بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس الرئاسي .. إعادة تدوير للماضي بأياد سعودية !!
ينضوي جوهر الأزمات اليمنية منذ عقود على أنماط متكررة تفرض نفسها كمسلمات لواقع محلي ذي طبائع وتعقيدات خاصة، وما يترتب على ذلك من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تظهر وكأنها حتميات لا يمكن التمرد عليها، حتى يظن المواطن اليمني بأن ما يتوجب عليه دائماً هو الرضا بنصف دولة ونصف سيادة ونصف ثورة وثروة ونصف الأراضي والبحار والجزر وبطبيعة الحال نصف السلاح "والنصف كثير"، ويأتي على رأس تلك الأنماط "السياسة الخارجية السعودية تجاه اليمن" والتي منذ تأسيسها سعت على إضعاف جارتها، وكأن ذلك الركن السادس.
وبعيداً عن عيون النفط المتفجرة وعائداتها كأبرز أداة بيد مملكة الرمال تفرض به واقعنا المحلي المثقل بالأزمات والتعقيدات، كان نمط "إعادة إنتاج الأنظمة" في اليمن سلاحاً فتاكاً ويد طولى تضرب بها كل صوت ينادي باستقلال القرار وفرض السيادة على كامل التراب اليمني وينادي بحقوق أبناء اليمن في العيش الكريم، وهو الأمر الذي كُرّس بحرب ضروس مستمرة منذ ما يقارب الثمانية أعوام وتسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب تقرير سابق للأمم المتحدة .
وكالمبادرة الخليجية عام 2011م وما ترتب عليها من نقل للسلطة من يد الرئيس الأسبق /علي عبدالله صالح إلى يد رجاله وشركائه في النظام وعلى رأسهم / عبدربه منصور هادي وتمكين أذرع النظام ذاته من الجيش ومؤسسات الدولة ممثلاً بالجنرال/ علي محسن الأحمر وحزب التجمع اليمني للإصلاح، أعادت المملكة إنتاج نظام هادي بنفس الطريقة السابقة بإجباره قسراً على تسليم السلطة لأحد معاونيه في إبريل الماضي، مع وضع لمسات خفيفة تواكب المرحلة ومتغيراتها فكان الإعلان عن تشكيل " مجلس رئاسي " يرأسه رشاد العليمي وتعيين ثمانية نواب له، وكان أحدهم عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي، الذي يغني خارج سرب اليمن ولا يعترف بها أساساً، ولكن - كالعادة - تتدخل مشيئة أموال النفط السعودي لحل أعقد الأمور .أهداف ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي
عقب تشكيل ما يعرف بمجلس القيادة الرئاسي ظهر رئيسه رشاد العليمي ليتحدث في خطاب له عن أن المجلس سيسعى لتحقيق التعافي الاقتصادي وتولي مهمة التفاوض مع صنعاء لوقف الحرب وتحقيق السلام الشامل في الوطن المثقل بالجراح، وهو ما أعلنه التليفزيون السعودي حينها، حيث رحبت المملكة بتنازل هادي عن السلطة - بدت السعودية متفاجئة كغيرها - وحثت المجلس الرئاسي على البدء في التفاوض مع "الحوثيين" تحت إشراف الأمم المتحدة.
هل " نوايا السلام " صادقة ؟!
دائماً ما تسعى المملكة السعودية لإضفاء " الصبغة الخليجية " أو حتى العربية لأي تدخل في اليمن، إذ أن توقيت الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي تزامن مع انتهاء جلسات ما عرف بـ" المشاورات اليمنية - اليمنية" والتي أقيمت في الرياض بدعوة سابقة من مجلس التعاون الخليجي، وإظهار ما حدث على أنها مخرجات مشاورات يمنية برعاية خليجية، كما حدث مع " المبادرة الخليجية " في السابق، وكما هو إعلان العدوان على اليمن عبر ما عرف بـ"التحالف العربي" الذي يسعى لـ " إعادة الشرعية" ، فالمملكة تدرس أهدافها بدقة وتعلم علم اليقين أن الغرض من تلك المبادرات المزعومة ونتائجها هو إدخال البلد في دائرة مفرغة من التعقيدات والحروب والأزمات، لكنها كالمجرم الذي يحتاط لجريمته، تفرق الدم اليمني بين القبائل فتظهر وكأنها صاحبة الحل وليس أساس المشكلة .
وإجمالاً، فإن السعودية تهدف من خلال تشكيل المجلس الرئاسي إلى :
- إطالة أمد الحرب في اليمن
- الهروب من مستنقع الحرب، والدفع بالعليمي ومجلسه للعودة إلى عدن خصوصاً بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت منشآت نفطية سعودية أواخر مارس الماضي، ما تسبب بخسائر فادحة للمملكة وكشف عن تطور نوعي للصواريخ والمسيرات لدى قوات صنعاء الوطنية، ما يجعل من مسألة المواجهة المباشرة في المستقبل القريب خطراً يهدد الإمدادات النفطية السعودية وهو ما سينعكس على الاقتصاد السعودي .
- يترتب على إنشاء " المجلس الرئاسي" وإعادته إلى عدن جعله في مواجهة مباشرة مع صنعاء - في حال فشل الهدنة الأممية - بغرض إضفاء صفة "الحرب الأهلية" للعدوان السعودي على اليمن، وفي حال وجود مفاوضات حقيقية بعد ذلك، فإن السعودية ستحاول التنصل عن التعويضات والخسائر والكوارث التي تسببت بها حربها على اليمن منذ العام 2015م .
ولكن .. ما مصير المجلس الرئاسي ؟!
يبدو أن تلك التوليفة "المصنوعة سعودياً" أو محاولة الجمع بين النقائض محكومة بالفشل منذ أيامها الأولى، إذ يشهد «مجلس القيادة الرئاسي» تصدّعات داخلية عزّزتها تصريحات المجلس الانتقالي الممثل في الرئاسي بالنائب "عيدروس الزبيدي "، فقد أكد في بيان أصدره قبل أسابيع في عدن، على تمسكه بما أسماه بـ “الثوابت الجنوبية”، كما طالب بتعيين محافظي ومدراء أمن لعدد من المحافظات الجنوبية، وإخراج القوات العسكرية، وتؤكد زيارات العليمي الأخيرة إلى دول خليجية وعربية برفقة بعض نوابه وغياب آخرين احتدام الخلافات، بالإضافة إلى فشل العليمي في تحقيق رغبات أعضاء المجلس الذين لا يزالون جميعهم «نواباً للرئيس»، فيما يتّخذ بعضهم قرارات منفردة لا تخضع للنقاش داخل «الرئاسي».
كل ذلك وغيره يشير إلى أن اشتعال فتيل أزمة سياسية قد تقود إلى مواجهة عسكرية بين أركان ذلك المجلس وخصوصاً "التيار المدعوم إماراتياً " على اعتبار امتلاكهم للقوة العسكرية وتضارب الأهداف والغايات، قد يكون أسرع من المتوقع، أضف إلى ذلك تنصل طرفي التحالف "السعودية والإمارات" عن وعودهما بالدعم الاقتصادي، الأمر الذي يهدد "رئاسي العليمي" بالفشل المبكر ويدخل المناطق اليمنية المحتلة في دوامة من الحروب والنزاعات ستنعكس بطبيعة الحال على المواطن الذي وصل إلى حد لا يطاق من المعاناة وسوء الظروف المعيشية .
لطالما تغنى البعض بالسياسات الداخلية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزعم أنها ساهمت في انكماش الفكر الوهابي والدفع بالبلد نحو " الليبرالية"، ولكن السعودية لاتزال تسير على نفس منوال عقلية الصحراء التي تقوم على المؤامرات والدسائس وإخضاع الآخر والتربص والريبة، فكما لبس " قشرة الحضارة " بسياساته الداخلية بمزاعم الحرية والاعتدال الديني عبر حفلات الرقص والمجون بذات عقلية الأعرابي الذي لا يعي معنى الثقافة الحقيقية ولا يعطي للعلم والفكر وزنه، فإنه لايزال يحاول إخضاع اليمن بالأزمات والمكائد بعد فشل حربه المدعومة من القوى الكبرى على اليمن منذ ثمان سنوات، ما يؤكد بأنه يتبع ديدن جده المؤسس وأعمامه من الملوك والأمراء تجاه الإنسان اليمني الذي، وعلى العكس، ساهم مساهمة بارزة في بناء المملكة وتأسيسها عبر كبار تجاره وعماله و مغتربيه.
إن المجلس الرئاسي " المجمع سعودياً" ما هو إلا محاولة لتأزيم الواقع المتأزم فعلاً والهرب من أي التزام أخلاقي يكفل وضع حد للحرب ويعيد الحقوق إلى أصحابها ويصنع علاقات مع اليمن تقوم على الاعتماد المتبادل لا التبعية والاحترام لا الإخضاع، ما يجعلنا نؤكد بأن الحل لن يكون إلا يمنياً خالصاً بعيداً عن أساس المشكلة، وقد يكون بالسلاح أو التفاوض، والأيام القادمة كفيلة بكشف المستور !!