الإرهاب في محافظة البيضاء اليمنية والذي كان أحد مظاهره الأخيرة إعدام أربعة شباب يمنيين بتهمة "الردة"، - هذا الإرهاب - ليس وليدة الحظة التاريخية الراهنة، بل هو استثمار إخواني سعودي ممتد منذ سبعينيات القرن الماضي. زُرع في بداية الأمر لمواجهة تنامي المد الديمقراطي الثوري المتمثل في "الجبهة الوطنية الديمقراطية"، بذريعة "حماية العقيدة من الشيوعية". وقد تولى الإخوان المسلمون – رسمياً - قيادة العمل العسكري والثقافي بدعم عسكري من نظام صالح وإشراف سعودي غربي، وسُميت النبتة الإرهابية آنذاك بـ"الجبهة الإسلامية". وما الحركات الإرهابية المختلفة اليوم في واقع البلاد بتعددها إلا ثمار هذه النبتة الظلامية.
مثلت محافظة البيضاء حائط الصد لليمن الشمالي تجاه الجنوب، وظلت المحافظة مركزاً صلباً تمترس فيه الإخوان وجبهتهم الاسلامية (الوهابية). وبعد هزيمة الجبهة الوطنية وتوقف "حروب المناطق الوسطى" مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أمست البيضاء محافظة مُغلقة سياسياً وأيديولوجياً على الإخوان المسلمين الذين وسعوا من نشاطهم الثقافي الوهابي عبر المعاهد العلمية، وبالتالي فقد مثلت المحافظة بيئة مناسبة لنمو مختلف أشكال الحركات الإرهابية وقابلة للاستجابة لأي من الدعوات الإرهابية، سواءً تلك التي كانت ترعاها سُلطة صالح وبيت الأحمر وتوظف في الحروب المحلية والأمريكية كحرب أفغانستان، وحرب صيف 94 في اليمن، أو تلك التي برزت عفوياً كنزعة دينية اجتماعية متطرفة دون ارتباطات أجنبية.
الصراع مع الإرهاب هو صراع سياسي في جوهره، صراع بين مشروعين سياسيين؛ وطني ديمقراطي، وأخر استبدادي وعميل لدول أجنبية، فالجماعات الإرهابية في اليمن بدءاً من جنينها التنظيمي العسكري السياسي العلني الأول "الجبهة الاسلامية"، لم تنشأ كنزعة ثقافية دينية متطرفة حملت السلاح لتطبيق مُعتقداتها، بل نشأت وولدت عسكرية لتُلبي مهمة سياسية محددة لنظام "صالح" والمعسكر الغربي آنذاك، في مواجهة الحركات الديمقراطية اليسارية والقومية، وإن كانت أخذت لنفسها شكلاً دينياً إسلامياً (وهابياً). وهذا الدور الذي قام به الإخوان في مناهضة المد اليساري الديمقراطي ووقف المد الثوري الذي كان يُهدد نظام علي عبد الله صالح ويشكل خطراً على المملكة السعودية، زاد من نفوذ الإخوان وتغلغل ثقافتهم الوهابية في المجتمع عبر إمكانيات الدولة، وهو الأمر أعطى ارتياحاً لـ "صالح". أشار إلى ذلك عبد الله بن حسين الأحمر في مذكراته قائلاً: بأن الدور الذي لعبه الإخوان في الحرب على الجبهة الوطنية "أكد القناعة لدى الرئيس أننا نعتبر سنداً له وأننا قد تحملنا العبء الأكبر في الدفاع عن الوطن والعقيدة".([1])
كما أن الحركات الإرهابية اليوم التي تقاتل ضد الجيش واللجان الشعبية، لا تقاتل باستقلالية دفاعاً عن فهم ديني متطرف؛ بل تقاتل ضمن محور تحالف العدوان تلبية مهمة سياسية معينة، حيث تُشارك الجماعات الإرهابية مشاركة علنية مع ما تسمى بـ " الشرعية" في مختلف جبهات القتال على امتداد الأرض اليمنية والمناطق الحدودية مع المملكة السعودية، وهو الأمر الذي يؤكد عليه الواقع وشهدت عليه تقارير لوكالات أنباء وصحف غربية عريقة.
"اسوشيتد برس" الأمريكية أكدت بأن الامارات تبرم صفقات مع القاعدة، وكذلك تقرير "البي بي سي" البريطانية تحدث عن مشاركة عناصر من القاعدة مع قوات هادي، كما كشف تقرير تابع لفريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الأممية الخاص عن دعم الإمارات لجماعات اسلامية مسلحة في تعز، إضافة إلى أن الناطقة باسم البنتاجون في تعليق لها على معلومات عن دعم الامارات لجماعات إرهابية في تعز قالت إن واشنطن تجمع المعلومات بشأن ذلك، من جهتها وكالة "بلومبيرغ" أفادت بأن السعودية والإمارات تستعينان في حربهما ضد "الحوثي" بجماعات جهادية بعضها تربطها علاقات بتنظيم القاعدة. بل إن عدداً من المُعيّنين في مناصب في حكومة هادي والقوات العسكرية التابعة له هم من الشخصيات الإرهابية المدرجة على لوائح الإرهاب.
يعترف الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر([2]) - رئيس الهية العليا للتجمع اليمني للإصلاح - في مذكراته بكل وضوح بالرابطة ما بين الجنين الأول للجماعات الإرهابية في اليمن وبين سلطة علي صالح وجماعة الإخوان المسلمين، وبين المهمة السياسية التي دفعتهم إلى صناعة الإرهاب؛ ألا وهي مهمة الحرب على الحركة الوطنية اليمنية في سبعينيات القرن الماضي التي توحدت في إطار الجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية "جودي" والتي رفعت آنذاك - أي الجبهة الوطنية - شعار السيادة الوحدة الديمقراطية والتقدم واستعادة الحقوق التاريخية في جيزان ونجران وعسير وشرورة، ومازالت الجماعات الإرهابية اليوم تقف في نفس موقفها القديم إلى جانب السعودية في مواجهة الحركات الثورية اليمنية التي تطالب بالتغيير الاجتماعي وبالسادة الوطنية وتدافع عن وحدة الأراضي اليمنية.
إن الواقع التاريخي اليوم يضع أنصار الله أمام تحقيق ذات المهام التاريخية التي كانت يوماً من شعارات الحركة الوطنية ثم أخفقت في الانتصار في سبعينات وثمانيات القرن الماضي، وغدت تلك المهام بأبعادها الوطنية الاجتماعية الديمقراطية مهاماً يصعب على القوى الوطنية اليمنية تحقيقها خاصة بعد حرب 94 وما تلا هذه الحرب العسكرية من حروب على الديمقراطية والإنسان في البلاد إلى أن جاءت ثورتا 11 فبراير و21 سبتمبر تعيد فتح آفاقٍ لتقدم الشعب اليمني؛ فجاء العدوان السعودي مجدداً ليُغلقها في وجهه!
[2] "حربنا مع الشيوعيين في المناطق الجنوبية والوسطى دامت أكثر من عشر سنوات، ذهب فيها أضعاف الضحايا، وبحمد الله فإن هذا النضال الذي يعتبر جهاداً ودفاعاً عن العقيدة حفظ لليمن عزته ومكانته وعقيدته وقيمة واخلاقه وتقاليده القبلية".
مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر ص 312- 317 . الناشر المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية