خلفية:
حققت الهدنة التي أعلنت بتاريخ 2 أبريل/نيسان 2022م أي غرة شهر رمضان 1443هـ، لمدة شهرين، ايقافاً للتصعيد العسكري (البريطاني-الأمريكي) ضد قوات الجيش واللجان الشعبية والتي تبينت ملامحه في الزحف الواسع لألوية العمالقة في شبوة ومأرب (حريب) والجوبة والزحف الواسع لأولية ما سمي (باليمن السعيد) في حرض وغيرها من المناطق، كل ذلك من أجل كسر الجيش واللجان الشعبية ومنعه من التقدم نحو تحرير مدينة مأرب، وكذلك محاولة السيطرة على محافظات هامة كالبيضاء ومأرب والضالع وحجة في ظل معركة وجودية ضد العدوان ومرتزقته سواء السعودي والإماراتي أو مرتزقته المحليين.
وقد نصت بنود الهدنة على وقف العمليات العسكرية والهجمات عبر الحدود، إضافة إلى تخفيف القيود المفروضة من تحالف العدوان بحيث يُعاد فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية- المحدودة- والسماح بدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة.
إلا أن السؤال المركزي هنا، هل هذه الهدنة المعلنة من صنعاء والموافق عليها أمريكياً من الممكن صمودها في ظل تشظي الميدان العسكري لقوى الارتزاق وخاصة أمام حزب الإصلاح الخاسر الأكبر من هذه الهدنة بعد أن كان مسيطراً على القرار السياسي اليمني لدى مرتزقة العدوان عبر ما سمي بنائب الرئيس علي محسن ومدير مكتب الرئاسة عبدالله العليمي فيما هناك أنباء عن انتشار تنظيم القاعدة في بعض المناطق المحتلة في جنوب اليمن (حضرموت، وشبوة) وتهريب بعض السجناء من سجن في حضرموت المسيطر عليه من قبل حزب الإصلاح.
الأسباب التي أدت نحو الهدنة:
1 – القصف العنيف التي تلقته السعودية من قبل الجيش واللجان الشعبية والذي استهدف شركة أرامكوا ومحطات التحلية للمياه في السعودية خلال شهر مارس/ آذار الماضي حيث شهدت تلقت المملكة قصفاً بالصواريخ والطيران المسير، استهدفت فيه الصواريخ والطائرات المسيّرة البنية التحتية للنفط والغاز في السعودية، فردت دول العدوان بغارات جوية على المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس السياسي الأعلى في شمال اليمن وخاصة العاصمة اليمنية صنعاء طالت المدنيين في منازلهم.
2 – قصف الإمارات في عملية إعصار اليمن بمراحله الثلاث حيث استهدفت الصواريخ والمسيرات اليمنية قاعدة الظفرة الجوية وأهداف حيوية في دبي وأبو ظبي، ومنشأة المصفح النفطية وعدد من المطارات.
3 – فشل التصعيد العسكري من التقدم أو السيطرة على مساحات إضافية بعد معارك شبوة أو حرض أو غيرها بل أن الجيش واللجان الشعبية قام بتحرير المزيد من الأراضي الخاضعة لسيطرة المرتزقة.
4 – انشغال أمريكا بالملف الأوكراني ومحاولة الضغط على روسيا وتجنيد كل العالم ضدها ومحاولة عدم الانشغال بملفات أخرى كالملف اليمني التي تعتبره أمريكا هامشياً مقارنة بالملف الأوكراني.
5 – محاولة الوصول إلى تسوية مع ايران في مفاوضات العاصمة النمساوية فيينا لنفس السبب السابق فهو يعتبر ملف هامشي مقارنة بهزيمة روسيا وإدخالها في الوحل الأوكراني.
6 – صعوبة استمرار السعودية في العدوان على اليمن فهي الخاسر الأكبر بعد مرور سبع سنوات إلى جانب الامارات وخاصة بعد تلقيها المزيد من الضربات والخسائر الاقتصادية والسياسية التي منيت بها طوال هذه السنوات.
7 – الوضع الاقتصادي الصعب للشعب اليمني بسبب الحصار الظالم من قبل تحالف العدوان مما أدى إلى ارتفاع الأسعار سواء للبنزين أو المواد الغذائية أو غيرها.
يضاف إلى كل ما سبق فشل أنظمة الدفاع الجوية من اعتراض صواريخ وطائرات اليمن والتي تطال السعودية وأحياناً بإعلان مسبق.
أطراف الهدنة:
1 – أطراف دولية: تريد تبريد الجبهات لانشغالها بالملف الاوكراني وهم بريطانيا وأمريكا ومحاولة هزيمة روسيا في الملف الأوكراني والغوص في مستنقعها كحد أدنى حتى نهاية العام الحالي وفق المعطيات والمؤشرات.
2 – أطراف إقليمية: تريد الخلاص من العدوان على اليمن وهي السعودية والإمارات ولكن ليس بأي ثمن بل وفق أجندتها وتحت شروطها وهي بناء قواتها المتصارعة فيما بينها وبقاء قواتها الرسمية في اليمن وإخضاع القرار اليمني للخارج السعودي والإماراتي.
3 – أطراف محلية: أطراف لا تريد الهدنة كحزب الإصلاح وزعماء الحرب المحليين الذي رأوا قيمتهم تتحقق في ظل العدوان وهم أنفسهم من وضعتهم السعودية فيما سمي بالمجلس القيادة الرئاسي: عيدروس الزبيدي (رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي)، طارق صالح (حالة انشقاق ميليشاوية عن حزب المؤتمر الشعبي العام)، عبدالرحمن أبو زرعة (ألوية العمالقة)، حزب الإصلاح (سلطان العرادة، عبدالله العليمي).
4 – الطرف الوطني: وهو طرف صنعاء الطرف المعتدى عليه ويريد إيقاف العدوان من أجل حقن دماء الشعب اليمني، ولكن أيضاً ليس بأي ثمن وإنما يريد الحرية والكرامة الوطنية والاستقلال الناجز.
مآلات الهدنة:
1 – السيناريو الأول (المرجح): وهو محاولة تبريد الجبهات حتى ترى الدول الراعية للعدوان وهي أمريكا وبريطانيا مدى إمكانية استئنافها بعد التحقق من الملف الأوكراني وقوة روسيا في هذا الملف والسيطرة عليه عسكرياً ومحاولة إدامة الصراع هناك إلى فترة زمنية طويلة، وهذا السيناريو يخدم أيضاً السعودية والإمارات بحكم أنهم لا يريدون إنهاء العدوان بأي ثمن بل وفق شروطهم المرفوضة من قبل صنعاء ودليل ذلك عدم التزام دول العدوان ببنود الهدنة فلا يسمح بدخول السفن بشكل طبيعي إلى ميناء الحديدة ولم يفتح مطار صنعاء الدولي للرحلات الدولية وأيضاً محاولة تحشيد القوات والسيطرة على المرتزقة المختلفين فيما بينهم فهي بحاجة لوقت من أجل محاولة توحيدهم وفق هدف واحد وهو التصعيد العسكري ضد صنعاء، واستعدادهم للتصعيد بعد الإعداد السياسي والعسكري.
2 – السيناريو الثاني: فهم صنعاء للسيناريو الأول سيؤدي حكماً إلى التصعيد من جديد حتى لا تستفيد الدول الداعمة للعدوان ومرتزقها من الوقت من أجل الاستعداد لاستئناف العدوان من جديد وخاصة أن الشعب اليمني عانى الأمرين في ظل العدوان على مدى سبع سنوات فلا يعقل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها فهناك خروقات كثيرة سواء على الجانب العسكري الميداني والزحوفات التي تشن من قبل المرتزقة جنوب مأرب، أو من قبل القصف على بعض المناطق في اليمن من قبل السعودية أو من عدم الالتزام ببنود الهدنة وما يجعل هذا هو السيناريو الثاني هو التعامل المبدئي من قبل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في تعامله مع الخصوم باعتبار أنه لن يطلق الرصاصة الأولى في خرق الهدنة التزاماً بقول الله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، وهو ما لم يفهمه تحالف العدوان ضد اليمن حتى اليوم.
3 – السيناريو الثالث (المستبعد): نجاح الهدنة وإيقاف العدوان بشكل كامل والدخول في حوار سياسي منفصل ما بين الأطراف السياسية اليمنية (حوار يمني- يمني)، وكذلك وحوار يمني سعودي من أجل إيقاف الحرب والتعويض على العدوان وسحب القوات الأجنبية من اليمن، وهذا أمر مستبعد ولا توجد مؤشرات حقيقية يمكن البناء عليها وعلى تحققها حتى الآن.
عبد الملك محمد عيسى
أستاذ علم الاجتماع السياسي المشارك
جامعة صنعاء