شن العدو التاريخي لشعبنا هجوماً إرهابياً واسعاً قبل سنوات من العدوان الأخير الرسمي (مارس 2015م)، وخلال الأعوام السابقة للعدوان المعلن من واشنطن والرياض كان هناك حرباً سرية كبيرة تجري وتتواصل من قبل نفس الأعداء الحاليين لليمن، كانت الأدوات والتكتيكات والشعارات مختلف أما أهدافها فهي نفس أهداف العدوان وتمهيداً له وبرعاية الحكام العملاء السابقين، حرباً صليبية إرهابية استهدفت في الأساس قيادات الجيش والأمن الوطنيين والمجتمع قتلاً واغتيالاً وتفجيراً وترويعاً، وحسب تصريح هادي نفسه بأن أغلبية الإرهابيين هم سعوديو الجنسية أي أنهم مجندون سعوديون للمخابرات وللجيش السعودي الأمريكي، وكانوا إلى العام 2015م قد قتلوا الكثير من الكوادر العسكرية اليمنية خاصة أبناء المحافظات الشمالية والمناطق القبلية، وكان القتل يتم بموجب الهوية في أغلب الأحيان بالقرب من نقاط الجيش والأمن التابعين لحكومة صالح وهادي فيما بعد، وخاصة تلك المناطق الجنوبية الشرقية من حيث جغرافيتها، حيث تمكنت السعودية وحلفاؤها الانفصاليون من تسهيل نشاط تلك القوات الإرهابية، والحصول على ملاجئ لها وقواعد بين القبائل الجنوبية، التي صارت تؤيد الإخوان والإصلاح والسلفيين واعتمدت على نشاط القوى الوهابية المذهبية هناك مستندة إلى إثارة الكراهية المذهبية الطائفية وتسعيرها. وكان ذلك بتواطؤ وتنسيق مع صالح ثم مع هادي وعلي محسن والزنداني وحميد وغيرهم من النافذين السعوديين، وهو ما كشفته المحاكمات والوثائق التي وقعت بأيدي القوى الوطنية، وقد باشر الجيش الوطني الشعبي الجديد أولى مهامه بعد السيطرة الظافرة على قاعدة الإرهاب المركزية في العاصمة ممثلة في الفرقة المدرعة الأولى وملحقاتها بمطاردة قوى الإرهاب السعودي الأمريكي في أوكاره الجنوبية والشرقية والوسطى حيث كان يسيطر برعاية حكومية وأدت هزائمه الكاسحة إلى تدخل العدوان الرسمي المباشر في مارس.
كانت معركة السعودي الأمريكي الحقيقية مع الثورة الشعبية اليمنية، مع الشعب اليمني المستقل الحر، مع الأمة اليمانية الأبية العصية عن الركوع والخنوع والخضوع، هي حربٌ وجودية، حربٌ ضد الوجود اليماني العربي كهوية، حربٌ لا تقبل الوسطية ولا الاعتدال وكما عرفها مؤسسهم قائلاً لأبنائه: "إن في قوة اليمن ووحدته ضعفكم وتفرقكم وزوال ملككم، وإن شر اليمن خيرٌ لكم وخيركم شرٌ لليمن"! وهو تعريف ينم عن النوايا الفاشية الاستئصالية الصليبية الحقيقة التي ينطلقون منها كمجسدين لعقيدة الاستعمار الجديد والقديم الذين يوالونه ويتبعونه.
لقد حاولت الحكومات اليمنية السابقة منذ نشوء حكم الاستقلال اليمني مطلع القرن المنصرم أن تهادن، وأن تناور وأن تتصالح مع آل سعود وأن تتنازل لهم ولكن دون جدوى؛ فقد كان كل لين وتنازل يقابل بالإجحاف والجور والاستطالة والاستعلاء والتعصب والغرور، والتوسع الجغرافي والتدخل السياسي والاجتماعي والتخريب الاقتصادي الشامل، وجميع الحملات التدخلية التي شهدتها البلاد منذ القرن الماضي وما قبله كانت حملات من الحلف السعودي البريطاني الأمريكي الصهيوني التي تجسدت على الأرض على صور انقلابات وتحركات ومعارضة سياسية واقتتال أهلي وصراعات على الملك والحكم والقبائل والمناطق والقوى وكلها كانت تقف خلفها السعودية وأسيادها.
كان الذهب السعودي الأمريكي البريطاني يقف خلف الكثير من التحركات التي ظن المساكين أنها تحركات تبتغي الخير والإصلاحات لليمن، وقد تمكنت المخابرات السعودية وأسيادها من أن تخترق جميع المنظمات السياسية الوطنية في الداخل والخارج عربياً وقومياً وإسلامياً للآسف وهذه حقيقة تتكشف اليوم وأمس ومازالت تتكشف بالمزيد من الوقائع والكشوف والحقائق والمواقف وسيكون على اليمنيين الوطنيين أن يعيدوا النظر مجدداً بكل المواقف السابقة التي التبست عليهم حقائقها نتيجة لركام كبير من التضليل، وإعادة إقامة هذه النظرة على أسس الواقع الجديد وعلى ضوء شمسه الباهر الوضوح.
إن إستراتيجية العدو قائمة على فرض خياراته المتمثله في إبادة اليمنيين واستعبادهم بكل الأساليب والطرق وعلى مراحل وأطوار دون توقف، وهي الشق المحلي من الإستراتيجية الصهيونية الأمريكية التي وضعها الأمريكي الصهيوني برنارد لويس مستشار الحكومات الأمريكية لخمسين عاماً من القرن الماضي، والقاضية بتدمير وإبادة ملايين دورية من الأمة العربية الإسلامية، ومنها اُشتِق القانون التشريعي الأمريكي الذي أقره رسمياً الكونجرس الأمريكي في الثمانينات ليكون أساساً للسياسات الأمريكية في الشرق العربي الاسلامي الذي يكرر بحذافيره في سياسات السعودية الإسرائيلية تجاه اليمن والعرب والمسلمين عموماً.
وكانت تلك مرحله وطوراً من أطوار العدوان الإمبريالي ضد الشعب اليمني لا يمكن فهم العدوان الراهن بدونه، ووهاهم مرتزقته الإرهابيين في طليعة قواته وزحوفاته وها هو هادي وجنراله العجوز الذين كانوا يتصاهرون بمكافحة الإرهاب على الطريقة الأمريكية من داخل أسرة الإرهاب وغرف عملياته ونومه سراً في السابق هاهو يقودهم الآن علناً تحت يافطة حرب "العدو المجوسي الإيراني" وتحت الرافعة الإسرائيلية الصهيونية مباشرة، وهذا يكشف حقيقة الأهداف السعودية الأمريكية الصهيونية المشتركة في السيطرة على منابع الثروة الوطنية والمواقع والممرات الدولية لليمن وتقسيمه بإثارة الطائفية المذهبية والإقليمية والمناطقية والسيطرة على باب المندب كمفتاح للبحر الأحمر الذي يشكل شرياناً لاغنى عنه للملاحة والتجارة الدولية والاستراتيجية والعسكرية.
إن خسارة العدوان الميدانية على أرض الساحل الغربي والحديدة قد طرح تحديات جديدة على على الطرفين المتحاربين العدوان وعلى الوطن وقواته، لأنها قد نقلت القوتين المتواجهتين من موقف إستراتيجي معين إلى موقف إستراتيجي جديد مختلف عن الموقف السابق قبل الاخفاقات الأخيرة للعدو على الساحل الغربي وقبل الانتصارات التي حققها الجيش اليمني على الساحل اليمني. فقد وصل العدوان إلى أعلى مستوى في قوته على مستوى الحرب كلها وحشد هنا أغلب قواته الإستراتيجية والتكتيكية والدولية الإقليمية والعالمية براً وبحراً وجواً لأنه قرر أن يكون الساحل السهلي للحديدة وتهامة هو الميدان الرئيسي لخوض الهجوم الكبير للعدوان. وقد جمع القوات المطلوبة بتركيز شديد على حساب الجبهات الأخرى المنتشرة على طول خطوط المواجهة الطويلة، وبهذا قامر العدو بأغلب قواته على الساحل الغربي مؤملاً الوصول إلى مينائها والسيطرة على السهل الساحلي مما يعوض عن قواته على الجبهات الأخرى التي تخلخلت مؤقتاً كما يعتقد وأنه يمكنه تعويضها بالسيطرة الجوية البحرية الهائلة الذي مازال يملكها رغم كل التطورات والإخفاقات وإنها وحدها قادرة على تغيير اتجاه الحرب ومنع هزيمته إن لم تضمن انتصاراته وكان هذا من نتائج سيطرة الوهم الاستراتيجي للعدو القائم على معلومات مغلوطة وحسابات باطلة وعلى أفكار خاطئة مضللة ومستنداً على تعاليم كلاسيكية متهرئة قديمة تجاوزتها علوم الحرب الوطنية الحديثة.
لقد خسر العدوان الحرب العدوانية التي يشنها على اليمن منذ سنوات عديدة دون توقف خسرها معنوياً ومادياً وبشرياً ومن مظاهر الهزيمة وأعراضها ما يعانيه العدو من خسائر وإنهاك ومقاتل ومحارق كثيرة تتوالى تتعرض لها قواته وما بقي منها.
لقد فقد العدوان على مختلف الجبهات أكثر من 200 ألف قتيل وجريح القتلى منهم في حدود الخمسين ألفاً والباقي جرحى وآلاف المعدات والدبابات والآليات والطائرات والبوارج وبضعة تريليونات دولارات مضاف إليها عجز تام عن الاقتراب من أي من الأهداف السياسية أو العسكرية المعلنة للعدوان.
وبالنسبة للمدافع لايعتبر الحصار الحدودي هزيمة ولايعتبر السيطرة على أجزاء من الجغرافية هزيمة مادامت قواته البرية سليمة وجمهوره القومي يتسع ويحافظ على تدفقه وتعويض وتوسيع قواعده الحربية بوتائر أسرع من الغازي ما دامت الكتلة الشعبية المحاربة تتزايد وتحافظ على نموها ومضاعفة جهودها وقدراتها وتطوير معداتها وأسلحتها ومنظوماتها باستمرار وتعويض بسرعة عن مستوى الفاقد في الميادين وتحفظ التوازن الاستراتيجي مع العدو فإنها تنزل الخسائر والهزائم بالعدو الذي يعجز عن التقدم خارج المساحات التي كان يسيطر عليها من قبل العدوان الأخير عبر تحالفه مع شريك محلي للعدوان والاحتلال وهي من مخلفات النظام السابق كما أنها ليست ميزة عسكرية وسبق للجيش أن حرراهم مناطقها لولا الخيانة الداخل والخارج ولم يكن الشريط الساحلي الرملي تقدماً للعدو في حقيقته لأنها بمثابة الشباك لاستدراج العدو ليتوغل إلى المستنقعات الداخلية حيث تتعطل قواته الجوية والبحرية وتطول خطوطه وتتقطع إمداداته ويواصل استنزاف قدراته ويغرق في مناطق معاديه للغازي وجاهزة لمنازلته والفتك به.
لقد عجز العدوان عن انجاز وتحقيق أي من أهدافه حتى أبسطها طوال أربع سنوات سياسياً وميدانياً وعسكرياً ولقد فقد إرادة الاستمرار بالحرب الراهنة التي يكابد خلالها هزائم يومية حتى فاقت خسائره بضعة تريليونات من الدولارات وهي خسائر لم تتكبدها أمريكا وحلفاؤها مجتمعين منذ الحرب الكونية الثانية فقد خسرت في فيتنام أكثر من مئتي مليار دولار فقط في أكبر حرب عدوانية شنتها الامبريالية.
تتجلى مظاهر الهزيمة في الميدان مباشرة وفي المؤخرة والبنية العليا السياسية للعدوان وقياداته وعلاقاته وتحالفاته وإراداته الحربية ووحدته.
في الميدان الهزيمة لا تحتاج إلى مزيد بيان أو شواهد إضافية فالأرقام مدعومة من الوقائع التي ينشرها العدوان نفسه وسيظل البعض يكابرون برفضهم التسليم بالواقع ولكنهم لا يستطيعون تغييره وهي مكابرات كلامية تحاول تزيف صورة الواقع ورسم صور مراوغة له بتغير الحقائق و ترويجها في وعي أتباعه وأنصاره ومرتزقته ومحاولات خداع الرأي العام وهي تعلم ببطلانها قبل غيرها.
إذا كان العدو قد حقق شيئاً من أهدافه الميدانية في الحديدة فلماذا يرفع راية الهدنة من طرف واحد هو طرفه وفي ذروة الهجوم العدواني على المدينة باعتبارها هدفه الأعلى الآن؟
لماذا توقف التقدم والاشتباك في ذروة المعركة بعد زمن من الهجمات والزحوفات والنكسات اليومية والتحديات والتهديدات وحملات الإبادة الوحشية التي لم تتوقف ولم تلين يوماً ولم نشهد منهم مراعاة للوضع الإنساني سواء من المرتزقة أو أسيادهم في الرياض وواشنطن
فلماذا إذاً الالحاح على المؤسسات الدولية لتنقذهم من بأس الجيش اليمني ولجانه الشعبية وأنصاره الميامين في الحديدة والساحل الغربي.
لقد توقف العدو أمام أبواب المدينة مؤقتاً لكي يجد طريقاً للتراجع والهروب من نكسة كبرى محققة وهو لم يطلب مقابلاً موضوعياً لهدنة من طرف واحد، ولم يستجب طوال الأشهر والسنوات لمطالبات العالم بالهدنة وبالمشاورات السياسية حين كان يتخيل أنه يمكنه تحقيق شيء على الأرض، لقد كان ومازال في فسحة من حربه وعدوانه ومازالت الآمال تتسع والتفاؤل بقرب انتصارات تتوالى على أيدي ترامب وجنرالاته وتكبر الأوهام بالتوازي مع تدفق الأموال السعودية التي لم تنفذ بعد وعلى رأس المرتزقة الاقليميين جيء بطفل رقيع مدلل يهوى ألاعيب الحرب الهوليوديه ويجدها وسيلته المصيرية للانقضاض على إرث الأسرة الصهيونية الطامعة في عرش نجد والحجاز وكانت الهزيمة قد تكررت مرات ومرات لكن مجئ ترامب بأطماعه التجارية وجشعه قد أمد في عمر العدوان عامين آخرين.
لم تكن السعودية دولة في أي يوم من الأيام حتى يكن لها برامجها وحروبها الخاصة بها وسلامها وشخصيتها الخاصة أبداً، فهي لم تكن ولن تكن إلا صدى للجشع الأمريكي الصهيوني الغربي وأطماعهم في السيطرة ولذالك فهي لا تعادي إلا من تعادي أمريكا وإسرائيل فقط، ولا تصالح إلا من يصالحهما، فهي ليست كياناً مستقلاً قائماً بذاته ولا تستطيع أن تكون كذلك أبداً.
لذلك حرص بن سلمان ووزير خارجيته أن يعلنا قرار العدوان من واشنطن وقبل الرياض، ولم يكن بحاجة إلى ذلك لو كان مستقلاً يعمل لذاته وأهدافه الخاصة به، ولم يتردد في الاعتراف بالحقيقة أكثر من أمير من أمرائهم ويظهر هذا بوضوح في اللقاءات والمشاورات السياسية المتكررة في الكويت والسويد وسويسرا وعمان فالمفاوض الحقيقي والطرف الآخر ليس إلا السفير الأمريكي، ففي نهاية كل جولة وبدايتها يتحكم الأمريكي وحده بمساراتها ومآلاتها ونتائجها وهو من يأمر بإنهاء وقطع المشاورات أو استئنافها، ويلزم الآخرين بالمضي أو بالنقض وفقاً لتطور مسرح الأحداث ومخططات الحرب التي يديرها ويوجهها من الخلف.
بن سلمان ووالده وغيرهما من موظفي الأسرة لا يعرفون غرفة العمليات والقيادة على حقيقتها وأي منهم لا يمكنه أن يفك رموز أبسط معادلاتها الاستراتيجية، وكانت عمليه العرضي([1]) مثالاً صارخاً على تغييب من يسمون بالأمراء والملوك، وقبلها عملية انقلاب قطر فقد أظهرت بوضوح من يدير الهيكل الحاكم في الكيان السعودي الخليجي فالمخابرات الأمريكية الخارجية هي من يدير الكيانات وسياساتها وواجباتها الوظيفية.
حين يشتد النقد الأمريكي الصوري ضد الإرهاب الوهابي يعترف بن سلمان قائلاً إن الأمريكيين هم من طلبوا منهم ذلك في سياق الحرب الباردة (أي نشر الوهابية)، وسيواصلون مادام الأمريكي يريد ذلك.
كل ما تقدم السعودية عليه شكلياً ما هو إلا إملاءات أمريكية، فإذا كان الأمريكي هو مصدر كل القرارات والسياسات السعودية الخليجية فلماذا يحتاج إليها إذاً من الأساس؟ لماذا يوجدها؟
لأنه لا يمكنه مباشرة وعلناً تأمين تلك المهام الحيوية لوقت طويل بشخصيات غربية في بيئة عربية اسلامية شرقية قبلية محاربة لا يمكنها الظهور بصفاقة كمحتلين للجزيرة العربية دون أن يستثيروا ضدهم مقاومو مدعومة من كل الأحرار في العالم ولذلك فقد عالجوا الأمر قانونياً عبر الأمم المتحدة، وعبر ما أسموه الأنظمة السياسية الدولية الجديدة والمقايضة مع الدول الكبرى المنافسة لهم ليصبح نظام القرصنة الدولية المنمق قانوناً دولياً ضمن امتيازات الكبار في العالم.
[1] في ديسمبر 2013 شنت القاعدة عملية إرهابية على مستشفى العرضي بالعاصمة صنعاء وكانت قناة سعودية قد هددت باقتحام المستشفى قبل العملية بعدة أيام، وكان أكثر من نصف المهاجمين سعوديون أفرج عنهم لاحقاً بتوجيهات من الفار هادي.