منذ وجود الإنسان على هذه البسيطة وهو يكافح من أجل البقاء وتعمير الأرض التي استخلف فيها، مستعينا بذلك بكل ما حباه الخالق جل وعلا من موارد ومقومات. فلتأمين حاجته من الغذاء والكساء والمسكن والأمان ولتحسين وضعه المعيشي والاقتصادي عمل الإنسان على تطوير أساليب الإنتاج والتبادل، كما حسن من مستوى الأداء الإداري وتبنى السياسات الاقتصادية، واخترع النقود، وأحدث ثروة في عالم الاتصالات والمعلومات.
ولقد صاحب هذا التطور ظهور كثير من الآراء والأفكار الاقتصادية لكثير من الفلاسفة والكتاب، إضافة إلى ما أتت به المدارس الدينية من قواعد وأحكام وتشريعات اقتصادية إلا أن هذه الأفكار الاقتصادية كانت متناثرة في كثير من الكتب وتمثل جزءا من آراء وقوانين أخرى تتصل بالسلوك الإنساني وفلسفته في الحياة ولم يظهر فكر اقتصادي بشكل مستقل واضح المعالم إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي عند ظهور كتاب ثورة الأمم لآدم سميث.
نناقش في هذه الورقة الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية والاشتراكية والمختلط ثم النظام الاقتصادي الإسلامي وفق ما يراه الشهيد محمد باقر الصدر.
أولاً النظام الاقتصادي الرأسمالي:
أهم مميزات الرأسمالية :
تقوم النظرية الرأسمالية على:
جدير بالذكر، أنه عندما طبق النظام الرأسمالي في الواقع أسفر التطبيق عن بعض العيوب وذلك نتيجة لصعوبة توافر الشروط اللازمة للنظام الرأسمالي المثالي . بمعنى أنه لكي يتحقق نظام رأسمالي مثالي لابد من وجود المنافسة الكاملة التي تتمثل في وجود أعداد كبيرة جدًا من البائعين والمشترين، بحيث لا يكون لأحد منهم بمفرده القدرة على التأثير على السعر وظروف السوق، مع وجود حرية الانتقال الكاملة لعناصر الإنتاج وحرية الدخول والخروج في السوق والعلم الكامل بأحوال السوق. وقد كشفت التجربة الرأسمالية أن هذه الشروط قليلاً ما تتوافر، وأن تلك الصورة المثلية لم تتحقق في الواقع العملي إلا لفترة وجيزة من الزمن.
أهم عيوب الرأسمالية:
نمو ظاهرة الاحتكار:
ويقصد به انفراد مشروع من المشروعات بإنتاج سلعة أو خدمة معينة بحيث لا يستطيع مشروع آخر منافسته، ويترتب على ذلك أن إمكانية المحتكر من السيطرة على السوق من حيث تحديد الأسعار وتحديد حجم الإنتاج وحرمان السوق من السلعة لرفع أسعارها وتحقيق أرباحه الاحتكارية، وبذلك يتعطل جهاز الثمن ويفقد فاعليته في توزيع وتخصيص الموارد بشكل يحقق الكفاءة، وهكذا يؤدي الاحتكار إلى سوء استخدام للموارد الاقتصادية. ليؤدي إلى استغلال المستهلكين لصالح أصحاب رؤوس الأموال، مما حدا بكثير من الحكومات الرأسمالية أن تتدخل لمنع الاحتكار من خلال إصدار تشريعات وسن قوانين لمنع الاحتكار، والتقييد من سلطاته لصالح المستهلك.
سوء توزيع الدخل والثروة: يرتكز النظام الرأسمالي على مبدأ الملكية الخاصة لعناصر الانتاج، ونظراً لندرة عناصر الانتاج بالنسبة إلى عدد السكان في كل دولة، فإنه من الطبيعي أن تتركز عناصر الانتاج في أيدي فئة قليلة من المجتمع ويحرم منها الطبقة العاملة الكادحة من المجتمع، وهكذا يربح أصحاب رؤوس الأموال من عناصر انتاجهم مباشرة، أما العمال الذين لا يملكون عناصر الانتاج فإنهم يحصلون على دخلهم مقابل المجهود الذي يبذلونه، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى أن يزداد أصحاب رؤوس الأموال ثراءً نتيجة لارتفاع دخولهم، ومن ثَم يمكنهم ادخار جزء من هذا الدخل وإعادة استثماره مما يؤدي إلى زيادة ملكية عناصر الانتاج وتراكمها في أيدي عدد قليل من الأفراد، على الجانب الآخر تظل الطبقة العاملة في مستوى معيشي منخفض لأن العامل الذي يحصل على دخل منخفض لا يتمكن من الادخار
الحرية الوهمية:
فالحرية التي افترضها أنصار المذهب الرأسمالي ليست مطلقة، إذ لا يتمتع بها سوى فئة محدودة من الأفراد، فبالنظر على سبيل المثال إلى حرية العمل، نجد أنه لا يتمتع بها العامل البسيط الذي غالباً ما يعجز عن إيجاد العمل الذي يرغب فيه، وذلك بسبب زيادة المنافسة بين هذه الطبقة التي تكون غالبية الشعب، مما يضطرهم إلى قبول أجور منخفضة حتى لا يقعوا في مستنقع البطالة .أما حرية الاستهلاك فليست مطلقة أيضاً، وإنما يحد منها الدخل الذي يحصل عليه كل فرد في المجتمع، ويترتب على ذلك أن طبقة العمال التي تحصل على دخل منخفض؛ لا تحصل إلا على أساسيات الحياة. ولا يتوقف ذلك على النواحي الاقتصادية والاجتماعية فقط بل يتعدى إلى النواحي السياسية، حيث يسيطر الأغنياء على المقومات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يمتد نفوذهم إلى النواحي السياسية فيصل نفوذهم إلى إدارة شؤون الدولة والحصول على أعلى مراكز فيها وذلك من خلال السيطرة على الأحزاب وانتخابها، بما يملكون من أموال تنفق على الدعاية ووسائل الإعلام
ثانياً: النظام الاقتصادي الاشتراكي المركزي:
الاشتراكية إحدى النظريات الاجتماعية والسياسية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر حيث طبقت على أرض الواقع في ذلك الوقت، وهنا لابد من الإشارة أن "كارل ماركس" عالم الاقتصاد الألماني هو صاحب الريادة في هذه النظرية حيث إنه ألف الكثير من الكتب والمقالات التي تتحدث عن المبادئ الشيوعية، والاشتراكية.
والنظام الاشتراكي هو نظام اقتصادي، يقوم على حماية النشاط الاقتصادي للدولة و شركاتها ومؤسساتها، وضرورة الملكية العامة لوسائل الإنتاج أي توزيع الموارد على جميع أفراد المجتمع وعدم تركيزها في أيدي أفراد معينين
مميزات الاشتراكية :
تعتبر المبادئ الاشتراكية من المبادئ السامية التي تهدف إلى رفع شأن الفرد في المجتمع، وتحسين المستوي المعيشي للفرد لكي تقيه اللجوء للسؤال،
ومن ثم يمكن حصر مميزاتها فيما يلي:
• الملكية العامة:
نجد أن النظام والفكر الاشتراكي يهدف إلى منع تملك فئة محددة من الأفراد، وأن شعاره هو "أن الشعب بكل طبقاته هم من يملكون وسائل الإنتاج" ويمنع تركز الثروة في يد الفئة الغنية في المجتمع، لتجنب استغلالها، وإبعادها عن الطبقة العاملة، واستغلال حاجتها مقابل مردود مالي زهيد وغير كاف.
• التخطيط: هو أول شي يضعه النظام الاشتراكي أمام عينيه، حيث يضع الخطط ويقوم بتحديد الأهداف التي تهتم بوضع الأسس التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع، وزيادة رقيه عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي للمجتمع من خلال توفير السلع والخدمات لكافة الشعب داخل الدولة، بحيث تجبر كل المصانع والمنشآت على تحقيق ذلك خلال فترة زمينة محددة من أجل تحقيق التوافق بين احتياجات المواطنين وموارد الدولة بهدف الحد من البطالة والفقر.
• توفير ما يلزم لسد الاحتياجات الاجتماعية:
يوفر النظام الاشتراكي دراسة كاملة توضح جميع حاجات ومستلزمات الأفراد في المجتمع من سلع وخدمات إلى جانب دراسة كافة موارد الدولة، كما أنه يزود المجتمع بالأموال الكافية لتأسيس المشاريع الاستثمارية التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع، والتي تهدف لتوفير الاحتياجات اللازمة لسد حاجاتهم اليومية بقدر المستطاع.
عيوب الاشتراكية:
يوجد العديد من العيوب التي تؤخذ على النظام الاشتراكي والتي تهدد استمراره، وقد أثبتت هذه العيوب فشل هذا النظام حيث أدت إلى تقلصه وانهياره ومن أهمها هذه العيوب:
• البيروقراطية والقوانين الصارمة والتي تحد من التفكير في أي استثمارات داخل الدولة.
• ضعف المحفزات الفردية التي بدورها تقضي على الإبداع والإخلاص.
• ضعف التطور الاقتصادي مما يؤثر على عمليات الطلب والعرض، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الربح وحدوث العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية
ثالثاً: النظام الاقتصادي المختلط:( الذي يجمع بين النظامين السابقين)
خصائص النظام الاقتصادي المختلط
- 1 وجود القطاع العام جنباً الى جنب مع القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
- 2 وجود التخطيط أو التوجيه الحكومي مع آلية السوق في آن واحد.
- 3 تقوم الدولة بمراقبة نشاطات القطاع الخاص.
- 4 حماية سياده المستهلك.
- 5 تامين الدولة لمصالح العمل والعمال ضد البطالة.
- 6 الحد من سيطرة الاحتكارات.
مميزات النظام الاقتصادي المختلط:
إيجاد التوافق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة من خلال تقسيم الأدوار بين الجهات الحكومية والخاصة، وكلا يقوم بنشاطه الاقتصادي في حدود الاستطاعة، مع مراعاة للأهداف التي يسعون إلى تحقيقها .
الرقابة على القطاع الخاص: وجود الرقابة الحكومية على المؤسسات والشركات الخاصة، وهذا يؤذي إلى ضمان الجودة وتحقيق المصلحة المشتركة بين القطاع الخاص والعام، إضافة إلى ذلك ضبط للأنشطة الاقتصادية.
حماية طبقة العمال: يتميز هذا النظام بحماية فئة العمال من الاستغلال بكافة أنواعه وأشكاله، ويعمل على حفظ حقوقهم، وضمان مستقبلهم المالي بعد التقاعد من خلال التأمين والضمان الاجتماعي.
حماية المنتجين: يتميز النظام الاقتصادي المختلط بحماية جميع المنتجين ورعاية تناسب الأسعار ونظام السوق والأمن العام وغيره.
توفير الحرية الكاملة للمستهلكين: من خلال توفير المنتجات المناسبة له، إضافة إلى ذلك تقديم المعونات لهم.
عيوب النظام الاقتصادي المختلط
صعوبة في إيجاد التناسب والتناغم بين النشاطات الاقتصادية الخاصة من خلال مشاريعها، والنشاطات الحكومية من خلال المشروعات العامة لضمان عدم السيطرة على الآخر وإعاقة عمله، مما يؤدي إلى خلافات وصراعات داخلية بين الجهات الحكومية والخاصة.
صعوبة الوصول إلى الإجراءات والأساليب:
عدم القدرة على الوصول إلى الأساليب والإجراءات لتحقيق التعاون والتنسيق وإلغاء كافة التعارضات بين الجهات الخاصة والحكومية للعمل وصعوبة التوصل إلى تحقيق العدالة بالمدخولات في ظل الاقتصاد التي تعمل فيه الجهات الخاصة لتحقيق أعلى مدخول لأصحاب هذا المشروعات مع أقل التكاليف ويكون المستهلك دائماً هو الضحية .
صعوبة تحديد اتجاهات تطور الاقتصاد :
يعيب النظام الاقتصادي المختلط عدم وجود دور مهم للمشروعات الخاصة التي لا يكون التطور هدفها الأساسي في العمل، ووجود الدور المهم للحكومة الذي يعتبر من أبجديتها في العمل، فهذا التباين في الأهداف له دور مهم في عدم تحديد الاتجاهات والتطورات الاقتصادية.
رابعاً: الاقتصاد الإسلامي كما يراه الشهيد الصدر
للمذهب الاقتصادي في الإسلام صفتان أساسيتان، وهما الواقعية والأخلاقية، فهو واقعي وأخلاقي في آن، في الغاية التي يرمي إلى تحقيقها، وفي الطريقة التي يتخذها لذلك. فهو واقعي لأنه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة. وهو أخلاقي لأنه لا يستمد قوانينه وقواعده من ظروف مادية وشروط طبيعية مستقلة عن الإنسان نفسه، إنما ينظر إلى تلك الغايات بأنها معبرة عن قيم عملية ضرورية التحقيق من ناحية خُلقية، كما يهتم بالجوانب النفسية في تحقيقها.
يتألف هيكل الاقتصاد الإسلامي من أركان رئيسية ثلاثة يتحدد وفقها محتواه المذهبي، ويتميز بذلك عن سائر المذاهب الاقتصادية (الرأسمالي والاشتراكي). وهذه الأركان هي كما يلي:
1 ـ الملكية المزدوجة.
2 ـ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود.
3 ـ العدالة الاجتماعية.
الملكية المزدوجة:
يقرر الأشكال المذهب الإسلامي المختلفة للملكية في وقت واحد، بدلاً من مبدأ الشكل الواحد للملكية (الملكية الخاصة أو الملكية الجماعية)، فهو يؤمن بالملكية الخاصة والملكية الجماعية وملكية الدولة، ويحدد لهذه الأشكال الثلاثة من الملكية حقلاً يعم فيه، ولا يعتبر أي نوع منها شذوذا أو استثناء فرضه ظرف معين.
تنوع أشكال الملكية في المذهب الإسلامي لا يعني أنه مزج بين المذهبين، وإنما يعبر عن تصميم مذهبي أصيل قائم على أسس وقواعد فكرية معينة.
الحرية الاقتصادية في نطاق محدود:
يعني السماح للأفراد على الصعيد الاقتصادي بحرية محدودة، بحدود من القيم المعنوية والخلقية التي يؤمن بها الإسلام.
العدالة الاجتماعية:
الركن الثالث في الاقتصاد الإسلامي هو العدالة الاجتماعية، التي جسدها الإسلام فيما زود به نظام توزيع الثروة في المجتمع الإسلامي من عناصر وضمانات تكفل للتوزيع قدرته على تحقيق العدالة الإسلامية، وانسجامه مع القيم التي يرتكز عليها.
المشكلة الاقتصادية لدى المذاهب الاقتصادية:
لدى الرأسمالية:
الموارد الطبيعية للثروة لا تستطيع أن تواكب المدنية وتضمن إشباع جميع ما يستجد خلال التطور المدني من حاجات ورغبات.
لدى الماركسية:
التناقض بين شكل الإنتاج وعلاقات التوزيع.
المذهب الإسلامي لا يرى أن المُشكلة في ندرة الموارد، ولا في التناقض بين شكل الإنتاج والتوزيع، بل في الإنسان نفسه، وهو تأويل الصدر لآية: «ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ السموات وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السماء ماء فَأَخْرَجَ به مِنَ ٱلثَّمَرَتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْأَنْهَرَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ، وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ». إذن المُشكلة في ظلم الإنسان في حياته العملية وكفرانه النعمة الإلهية.
ملخص القواعد الرئيسية للمذهب الاقتصادي الإسلامي:
ـ كل مصادر الثروة الطبيعية تدخل في القطاع العام، ويكتسب الأفراد الحقوق الخاصة بالانتفاع على أساس وحيد وهو العمل الذي يتمثل في الإحياء ويُراد به العمل المباشر.
ـ كل الثروات المنقولة في الطبيعة تُملك على أساس العمل لحيازتها، ويُراد بذلك العمل المباشر ولا تُملك لسبب آخر إلا عن طريق الانتقال من العامل بإرث أو معاوضة أو غير ذلك من نواقل التمليك.
ـ الإنتاج لخدمة الإنسان وليس لخدمة الإنتاج.
ـ يقوم توزيع الثروة المنتجة في الإنتاج الأولي على أساسين: أحدهما: العمل، والآخر: الحاجة، وتستأصل كل أشكال الإنتاج الرأسمالي.
ـ الثروة التي تدخل في عملية الإنتاج الثانوي تظل ملكاً للعامل الذي ملكها بالإنتاج الأولي ما لم يحصل بينه وبين فرد آخر اتفاق يعدل ذلك.
ـ تحدد أجور أدوات الإنتاج وأجور العمل من قبل الدولة مع الاتجاه إلى إلغاء عامل الندرة المصطنعة التي يخلقها الاحتكار.
ـ يمنع ادخار النقد واكتنازه.
ـ يتجه العمل لمنع أي كسب تولده الأثمان الاحتكارية النقدية بما في ذلك الفوائد الربوية.
ـ تتجه السياسة الاقتصادية في الدولة الإسلامية إلى تضييق الهوة بين المُنتج والمُستهلك واستئصال دور عملية المبادلة نفسها كأساس للكسب بصورة منفصلة عن الإنتاج والعمل.
ـ إن مستوى معيشة الفرد يجب ألا يتجاوز بصورة حادة مستوى الرخاء العام للجميع، وللدولة تقدير ذلك وبما يكفل عدم الإسراف.
ـ على الدولة أن تطبق العناصر الثابتة في الاقتصاد الإسلامي وتحدد العناصر المتحركة وفقاً للمؤشرات الإسلامية العامة.
ـ على الدولة من خلال ممارستها لتطبيق العناصر الثابتة والمتحركة أن تحقق:
1 ـ ضمانا اجتماعياً يكفل حداً أدنى من الرفاه لجميع أفراد المجتمع.
2 ـ توازناً اجتماعيا في المعيشة بالتقريب بين مستويات المعيشة وفي الدخل بمنع الاحتكار وتركز الأموال.
3 ـ استثمار بأعلى درجة ممكنة للقطاع العام مع وضع سياسة عامة للتنمية الاقتصادية.
4 ـ عملا مستمراً في سبيل تقريب أثمان السلع وأشكال العمل نحو قيمها التبادلية الحقيقية، وذلك بمقاومة الاحتكار لكل ميادين الحياة الاقتصادية.
علاقات الملكية في المذهب الاقتصادي الإسلامي
ينطلق الإسلام من مبدأي الانتفاع والاستثمار في ثروات الطبيعة ويحرم مظهري القوة والاستئثار والاحتكار للمجموعات والأفراد.
فالنظرية الإسلامية تفرق بين نوعين من الأعمال: أحدهما الانتفاع والاستثمار والآخر الاحتكار والاستئثار. ومصدر الحقوق الخاصة في النظرية الإسلامية هو العمل الذي يعود إلى النوع الأول كالاحتطاب واستخراج الأحجار وإحياء الأرض الميتة، لأنه ذو طبيعة اقتصادية. أما النوع الثاني من العمل فلا قيمة له، لأنه مظهر من مظاهر القوة وليس نشاطاً اقتصادياً من نشاطات الانتفاع والاستثمار للطبيعة وثرواتها، والقوة لا تكون مصدراً للملكية الخاصة ولا مبرراً لها.
فالحيازة مثلاً وإن كانت من الناحية الشكلية نوعاً واحدا من العمل، لكنها تختلف وفق النظرية الإسلامية باختلاف نوع الثروة التي يسيطر عليها الفرد، لأن حيازة الخشب بالاحتطاب والحجر بنقله من الصحراء -مثلاً- عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار. وأما حيازة الأرض (عن طريق تسويرها) والاستيلاء على منجم أو عين ماء فليس من تلك الأعمال (الاقتصادية) بل هو مظهر من مظاهر القوة والتحكم بالآخرين.
مذهب التملك بين الرأسمالي والإسلامي
يسمح المذهب الرأسمالي لكل فرد بتملك المصادر الطبيعية -على أساس مبدأ الحرية الاقتصادية-، فكل ثروة يسيطر عليها فرد يمكنه أن يعتبرها ملكاً له، ما لم تكن مملوكة للآخرين، فالمجال المسموح به من الملكية الخاصة لكل فرد لا يحددها إلا صيانة ملك الآخرين، وهكذا يستمد الفرد مبرر التملك من كونه حراً وغير مزاحم للآخرين في ملكياتهم.
أما النظرية الإسلامية فلا تعترف بحرية التملك بمفهومها الرأسمالي، وإنما تعتبر حق الفرد في المصدر الطبيعي الخام مرتبطاً بتملكه لهذا المصدر، نتيجة عمله، أو انتفاعه المباشر المستمر بذلك المصدر، ولهذا يزول هذا الحق إذا فقد كلا هذين الأساسين (العمل والانتفاع).([1])
فالحقوق الخاصة في الطبيعة تعتبر رأسمالياً مظهراً من مظاهر حرية الإنسان، بينما هي في الإسلام مظهراً من مظاهر نشاط الإنسان، وممارسته لأعمال الانتفاع والاستثمار.
ملكية الأرض
الأرض وما تختزن من ثروات معدنية ومواد استخراجية تساهم بالإنتاج، وثروة مائية، وثروة حيوانية ونباتية على سطح الأرض وتحت المياه البحرية والنهرية؛ فالمبدأ العام لتملك الحق في كل هذه الثروات هو العمل الانتفاعي الاقتصادي، فلا يُسمح لأي فرد بأعمال الاستئثار والقوة على ثروات الطبيعة، بل يسمح فقط بأعمال الاستثمار والانتفاع ذات النتائج الاقتصادية لتلبية الحاجات بشكل مباشر.
الأرض تظل تحت سيطرة الحكومة تقوم بتوزيعها العادل على أساس العمل المبذول عليها أو إحيائها، فمن يزرع أرضاً هو يملك الحق فيها، ومن يحيي أرضاً مواتاً أو يعمّرها هو أولى بها ويمنع من يزاحمه أو من يحاول الاستيلاء أو غصبه حقه فيها.
الإسلام يبيح عمليات بيع وشراء الحقوق في الأرض وتأجيرها كمبدأ عام بحرية التعاقد والتعامل التجاري. فعلى مبدأ العمل المباشر يبنى أساس ملكية حق الأولوية في استثمار أو إعمار الأرض. وكل ما يخرج عن نطاق العمل الاستثماري الاقتصادي في الأرض يمنعه الإسلام عن الأفراد أو الجماعات، فقد حرم الإسلام الحمى وهو مجرد السيطرة ووضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضي بالقوة لفرض السيطرة والسطوة ثم استعباد أو استخدام الأجراء فيها.
الاستخراج والصناعة
يتوجب على الدولة استثمار المعادن واستحداث مناجم تملكها هي وتعود مواردها للخزينة العامة بما يفيد الإنفاق العام الإنتاجي والضمان الاجتماعي. أما في حالة إتاحتها لمتعهدين فإن المعادن تُكتَسب عن طريق العمل المباشر في استخراجها، ويستطيع بعدها هذا العامل المتعهد أن يعالجها بالتصنيع أو يبيعها لمن شاء.
في حال استخدم هذا العامل أدوات أو آلات من غيره ينبغي عليه أن يدفع أجر هذه الآلات والأدوات لمالكها. فمالك الأدوات يحصل على أجر مدفوع من العامل ولا يحصل على ملكية مباشرة أو حصة في المعدن المستخرج أو الذي تم تجميعه.
وهذه النقطة من أبرز نقاط التميز عن علاقات الملكية في ظل الرأسمالية التي تجعل من صاحب الأدوات صاحب الثروة التي تنتج فيما يعطى العامل فيها الأجرة.
يحق للدولة أن تنظم العقود وتراقب عملية استخراج وتداول هذه المواد بما يضمن الحق للجميع. ويمنع الإسلام احتكار منابع المعادن أو فرض السيطرة على غير الحفرة التي حفرها المتعهد للاستخراج، والدولة تملك حق تنظيم هذا القطاع الاقتصادي بطريقة تمنع الاحتكار في الإنتاج أو التحجير. وما ينطبق على المعادن ينطبق على المياه، فإن للدولة تنظيم هذا القطاع بما يؤمن تلبية الحاجات في المدن بشكل عادل.
للإنسان الحق في الانتفاع بالمياه وتخزينها حسب حاجته اليومية أو الموسمية أو السنوية، وله الحق أن يحفر بئراً يكون له الأولوية في الانتفاع به. إنما في المياه هناك فارق عن الأرض والمعادن، فإذا قام مالك البئر أو العين بأخذ حاجته من المياه، فلا ينبغي له أن يمنع غيره من الحصول على حاجته.
تختلف طبيعة العمل الاستثماري للثروات الحيوانية والنباتية في البر والبحر عما سبق، فهنا تأتي الحيازة الاقتصادية أو وضع اليد بهدف الانتفاع عليها، فيمكن لأي إنسان أن يكسب حاجته منها، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يحتكر الإنسان لنفسه أي ثروة من هذه الثروات، لأنها مشتركة لكل الناس، وكلّ يأخذ حاجته منها.
عملية الإنتاج
فيما يتعلق بالمردود المالي لمن ساهم مباشرة في العملية الإنتاجية، يمكن تقسيم المساهمين في عملية الإنتاج إلى أربعة أصناف:
1 ـ العمال الذين استخرجوا المواد الأولية بالعمل المباشر.
2 ـ العمال الذين ساهموا بعملهم في معالجة المواد لاحقاً بعد الاستخراج.
3 ـ الآلات التي ساهمت في التصنيع والمعالجة.
4 ـ الأموال التي تمت استدانتها للسير في العمل.
استدانة رأس المال
الإسلام لا يعترف بالفائدة على الدين (الربا)، لأن المال يعود لصاحبه كما هو ولا يستهلكه العامل، وهكذا لا يحصل رأس المال على فائدة لقاء الدين، إنما يجد الرهن الذي يضمن للدائن استرجاع حقوقه.
في السوق الثانوية، التي يأتي فيها شراء وبيع أسهم أو حصص، وغيرها من العمليات المالية والتجارية، من شراء وبيع الحقوق، فإن الإسلام يحظر بعض الممارسات، وأهمها الاحتكار والربا وتعطيل الثروات عن الإنتاج. وكذلك يمنع الإسلام التلاعب بالأسعار. فمثلاً الإسلام يحرم على شخص ما استئجار أرض أو دار ثم تأجيرها بثمن أعلى بدون أن يكون قد أدخل تحسيناً عليها، لأن هذا يكون ربحاً بدون عمل، وهذا محرم في الإسلام.
الربا ربحه محرم بدون عمل وبدون جدوى اقتصادية
يحرم الإسلام إطالة المسافة بين المنتج والمستهلك مما يزيد سعر السلعة بسبب السمسرة غير الضرورية؛ فهذا يعتبر ربحاً غير مشروع.
يمنع الممارسات التي تضر بالسوق وبالمستهلك وترفع الأسعار بالمضاربات غير المشروعة، مثلاً بحبس السلعة عن الأسواق ليرتفع ثمنها، أو بإغراق السوق لإخراج المنافسين منه.
مسؤوليات الدولة
ـ الدولة مسؤولة عن طباعة النقد بما هو وكالة تمثيلية عن كمية الناتج القومي.
ـ إحصاء الناتج الوطني ودراسة الأوضاع الاقتصادية ومعالجة الأزمات.
ـ دراسة علاقاتها التجارية مع البلدان الأخرى بما يضمن التقدم التجاري واستمرارية التنمية.
ـ مراقبة الأسواق، واستحداث قطاعات جديدة للإنتاج.
[1] كما أنه يفرض على مالك الركاز نسبة 20% للدولة تقسم على أصناف محددة.