تمهيد:
يدرس التقرير تجربة الجبهة القومية في تحرير جنوب اليمن المحتل، وأبرز التحديات السياسية التي واجهتها في طريق الثورة وتحقيق الاستقلال الوطني الناجز.
لمعرفة التجربة أهمية عملية اليوم في فهم واقع الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية ومواجهة الأشكال الجديدة من المؤامرات الراهنة، إذ تتشابه التحديات التي واجهت القوى الوطنية بقيادة "الجبهة القومية" في جنوب اليمن مع التحديات الراهنة التي تواجه القوى الوطنية بقيادة "أنصارالله"، من حيث كون الجغرافيا السياسية التي دارت فيها الأحداث واحدة، وهي المحافظات الجنوبية والشرقية والساحل الغربي، ومن حيث كون الجوار السعودي المتآمر هو ذاته القديم الجديد الذي استقبل سابقاً السلاطين ورعى تشكيل جيوش مرتزقة ودعم العمليات العسكرية العدوانية ضد الحكومة المستقلة وهو ما يجري منذ هروب المرتزقة إلى المملكة عقب انتصار ثورة 21 سبتمبر.
وكذلك الموقف العدوان الأمريكي الأطلسي في الأروقة والمحافل الدولية الذي كان يساند سابقاً التحركات البريطانية في اعتبار حكومة الاتحاد -صنيعة بريطانيا- كحكومة شرعية ومحاولة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بما يوافق التوجهات البريطانية وهو ما يجري في الوضع الراهن، من تعامل مع حكومة المرتزقة والتعامل مع قرارات مجلس الأمن.
لاحقاً وبعد أشهر من تحقيق الاستقلال الوطني دبرت الولايات المتحدة محاولة للانقلاب على حكومة الاستقلال، وهو أمر من الوارد أن يخطط له العدو لاحقاً بعد توقف العدوان وتشكيل حكومة من كل الأطراف السياسية.
كما تتشابه تجربة ثورة تحرير الجنوب اليمني المحتل مع واقعنا الراهن من حيث كون السياسية الاستعمارية البريطانية العامة التي طبقتها إبان الاستعمار وفي مواجهة ثورة 14 أكتوبر، هي السياسية التي يجري تنفيذها اليوم في جنوب اليمن عبر السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبمشاركة بريطانية فرنسية.
نجد في التجربة من تعامل الاستعمار البريطاني مع القوى العميلة نماذج مماثلة لإسقاط حكومة "بحاح" ثم اسقاط رئاسة "هادي" وتشكيل "مجلس العليمي"، فالتخلص من الأوراق المحترقة وإعادة تجديدها بإضافة اسماء وقوى عميلة جديدة وتحت عناوين جديدة هي سياسة بريطانيا القديمة الجديدة.
وتتشابه التجربة مع واقعنا الراهن في القضايا الجيوسياسية، المتعلقة بالجزر، والمضائق البحرية والسواحل، ومساعي فصل المهرة وسوقطرى وحضرموت، فكما في التجربة السابقة حاولت بريطانيا مراراً إبقاء الجزر اليمنية تحت سيطرتها وخصوصاً جزيرة ميون الحاكمة لمضيق باب المندب، والقضايا الاقتصادية المتعلقة بالتعويضات المالية، وارتداد المرتزقة عن الهوية اليمنية، وفي مسألة التعويضات كانت بريطانيا قد تعهدت أمام المجتمع الدولي أنها سوف تدعم حكومة الاستقلال الجديدة مالياً بعد تسليم السلطة إليها إلا أنها تراجعت لاحقاً عن هذا الوعد، وهو أمر قريب من رفض تسليم رواتب الموظفين، ومن المحتمل لاحقاً ألا تفي دول العدوان بالتزاماتها في التعويض وإعادة الإعمار.
كما أن تحدي الشريك الانتهازي "جبهة التحرير" القريبة في طبيعتها وموقفها من علي صالح والخونة من "المؤتمر" الذي ادعى الوطنية فيما كان ينسق مع العدوان خشية من انتصار القوى الوطنية واحتراق مستقبله السياسي، إذ حاول تفجير الحرب الأهلية في العاصمة صنعاء لضرب الثورة من الداخل، وهو ما قامت به "جبهة التحرر" سابقاً من تنسيق سياسي مع بريطانيا وتفجير الحرب في عدن وتوجيه البنادق نحو مقاتلي حرب التحرير.
وعلى مستوى العلاقات الدولية، تتشابه التجربتان في عدم الاعتراف الدولي بالقوى الوطنية وتصنيفها منظمة إرهابية لايزال هذا الموقف سائداً تجاه أنصارالله، وهو ذات الموقف الذي كان سائداً من قبل بريطانيا والغرب تجاه الجبهة القومية التي كانت تعد بنظرهم منظمة إرهابية ولم يتم إزالة هذا التصنيف عنها إلا في الشهور الأخيرة من عام الاستقلال 1967م.
كما نجد في التجربة محاولة ضم القوى الوطنية إلى القوى العميلة لتأليف حكومة مشتركة وخروج المعتدي الأجنبي من الالتزامات، هذه الاستراتيجية التي يحاول العدوان فرضها اليوم كان سابقاً قد حاول تنفيذها عبر أكثر من دعوة وتشكيل حكومي إلا أنه فشل، ومثل هذا الخيار سوف يتكرر عقب انتهاء العدوان حيث يسعى العدو إلى أن يتجاوز القضة الأساسية المتعلقة بالطابع الدولي للحرب والعدوان الأجنبي، ومحاولة حل الأزمة على اعتبار أنها قضية صراع بين حكومة صنعاء وعدن تحسم بالمساومة على الحقائب الوزارية، وهذا الخطاب هو السائد في نظر المبعوث الأممي.
كل هذه التحديات التي واجهت ثورة 14 أكتوبر وتجربة التحرر الوطني سابقاً، تواجه القوى الوطنية اليوم وتجعل من المهم دراسة تجربة الجبهة القومية في تحرير الجنوب الوطني المحتل، هذا البحث خلاصة عدة كتب هامة ويقدم التجربة السياسية، وإضافة إلى التجربة السياسية فإن من المهم أيضاً دراسة التجربة العسكرية لأننا في حاجة إلى خوض حرب تحرير وطنية تبدأ من الحدود مع المناطق الحرة وصولاً إلى عدن وباب المندب وسوقطرى وسواحل المهرة وحضرموت.
واجهت ثورة 14 أكتوبر وتجربة النضال التحرري من أجل تحقيق الاستقلال الوطني في جنوب اليمن تحديات سياسية عديدة، مثلت عقبة في طريق الاستقلال، فمع صعود النضالات الثورية الوطنية في جنوب اليمن المحتل منذ خمسينيات القرن الماضي وظهور الأحزاب القومية واليسارية والتنظيمات النقابية العمالية، أي حين باتت قضية الاستقلال الوطني لجنوب اليمن مطروحة على جدول التاريخ، انتقلت بريطانيا من سياسة "فرق تسد" إلى سياسة "جمع تسد"، ومنذ ذلك الحين طرحت في برنامج عملها مسألة تسليم السُلطة للقوى العميلة لتمارس الهيمنة الاستعمارية عن طريق الأدوات، بما يحافظ على النهب الاستعماري واستغلال الجغرافيا السياسية ووجود القاعدة العسكرية، كمركز قيادة للقوات البريطانية في الشرق الأوسط.
في العام 1959م أعلن عن قيام ما سُمي "اتحاد إمارات الجنوب العربي" ضمن مسعى توحيد العملاء لمواجهة الصعود الوطني، ثم لاحقاً في سبتمبر 1962م تم دمج مستعمرة عدن بالاتحاد، قرار دمج عدن بحكومة اتحاد الجنوب العربي، عقد من الخلافات الدستورية فسعى المندوب السامي البريطاني ووزير المستعمرات إلى معالجة هذه الإشكاليات بين صفوف الخونة، عبر مؤتمرات دستورية كان القصد منها حسم مسألة الخلافات والتمهيد لتسليم السلطة لهذه الحكومة الزائفة.
مثلت هذه المؤتمرات تحديات سياسية أمام الاستقلال خاصة وأن موعد انطلاقها تم وقد اندلعت ثورة 14 أكتوبر المجيدة في العام 1963م، وعلى هذا الأساس عُقد مؤتمر لندن الدستوري الأول ١٩٦٤م، أرادت بريطانيا من هذا المؤتمر أن تبحث وضع القاعدة العسكرية في عدن وضرورة الاحتفاظ بها بإيجار سنوي، وكانت تحاول بذلك أن تحتوي قرارات الأمم المتحدة، بشأن تسليم بريطانيا السلطة للشعب اليمني، فشل المؤتمر الأول لينعقد المؤتمر الثاني في العام ١٩٦٥م في أتون الحرب الشعبية التحررية، سعت الحكومة البريطانية في هذا المؤتمر إلى توسيع قائمة الأطراف المشاركة فيه، بحيث يضم إلى جانب سلاطين الاتحاد المزيف والوزراء في الحكومة الزائفة والمنظمات السياسية التي لم تشترك في المؤتمر السابق، وقد أكد وزير المستعمرات البريطانية آنذاك بأن الهدف من هذا المؤتمر هو الوصول إلى تقرير مستقبل الجنوب بالطرق السياسية، وكان واضحاً أن بريطانيا مصممة على الاحتفاظ بالقاعدة العسكرية بموافقة الحكومة العملية.
في شهر إبريل من عام ١٩٦٦م بذلت بريطانيا محاولة أخرى لتنظيم القوى السياسية الموالية لها من خلال ترتيب اجتماع موسع للقوى الانتهازية والعميلة في بيروت، بهدف الخروج بتكتل سياسي يحظى بدعم دولي ويهيئ نفسه لاستلام السلطة من بريطانيا بناءً على المقترحات الدستورية التي أعدها البريطانيون، إلا أن التطورات العسكرية التي شهدتها منطقة الجنوب اليمني مع التصعيد القوي للأعمال العسكرية والفدائية في مدينة عدن أدى إلى إفشال هذه المحاولة.
عندما وجدت القوى الانتهازية والعميلة نفسها في وضع لا يُحسد عليه وبعد فشل المؤتمرات الدستورية، انتقلت إلى الموقف الآخر وادعت الوطنية، مشكلة "منظمة التحرير" في العام 1965م بهدف جني ثمار نضال الجبهة القومية التي تناضل منذ انطلاق الثورة في أكتوبر 1963م وحجز موقع لها بعد رحيل الاستعمار البريطاني.
كان تشكيل "منظمة التحرير" مؤامرة خطيرة وثورة مضادة، لكن المؤامرة الأخطر تمثلت في دمج "الجبهة القومية" (الثورية) مع منظمة التحرير (الانتهازية) تحت مسمى "منظمة تحرير الجنوب اليمني المحتل" بضغط من الاستخبارات المصرية، إلا أن "الجبهة القومية" استعادت استقلاليتها بعد أقل من عام على الدمج، لتستمر منظمة التحرير في النشاط تحت مسمى "جبهة التحرير" وهو ما أدى إلى إضعاف العمل الثوري وتمزيق وحدة حركة الثورة، كما خسرت الجبهة القومية الدعم العربي الذي بات يوجه حصراً لجبهة التحرير.
فتحت الخلافات بين جبهة التحرير والجبهة القومية الأبواب أمام بريطانيا والسلاطين لممارسة الألاعيب السياسية بتقديم استقلال وطني منقوص للقوى العميلة، إلا أن أخطر ما في هذه المؤامرات هي المواجهات التي فجرتها جبهة التحرير ضد الجبهة القومية في عدن في شهر نوفمبر من العام 1967م قبل أسابيع من الاستقلال وكادت هذه العملية التخريبية أن تطيح بمكتسبات 5 أعوام من الكفاح المسلح.
استمرت الجبهة القومية في مواصلة الكفاح المسلح على الأرض، ومواجهة التحديات السياسية التي يحيكها البريطانيون والسلاطين وجبهة التحرير والاستخبارات المصرية، ومحاولتهم الاستفادة من قرارات الأمم المتحدة وتنفيذها بشكل مخالف لجوهرها، ودخلت الجبهة القومية في استراتيجية إسقاط المناطق التي بدأت في 20 يونيو 1967م حتى 30 نوفمبر من ذات العام، ولم تدشن المفاوضات بين الجبهة القومية وبريطانيا في 20 نوفمبر 1967م إلا وكانت "الجبهة القومية" قد أسقطت كل السلطنات وحررت كل الجنوب اليمني المحتل باستثناء آخر معسكرات الانجليز في مدينة عدن الذي كان واقعاً تحت رحمة الجبهة القومية.
كان ملف اليمن في الأمم المتحدة من ضمن التحديات التي واجهتها الثورة، كان العالم آنذاك كانت في ظل تعدد قطبي فكان دور منظمة الأمم المتحدة إيجابياً من العام 1960م حتى العام 1965م حين صوتت الدورة العشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة وبالأغلبية الساحقة على قرار بخصوص عدن والمحميات يدعو صراحة إلى خروج الاستعمار وتسليم السلطة للشعب، وقد حاولت بريطانيا المناورة على مختلف القرارات التي صدرت خلال هذه الفترة، ومحاولة تأويل قرارات الأمم المتحدة لتسليم السلطة للعملاء وإعاقة عمل اللجنة الخاصة باليمن التي ابتعتها الأمم المتحدة ومنعها من دخول عدن، ولاحقاً منعها من لقاء القوى الوطنية، ومطالبة الأمم المتحدة لحضور مؤتمر تقوم به حكومة الاتحاد الزائفة على أساس أنه مؤتمر لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وليس انتهاءً بالإيقاع بالأمم المتحدة وترتيب لقائها بالقوى العميلة والقوى الانتهازية، طوال هذه الفترة كانت الجبهة القومية تضغط عسكرياً على الأرض، وتوضح مواقفها للأمم المتحدة وتفضح المناورات الاستعمارية، وكانت رؤية الجبهة القومية أن قرارات الأمم المتحدة إيجابية ومساعدة، لكن الكفاح المسلح هو الأساس في نيل الاستقلال.
ومن أخطر هذه المؤامرات السياسية وآخرها، مؤامرة "الجهاز الإداري"، وذلك عبر تظاهر وزراء "حكومة الاتحاد" المحروقة شعبياً بالاستقالة منها، من أجل إعادة تفعيلهم في أطر جديدة، وهكذا سعت بريطانيا للترويج لفكرة "الجهاز الإداري" ، باجتماع عقد بمدينة الاتحاد في 5 يوليو 1967م، هدف هذا التحرك إلى أن يطمئن الوزراء والسلاطين المذعورين من ناحية، وأن يتمكن من إظهار بوادر المساومة مع الحركة الوطنية وبعثة الأمم المتحدة من الناحية الأخرى، ليظهر أمامهم أنه أقدم على إلغاء حكومة الاتحاد وأوجد جهازاً يضم أوسع قطاعات الشعب كما نصت قرارات الأمم المتحدة، إلا أن هذه المؤامرة التي جاءت قبل 4 أشهر من الاستقلال أحبطتها الجبهة القومية.
واجهت الثورة تحديات تمزيق جنوب اليمن المحتل، بداية من مؤامرة تدويل جزيرة بريم ومضيق باب المندب، فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم البريطاني يوم ١٩ يونيو ١٩٦٧م عن تحديد يوم 14 يناير 1968م موعداً للاستقلال، وأن حكومته تفكر في تدويل جزيرة (ميون) التي تقع على مضيق باب المندب بضغط من الكيان الصهيوني الذي توسل بريطانيا قبل الاستقلال أن لا تنسحب من الجزيرة وتبقى فيها حتى تصل إليها قوات دولية، إلا أن الثورة أفشلت المؤامرة بضربة استباقية عبر انتفاضة شعبية قامت بها بتحرير الجزيرة وطرد الحاكم المحلي والضابط البريطاني، المؤامرة الأخرى تمثلت في فصل حضرموت والمهرة وإدخالهما في اتحاد فيدرالي مع السعودية.، وكان المندوب السامي البريطاني في أحد ردوده على البعثة الدولية قد عبّر عن أن بلاده لا تملك سلطة إرغام الولايات الشرقية (القعيطي، والكثيري، والمهرة) على الانضمام إلى "اتحاد الجنوب العربي"، وبالتالي فإن بريطانيا ليس لها صلاحية تسليمها للسلطة الوطنية بناء على قرارات الأمم المتحدة، وكان التوجه البريطاني أن يعطي الخيار للإمارات الشرقية حضرموت والمهرة الانضمام إلى الملكة السعودية أو الإمارات الخليجية، إلا أن الجبهة القومية أحبطت هذه المؤامرة بإسقاط تلك السلطنات وضمها للوطن.
وقد نجحت مؤامرة فصل جزر كوريا موريا وتسليمها لسلطان عمان، تقع الجزر في سواحل إقليم ظفار (في سلطنة عمان حالياً) ورغم تسليمها من قبل بريطانيا إلى سلطان عمان إلا أن وفد الجبهة القومية في المفاوضات ثبت هذه الجزر ضمن الجزر اليمنية وعقب الاستقلال عينت حكومة الاستقلال محافظاً لها إلا أنها سقطت في الواقع، وكانت الإشكالية فيها أن نسبة السكان فيها ضئيلة جداً في حدود 80 فرداً ولبعدها عن جنوب اليمن وقربها من سلطنة عمان، لم يكن للجبهة القومية عناصر فيها، بخلاف جزيرة ميون التي أسقطتها الجبهة القومية وأعاقت تدويلها عبر انتفاضة شعبية من داخلها.
استطاعت الجبهة القومية تجاوز كل هذه المؤامرات، واضطرت بريطانيا للاعتراف بها كممثل شرعي عن الشعب اليمني في الجنوب المحتل، وقبلت بها في مفاوضات الاستقلال، مثلت مرحلة المفاوضات عقبة خطيرة في طريق الثورة والاستقلال، فقد كان البريطاني يطمح عن طريق المفاوضات إلى استعادة ما خسره عبر المؤامرات العسكرية الاجتماعية والمؤامرات الدستورية.
إلا أن الوفد الوطني ذهب إلى المفاوضات متمسكاً بقضايا مبدئية لا يُمكن التنازل عليها، تمثلت في أن المفاوضات ستتناول بالدرجة الأولى تحقيق الاستقلال الناجز، وتسليم السيادة للحكومة الوطنية ورفض أي اتفاق عسكري أو دفاعي أو أحلاف سياسية، ورفض الدخول في نطاق الكومونولث البريطاني، وعدم التخلي عن أي جزء من الجنوب اليمني بما فيها كل الجزر ورفض أية قيود أو شروط من أي نوع، مع التأكيد على أن الجبهة القومية ستنهي رسمياً كل الاتفاقيات السابقة المبرمة مع السلاطين والمشائخ السابقين وحكومة الاتحاد المزيف مع المحتل البريطاني، وأن المفاوضات ستشمل طلب معونات وتعويضات مالية غير مشروطة وتسليم كل ممتلكات الجيش البريطاني الثابتة لحكومة الثورة، إلا أن الوفد عاد بدون تعويضات مالية فقد اشترطتها بريطانيا بوجود بعثة عسكرية كبيرة في عدن.
عندما وصل وفد المفاوضات إلى جنيف وجد أن الوفد البريطاني قد أحضر معه وفداً سعودياً وضغط على الجبهة القومية لقبول التفاوض مع الوفد السعودي أولاً قبل التباحث حول الاستقلال مع لندن، إلا أن ذلك لم يتم، ودخل الوفد في مفاوضات شاقة كاد أن ينسحب منها وخصوصاً في ملفات التعويضات وجزر كوريا موريا، وبرغم كل ذلك أنجز الوفد المفاوض استقلالاً ناجزاً.
وقد استمرت المؤامرات البريطانية السعودية الأمريكية في مرحلة ما بعد الثورة كان أخطرها وأسرعها محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في مارس 1968م التي تلقت دعماً أمريكياً وعلى إثرها تم طرد موظفي السفارة الأمريكية، ثم دخلت الدولة الجديدة في صراعات حدودية مع السعودية وفي إقليم ظفار وصدام مع النظام الموالي للسعودية في صنعاء.
يتبع