مصرية الجزيرتين أقام المحامي المصري والمرشح الرئاسي خالد علي دعوى قضائية ضد "تنازل" الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، وقام بنشر صور لما يقول أنها وثائق رسمية صادرة عن المملكة العربية السعودية، واعتبر أنها "تؤكد مصرية" جزيرتي تيران وصنافير، على حد تعبيره.
وتابع علي أن الوثائق "تتضمن ما يفيد إرسال سفير اليابان خطاباً للسعودية يسألها عن مضيق تيران، فجاء بالوثيقة أن الخارجية السعودية تتحوط في الرد على اليابان وتشك في أن طلبها يتجاوز غرض جمع المعلومات، وجاء فيه أن اتفاق مصر مع اسرائيل اعتبر المضيق دولياً، وأن ترسيم الحدود البحرية مع مصر لم يتم،" على حد زعمه.
وفي يناير من العام 2017، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكماً نهائياً باتاً واجب النفاذ ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر السعودية، والتي نصت على أن الجزيرتين سعوديتان. وأشارت المحكمة إلى أن الجزيرتين هما ضمن الإقليم المصري، وخاضعتان للسيادة المصرية الكاملة.
وفي فبراير من نفس العام قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بسريان الاتفاقية، وقال رئيس المحكمة القاضي أحمد الشاذلي بمنطوق حكمه إن "سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها" موضحاً أن هيئة المحكمة أجمعت على هذا الحكم.
قوبل القرار بالارتياح من الشارع المصري فقد نشر الإعلاميون والناشطون السياسيون تغريدات وشنوا حملات تؤكد على "مصرية الجزيرتين"، وبعد قرار المحكمة علق الدكتور محمد البرادعي النائب السابق لرئيس الجمهورية قائلاً: "عسى أن نفهم أن الأوطان لا تُبنى إلا بالعدل وسيادة القانون. آمل أن يكون حكم اليوم بداية صحوة ووقفة مع النفس لتغيير وتقويم المسار. السيادة للشعب".
وبعد هذا القرار لجأت الحكومة إلى المحكمة الدستورية العليا لتحديد أي من المحكمتين لها الولاية القضائية للفصل في هذا الخلاف.
تلا ذلك موافقة البرلمان المصري على اتفاقية ترسيم الحدود في يونيو 2017، والمحكمة العليا في البلاد في مارس 2018 والتي قضت ببطلان أحكام بعدم قانونية تسليم الجزيرتين وأكدت أحقية السعودية بالجزيرتين.
من جهتها تدعي السعودية أن تمركز القوات المصرية في 1950م كان بمباركة منها وعللت عدم ممارستها لمظاهر السيادة على الجزيرتين قبل ذلك التاريخ إلى عدم تواجدها الفعلي فيهما، وكذا عدم ممارسة هذه المظاهر بعد هذا التاريخ نتيجة احتلال مصر لهما وأن هذا لا ينفي تبعيتهما للسعودية.
إلا أن معارضين للاتفاقية أكدوا أن سيادة مصر على الجزيرتين تعود إلى اتفاقية موقعة عام 1906 أي قبل تأسيس المملكة.
خلال المفاوضات على عودة الجزيرتين استندت السعودية على الوثائق التي نشرتها وزارة الخارجية المصرية والتي تضمنت عدداً من المخاطبات الرسمية المصرية والسعودية والأميركية حول ملف الجزيرتين وملكيتهما للسعودية.
وأشارت الوزارة إلى أن الدراسات القانونية ترى أن تبعية الجزيرتين وفقاً لأحكام القانون الدولي هي للمملكة العربية السعودية، كما تضمنت تلك الوثائق اتفاق تعيين الحدود بين مصر وتركيا في الأول من أكتوبر عام 1906، ومعلومات بشأن البرقية الموجهة من سفير الولايات المتحدة بالقاهرة إلى وزير الخارجية الأميركي بتاريخ 30 يناير 1950 التي تشير إلى احتلال الحكومة المصرية لجزيرتي "تيران" و"صنافير" بموافقة الحكومة السعودية، وصورة خطابي وزير الخارجية السعودي إلى نظيره المصري في 14 سبتمبر 1988 و6 أغسطس 1989 حول الجزيرتين، والقرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1990 بشأن نقاط الأساس المصرية على كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر، والذي لم يعتبر الجزيرتين ضمن السيادة المصرية، وهو القرار الذي تم نشره بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 3 في 18 يناير 1990.
بررت الحكومة المصرية قرارها (نقل الجزيرتين للسعودية) بالقول إن “العاهل السعودي الراحل الملك عبد العزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 بأن تتولى توفير الحماية للجزيرتين”، وأن الاتفاقية استندت إلى قرار جمهوري أصدره الرئيس الأسبق حسني مبارك وأبلغ به رسمياً الأمم المتحدة في مايو 1990 “يجعل جزيرتي تيران وصنافير داخل المياه الاقليمية السعودية”.
من جهتها وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA نشرت في موقعها الإلكتروني 775 ألف وثيقة في 13 مليون صفحة، تم رفع السرية عنها عام 1995 بأمر الرئيس بيل كلينتون، ومن بين هذه الوثائق صور فضائية التقطت في الفترة 1968-1971 وتفسيرات لها حول الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في تيران وصنافير. وفي هذه الوثائق توصف الجزيرتان بأنهما سعوديتان، وتعتبران بذلك أراضيَ سعودية محتلة من قبل إسرائيل.
الدور الأمريكي والتربص الصهيوني
انخرطت الولايات المتحدة الأمريكية في مساعي نقل الجزيرتين للسعودية بقوة إذ تقود الولايات المتحدة وساطة لإتمام عملية تنازل مصر عن جزيرتين إلى السعودية وبمباركة إسرائيلية وإنجاز هذه الخطوة سيكون مهماً للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ووفقاً لموقع أكسيوس الأمريكي فإن إدارة الرئيس بايدن تجري بهدوء محادثات بين الدول الثلاث (مصر، السعودية وإسرائيل)، إن نجحت قد تكون أولى الخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
وبعد وصوله السعودية أعلن بادين عن مغادرة قوات حفظ السلام الدولية بما فيها القوات الأمريكية من جزيرتي تيران وصنافير بنهاية 2022، ملبياً بذلك المطلب السعودي الذي ظل أحد العراقيل أمام نقلهما للسيادة السعودية.
وبصفته المستفيد الأكثر حظاً اشترط الكيان الصهيوني أن تلتزم السعودية بالاتفاق المبرم بين مصر والكيان ضمن معاهدة كامب ديفيد 1979 القاضي ببقاء الجزيرتين منطقة منزوعة السلاح مع وجود قوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة والسماح بمرور السفن الإسرائيلية في المضيق، وخلال المفاوضات التزمت السعودية للكيان الصهيوني أيضاً بالسماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي للرحلات المتجهة إلى الهند والصين وقالت إنها ستناقش الرحلات الجوية المباشرة من "إسرائيل" إلى جدة لشركات الطيران المعتمدة للحجاج المسلمين في الكيان الراغبين في إقامة مراسم الحج.
يصر الكيان الصهيوني على ضمانات أمريكية بفتح المضيق للسفن الإسرائيلية إذ أنه الممر المائي الوحيد للكيان من ميناء أم الرشراش (إيلات) إلى البحر الأحمر، مما يسمح بالشحن من وإلى أفريقيا وآسيا دون الحاجة إلى المرور عبر قناة السويس. كما تستخدم سفن البحرية الصهيونية هذا الممر المائي للوصول إلى البحار المفتوحة، حيث تجري مناورات بحرية غير ممكنة في الحدود الضيقة لخليج العقبة.
تحفظات مصرية ورفض التسليم
مؤخراً قال تقرير لموقع أكسيوس الأمريكي إن مصر تعطل تنفيذ اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بسبب إيقاف الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من مساعداتها المالية السنوية للقاهرة (حوالي 130 مليون دولار) وذلك بسبب ما تقول واشنطن أنه عائد لانتهاك مصر لحقوق الإنسان.
لم تلجأ مصر إلى استخدام لوبيات الضغط في الكونجرس لتمرير المساعدات كاملة بل ذكرت الجانب الأمريكي بأن المساعدات الأمريكية كانت أحد شروط اتفاقية كامب ديفيد لتحسين أوضاع الشعب المصري الذي يجب أن يلمس تحسناً في وضعه بعد توقيع الاتفاقية ولم يكن يوماً مشروطاً بجوانب إنسانية أو حقوقية.
يؤكد الموقع أن القضية الرئيسية الآن هي موضوع القوة المتعددة الجنسيات، حيت تريد الرياض إنهاء وجودهم مع تعهدها بالحفاظ على حرية الملاحة الكاملة لجميع السفن، ويبدي المسؤولون الإسرائيليون مرونة لكنهم يطالبون بترتيبات أمنية بديلة تحقق نفس النتائج.
مصر تذرعت بإشكالات فنية تتعلق بتركيب كاميرات المراقبة غير أن مصادر صهيونية لموقع أكسيوس أكد أن السبب هو المبالغ المخصومة من المساعدة الأمريكية كما تم ذكره سابقاً.
كانت التحفظات المصرية والمخاوف المزعومة، وفقًا لمصادر أمريكية وإسرائيلية ، قد أثيرت الأسبوع الماضي عندما التقى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الأخير لواشنطن لحضور القمة الأمريكية الأفريقية.
يشير بعض المحللين أن ما يجري هو باتفاق ضمني بين السعودية ومصر وأن المصريين أبلغوا السعوديين بالخطوة لضمان حصول مصر على المساعدات كاملة وهذا الأمر لم يلق معارضة سعودية نظراً لتوتر العلاقة بين السعودية وإدارة بايدن، التي ترى في إتمام الاتفاق نصراً ونجاحاً لدبلوماسيتها، فإذا كان سلفه ترامب عاد من الرياض بنصف ترليون دولار فإن بايدن حرص عقب وصوله السعودية على العودة بالجزيرتين متعهداً بانسحاب القوات الأجنبية بما فيها القوات الأمريكية من الجزيرة لإتمام الصفقة.
من جهة أخرى لا تمانع السعودية التردد المصري من أجل الحصول على مكاسب سياسية وتقنية تساعدها في إنجاح رؤية 2030 قبل التطبيع، فمن الملاحظ أن الرياض وافقت على مرور الطيران الصهيوني فوق جزء من أراضيها باتجاه سلطنة عمان للرحلات المغادرة إلى الهند والصين ولم تفتح أجواءها بشكل كامل للطيران الصهيوني بعد، وهذا لا يعد مكسباً كاملاً للكيان الصهيوني نظراً لامتناع سلطنة عمان عن فتح أجوائها للطيران الصهيوني، ما يعني أن الرياض لا زالت تناور لجني المزيد من المكاسب قبل التطبيع النهائي مع الكيان الصهيوني.
ثمة اعتقاد على نطاق واسع أن الصفقة المتأرجحة ستواصل نجاحها وتختتم بالتسليم بعد حصول مصر على مطالبها من الجانب الأمريكي وأخرى سعودية من الكيان الصهيوني في مسار التطبيع المتوقع.