توجه الرئيس الصيني شي في السابع من ديسمبر 2022 إلى السعودية لعقد قمة ثنائية صينية سعودية تتلوها قمة خليجية وأخرى عربية على التوالي، تأتي هذه الزيارة في ظروف دولية استثنائية سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي وفي ظروف تشكل نظام عالمي يتجاوز النظام القائم على القطبية الواحدة.
ماذا يريد العرب من الصين وماذا تريد الصين من المنطقة؟ وما موقف الولايات المتحدة من الزيارة والزيارات خلال السنوات الماضية؟
نستعرض في هذا التقرير الزيارة الصينية إلى السعودية ونتائج هذه الزيارة وانعكاسها على العلاقات الأمريكية السعودية والخليجية.
المشاركون والغائبون في القمة العربية الصينية:
الملك السعودي سلمان – الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – الرئيس التونسي قيس سعيد – أمير قطر الشيخ تميم - لرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني – الملك الأردني عبد الله الثاني – الرئيس الفلسطيني محمود عباس – الملك البحريني حمد آل خليفة – رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني – رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان- رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي- رئيس ما يسمى مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي – الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، ورئيس جزر القمر عثمان غزالي، والرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود – وممثل عن الإمارات.
غياب كل من سلطان عمان هيثم بن طارق، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ورئيس لبنان في ظل فراغ المنصب، وملك المغرب محمد السادس، ورئيس العراق عبد اللطيف رشيد مع وجود من يمثلهم.
عوامل مشتركة بين الصين والمنطقة العربية تعزز الشراكة:
لدى الصين سجل تاريخي في دعم القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، كما أنها تتوافق مع التوجهات الخارجية العربية في احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ورفض استخدام حقوق الإنسان والديمقراطية كأوراق ضغط ومظلة للتدخل في شؤون الآخرين، بخلاف أمريكا والغرب عموماً الذين عادة ما يقيدون الشراكات والصفقات والعلاقات بشروط ثقيلة تخدم أجندتهم.
رفضت الصين إقامة علاقة بالكيان الصهيوني حتى عام 1992، عندما اعترف العرب بـ “إسرائيل” كأمر واقع وأقامت دول عربية علاقة بـ ”إسرائيل” وتبادلت معها السفراء قبل بكين. وفي الوقت الذي اعترف الكيان الصهيوني بجمهورية الصين الشعبية منذ عام 1950، فيما كانت الدول العربية تعترف بتايوان!!!
كانت الصين قد عبرت عن موقفها الصارم من القضية الفلسطينية خلال “منتدى أمن الشرق الأوسط” الذي عقد في مدينة بكين في 27 ديسمبر 2019، حيث أكدت أنها “لن تسمح ببيع الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني في أي صفقة مزعومة"
ماذا يريد العرب من الصين وماذا تريد الصين من العرب:
تسعى الصين في رؤيتها الاستراتيجية إلى الحفاظ على مستوى عالٍ من النمو ليمدها ذلك بالقوة في التأثير الدولي ومنافسة وربما التفوق على الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك يستدعي ضمان الحصول على الطاقة (النفط والغاز) إضافة إلى الأسواق المستهلكة لمنتجاتها الواسعة والمتنوعة، وهذان العاملان متوفران في المنطقة العربية والإسلامية فلديها النفط والغاز وفي نفس الوقت هي دول استهلاكية وذات مستوى عالً من الدخول، وقد ارتفعت معدلات التبادل التجاري بينهما في العقود الثلاثة السابقة عن مثيلاتها مع ألمانيا أو الهند أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية.
الدول العربية خاصة الخليجية تريد من الصين أن تساعدها على الانتقال من الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد المتنوع غير المعتمد على النفط الذي يتعرض للنضوب وربما انخفاض الأهمية بسبب التقدم التكنولوجي في مجال السيارات الكهربائية والطاقة الخضراء. وذلك يتطلب رأس المال والتكنولوجيا المتطورة وكلاهما متوفر لدى الصين وبمميزات مشجعة تتمثل في أن الصين لا تشترط على الدول العربية -وغيرها- الكثير من الشروط السياسية أو الايدلوجية وتطلب مقابل التعاون اتخاذ مواقف معينة كما هو حال الولايات المتحدة والغرب فتارة يشترطون الاعتراف بالكيان الصهيوني وتارة تغيير القوانين بما يتلاءم ويحقق أجندتها في المنطقة.
في بيان القمة أكد الحاضرون على مواقفهم الثابتة حول القضايا والمشاغل الجوهرية للصين وفي مقدمتها تايوان، حيث أكد العرب أن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأسرها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية.
ومعارضة “استقلال تايوان” بكل أشكاله، وعدم إقامة علاقات رسمية مع تايوان أو القيام بأي تواصل رسمي معها، ودعم موقفها من ملف هونج كونج.
الزيارات المتبادلة بين الصين والبلدان العربية ونتائجها خلال أقل من عقد
في 2014 زار الرئيس الصيني مصر وعقد 26 مذكرة تفاهم والعمل على رفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
في 2016 زيارة شي إلى السعودية تم عقد 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع السعودية تشمل الحزان الاقتصادي ورفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة تفعيل دور اللجنة الاقتصادية الصينية المشتركة.
في 2016 زيارة شي إلى مصر وتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع مذكرة تفاهم حول الحزام والطريق. والمشاركة في مشاريع قناة السويس والعاصمة الإدارية. والكهرباء والطاقة المتجددة والنقل وغيرها.
والأهم من ذلك التكامل بين مشروع الحزام والطريق ورؤية مصر 2030 والتزام مصري بمبدأ الصين الواحدة.
زيارة شي إلى المغرب 2016 وإعلان مشترك حول الشراكة الاستراتيجية وعقد 32 اتفاقية ومذكرة تفاهم.
الملك سلمان يزور الصين 2017 ضمن زيارة آسيوية شملت اندونيسيا وماليزيا واليابان عقد خلالها 21 اتفاقية ومذكرات تفاهم بقيمة وصلت إلى 65 مليار دولار.
زيارة الرئيس شي إلى الإمارات 2016 عقد خلالها 13 اتفاقية ومذكرات تفاهم ومذكرة تفاهم حول مبادرة الحزام والطريق.
في 2018 زيارة الرئيس المصري إلى الصين اتفاقية المشاركة في قناة السويس والعاصمة الإدارية.
2019 أمير قطر يزور الصين واتفاقية مشتركة حول مبادرة الحزام والطريق وتوقيع 7 اتفاقيات ومذكرات تفاهم.
2019 بن سلمان يزور الصين تم خلالها الاتفاق على تنمية العلاقات وتعزيز التعاون.
2019 بن زايد في رابع زيارة إلى الصين عقد خلالها 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم تشمل الطاقة والدفاع.
2019 رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي زار الصين وعقد خلالها 8 اتفاقيات.
دلالات توقيت القمة
الزيارة أتت بعد إعادة انتخاب الرئيس الصيني في دورته الثالثة والذي يريد أن يحمي الصين من استهداف الغرب الذي عبر عن نهج عدواني نحو الصين ففي لقاء بايدن وماكرون شددا على أن يتعامل الأمريكيون والأوربيون بمزيد من الضغط تجاه الصين.
إضافة إلى تغلغل صيني ناعم في أفريقيا بل وحتى في أمريكا اللاتينية ما حدا بواشنطن أن تقر مشروع قانون ينص على إنشاء وزارة الخارجية برنامج باسم شبكات أمريكا الوسطى للديمقراطية في رد على تنامي العلاقات بين الصين ودول أمريكا الوسطى (نيكاراغوا وهندوراس وكوستاريكا وغواتيمالا وبليز والسلفادور) يذكر أن بعض هذه الدول ألغت اعترافها بتايوان وعززت علاقاتها بالصين.
ويمكن الإشارة إلى الظروف التي عقدت فيها القمة كالتالي:
الدلالات السياسية و الاستراتيجية للقمة
من الناحية السياسية والاستراتيجية، تسعى الصين إلى:
موقف الولايات المتحدة من الزيارة:
لا شك أن واشنطن غير مرحبة للزيارة وإن أعلنت الناطقة باسم البيت ألأبيض أن واشنطن لات فرض على حلفائها طبيعة علاقاتهم الثنائية.
تأتي الزيارة في ظل حالة من عدم الانسجام بين النظام السعودي وإدارة بايدن على خلفية عدد من القضايا منها الملف اليمني وقضية خاشقجي وأسعار النفط والموقف من الحرب الروسية الأوكرانية.
وفيما يلي بعض المواقف الأمريكية عن الزيارة:
المخاوف الأمريكية تتعلق بعدة محظورات بين السعودية والصين وهي الاستغناء عن الدولار واعتماد اليوان الصيني في تجارة النفط والغاز والتعاون العسكري والأمني والتعاون في مجال الاتصالات وتعزيز العلاقة مع شركة هواوي التي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً لأمنها القومي.
أعضاء في الكونجرس وكتاب في مراكز الدراسات الأمريكية يرون أن الزيارة لا يجب أن تمر دون عقاب أمريكي فقد استعرض سايمون هندرسون المتخصص في الشؤون الخليجية في معهد واشنطن العلاقات السرية بين الرياض وبكين والصفقات غير المعلنة ونبه هندرسون إلى احتمال أعلى وهو تعاون نووي بينهما فبكين تساعد الرياض على بناء منشأة لمعالجة خام اليورانيوم المستخرج محلياً لاستخلاص كعكة اليورانيوم الصفراء. والذي قد يشكل خطوة مبكرة نحو صنع مركّب اليورانيوم اللازم في محطات التخصيب خاصة وأن بن سلمان كان قد حذّر في عام 2018 من أنه "إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها في أسرع وقت ممكن".
الاعلام السعودي تحدث عن رغبة سعودية في مؤامة مشروع الحزام و الطريق مع رؤية بن سلمان 2030.
وقد تضمن البيان المشترك بنداً تحدث عن احترام اختيار الدول لرؤاها التنموية بإرادتها المستقلة والتأكيد على أهمية التعاون المشترك لتحقيق التنمية المستدامة، والحد من الفقر والقضاء عليه. والتشارك في تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"، وبما تتيحه من فرص واعدة للتعاون والتنمية، والعمل على المواءمة بين هذه المبادرة والرؤى التنموية للدول العربية بما يحقق المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة.
في طريق الحرير ميناء جيزان بديلاً عن ميناء عدن
منذ احتلال مدينة عدن اليمنية من قبل قوات التحالف السعودي الإماراتي وميناء عدن يفقد بانتظام دوره ومكانته كهدف إماراتي لتعطيل الميناء الذي يشكل تهديداً وجودياً لميناء دبي.
في القمة لم يحضر الرئيس الإماراتي محمد بن زايد أو حتى حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم في مؤشر على توتر خفي بين البلدين، ظهر ذلك في تراشق إعلامي بينهما على خلفية الحضور.
تفيد التسريبات أن السعودية اتفقت مع الصين على اعتماد ميناء جيزان المطل على البحر الأحمر غربي المملكة السعودية بديلاً عن ميناء عدن الذي يتمتع بمميزات جعلته أهم الموانئ في طريق الحرير الصيني المعروف بمبادرة الطريق والحزام. وبذلك تكون اليمن الخاسرة من هذه الزيارة.
عملت الرياض على تهيئة وتطوير الميناء بمساعدة صينية ليكون قادراً على استقبال السفن العملاقة وتزويدها بالوقود والتموين.
ففي عام 2016، فازت شركة "تشاينا هاربور" بمناقصة مقاولة مشروع التصميم والتوريد والبناء لميناء جازان التجاري. وفي عام 2019، تم الانتهاء من بناء ميناء جازان التجاري. وبات بإمكانه استقبال السفن الضخمة التي تحتوي على أكثر من 15500 حاوية مكافئة، والتعامل مع سفن الشحن العامة وناقلات البضائع السائبة بأكثر التي تزيد حمولتها على 10 آلاف طن.
وفي فبراير 2021، شكلت شركة تشاينا هاربور وشركة "هوتشيسون هومبوا" اتحاداً للحصول على حق استثمار وتشغيل المرحلة الأولى من ميناء جازان التجاري لمدة 15 عاماً. تهدف الاتفاقية لتشغيل ميناء مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، الذي يمتاز بأهمية وقوعه على أهم ممرات النقل البحري على مستوى العالم وبالقرب من دول القرن الأفريقي والأسواق الناشئة، ليكون نقطة تقديم خدمات لوجستية حديثة ومتقدمة في المنطقة.
أتى قرار الصين بوضع مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية كإحدى أهم الركائز الرئيسة والمحطات الاستراتيجية ذات الثقل على طريق الحرير لتكون البوابة الصناعية التجارية الاستثمارية الكبرى الجديدة لتجارة الصين العالمية
وبنيت قوة الشراكة السعودية - الصينية على المواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية، مع وقوع مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية بمحاذاة مسار مبادرة الحزام والطريق البحري التي ستكون بوابة للأسواق العالمية.