معلوم أن الإدارة الأمريكية هي من تشكل القيادة الاستراتيجية للعدوان وهي الآن قيادته العليا العامة في الميدان الرئيسي حيث نزلت إلى الميدان لقيادة العمليات على الساحل الغربي والحديدة مباشرة ممثلة بالجنرال جوزيف فوثيل قائد القيادة الأمريكية الوسطى.
ومن يفشل الآن في الميدان ليس السعودي الإماراتي بل هو الأمريكي الاسرائيلي مباشرة ولم يعد أمامها إلا الخيارات الانتحارية.
أما القبول بصفقة بالحاصل المتوفر الواقع على الأرض كما هي الآن فالوقت يغدو في غير صالح العدوان الخاسر، صفقة مؤقتة تناصف ما هو قائم بين الطرفين المتصارعين بصفقه سياسية تحفظ ماء الوجه للسعودي الأمريكي، تقاسم النفوذ السياسي الاستراتيجي للإقليم محل النزاع-
وإذا كان ذلك مستحيلاً من جانب الوطن وقواه، فإنه يريد استثماره في صفقة (هدنة سياسية عسكرية مؤقتة) تعطي الطرف العدواني وقتاً لمداواة جراحاته الراهنة التي أصابت الرأس والجسد بالمعنى المادي المباشر.
فلم يعد هناك من يقود المعارك والحرب والعدوان سوى المنطقة الأمريكية الوسطى بعد عجز التوليفة السابقة الإماراتية السعودية.
وبعد فضيحة المنشار وقتل خاشقجي أفزع العالم الأوربي والغربي، فقد أصبحت مناشير سلمان وبنيه أشباحاً تقض مضاجع الرأي العام الغربي وتفضح بلا حياء الطبيعة الحقيقية لساسته وقادته ومدى بشاعتهم.
وتتقاطع تلك الكارثة مع الحروب الذاتية السياسية والانتخابية والبرلمانية والمافيوية المؤجلة بين ترامب وخصومه من كل ناحية في الإدارة والمخابرات والقضاء والبرلمان ومجلس الشيوخ والنواب والديمقراطيين والجمهوريين، والصحافة، والشركات والمؤسسات المتنافسة التي تطمح إلى إمبريالية عولمية محتشمة تكون تحت سيطرة المحاميين والصحفيين والمستنيرين تروج للنموذج النيوليبرالي وللنمط الأمريكي وليس لرؤساء العصابات الكبرى وأجلاف أمريكا الأسوأ في التاريخ، وما هو مؤكد الآن أننا سنشهد خلال أشهر قليلة عدداً من التطورات والأحداث المدمرة للبنية العدوانية العليا الحالية ولا يعني أنها سوف تقدم بديلاً أفضل للحرب العدوانية الحالية بل العكس ما سوف يحدث، وبعد فشل المغامرة العدوانية ميدانياً فإنها ليست مستعدة للاستمرار في المسار الفاشل الحالي، ومعنى هذا إما أن توقف أسلوب المواجهات الحربية الميدانية الحالية التي تخسرها، وإما أن ترسل قواتها لإيقاف الهزيمة المروعة التي تنتظر أشبالها,
وهذا الخيار صعب وانتحاري ويحتاج إلى إعلان من الكونجرس الأمريكي، وهذا غير متاح الآن للإدارة الحالية فالغالبية الآن ضد ترامب وإدارته وضد أساليبه في السياسة التي تمضي من فشل إلى فشل,
وهناك مستجدات حدثت مؤخراً بعد الجلسة البرلمانية المغلقة لسماع شهادة مديرة الاستخبارات الأمريكية التي تحدت ترامب في إدانتها الصريحة لبن سلمان في جريمة قتل الصحفي خاشقجي.
كما أن أغلبية مجلس الشيوخ الأمريكي عبروا عن تحديهم لسياسة ترامب وموقفه وشككوا فيه وطعنوا في نزاهته المالية، وكالوا التهم لأول مرة لبن سلمان وأجمعوا على ادانته والتحفظ عليه، كما ربطوا بين جريمة القتل وبين حربه في اليمن مما يعني إعادة النظر في دعم الملك سلمان مادام ابنه يدير الحرب والحكم وقولها صراحه بأن أمريكا مع حاكم جديد للسعودية.
وإذا افترضنا أن حاكماً جديداً سيأتي إلى السعودية فالمؤكد أن البديل سيفجر صراعاً بين أوساط الأسرة الحاكمة ما يحتم على الإدارة الأمريكية الإمساك بخيوط اللعبة التي انقطع مؤقتاً وإعادة ترتيب البيت السعودي عبر الحاكم العام الأمريكي المقيم، وربما تعيد إلى الحياة مشهد إزاحة الملك سعود وفريقه وتعيين شقيقه الأمير فيصل العام 64م على خلفية فشله في العدوان على اليمن وافتضاح مؤامرته لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بعد الوحدة المصرية السورية بإيعازات من قبل الإدارة الأمريكية، وعبر السيد عبد الحميد السراج الذي رصدت له 450 مليون جنيه وتم ابلاغ عبد الناصر وتسليمه الوثائق والشيكات المالية للعملية الإجرامية وتم فضح الجريمة على الملأ في خطاب لعبد الناصر ألقاه من ميدان دمشق ومن صوت العرب.
وأضيف إليها هزائمه في اليمن أمام الجيش الجمهوري اليمني والمصري المشترك بعد ثوره أيلول 62م وفشله الذريع في إدارة المرتزقة الأجانب والمحليين الذين جندتهم المخابرات الأمريكية للحرب العدوانية على اليمن الجمهوري والذين استدرجوا إلى محارق في كبرى الساحل الغربي شمال حرض وفي وادي جارة وسقط آلاف القتلى والجرحى منهم بعد شنهم لعدوان عبر الساحل لاحتلال مناطق جديدة تخت عنوان "إسناد شرعية النظام السابق".
ويمثل بن سلمان اليوم دور جده سعود الأحمق في المسرحية الأمريكية الإقليمية التي أدارتها الإدارة الأمريكية من خلف ظهر الكونجرس مثلها مثل رب فيتا والعدوان على كوبا في خليج الخنازير – خلال نفس الاعوام الثلاثة من العقد الستيني للقرن الماضي وقد أطاحت تلك المغامرات بعدد من المسولين والرؤساء الأمريكيين وعملائهم في المنطقة أبرزهم كان سعود ملك السعودية آنذاك.
فالنظام الامبريالي الأمريكي يقوم على ضرورة نتف ريش المهزوم والمفضوح من كياناته وعملائه، والخاسر في لعبة السيطرة والقوة ولا يعرف التسامح أو التضامن المشترك في تحمل الأعباء السياسية الإدارية والإخفاقات فكل إخفاق له ثمن يدفع وتلك هي القاعدة لكي يتمكن النظام الأمريكي من مواصلة مشواره بالتحلل والتخفف من المسؤوليات القانونية والأخلاقية.
المسؤوليات القانونية هي أخوف ما تخافه الإدارة والمؤسسات الأمريكية عن اختراق القانون وحقوق الانسان في عشرات آلاف الحالات المتضررة من المدنيين اليمنيين مما يترتب عليها إلزامها بالتعويضات المالية والمعنوية، وستكون هائلة وفقاً للقانون الأمريكي نفسه؛ فإن تعويض أسر ضحايا سبتمبر قد بلغت أربعة تريليونات دولار وعددهم حوالي خمسه آلاف فقط أي سدس الحالات اليمنية مما يعني أن الحال اليمنية قد تغرق أمريكا والسعودية بمطالب التعويضات القانونية وحدها وحسب قانون جاستا،
علماً أنها قد تدعي أنها تضامنت مع حليفتها وتابعتها فقط وبنفس المنطق الاحتيالي على مسؤوليتها في الحرب فإنها تضع عنقها في حبل المشنقة سلفاً حين تحاول الهروب من مسؤولية الخسائر العسكرية باستغلال تفسيرها للقانون الدولي.
المافيا الأمريكية تنظف مكان الجريمة وتعدم الشهود والقيادات المتورطة وتقلب الإدارات الفاشلة وتخفي الملفات وتحرق المكاتب والوثائق التي تحوي الادانات وهو عين ما تفعله المؤسسات الأمريكية المتورطة الآن.
أخوف ما تخافه المؤسسات الأمريكية الآن هو المسؤوليات القانونية والإدارية المترتبة على الفشل وعلى افتضاح استخدام السعودية وتحالفها للأسلحة المحرمة، وقد رصدت المنضمات الدولية الحقوقية مئات الوقائع المخالفة للقانون الإنساني الدولي.
تمر أمريكا وفقاً لنظامها بفترات ثابتة متوالية هي مواسم للأفراح وأخرى للنحوس، وقد وضع مؤسسو النظام الأمريكي الأوائل هذه القواعد بغرض تحقيق هدفين متعارضين؛ أولهما منح الإدارات حرية العمل والحركة على قدر قدراتها وحذاقتها الإمبريالية في الخارج ومراقبتها البرلمانية القوية على السياسة في الداخل والخارج، وإعادة التخفيف من الحلقات الميتة الهالكة في الإدارة وتحميلها المسؤولية في نظر الرأي العام المحلي والدولي عن الاختراقات للقوانين والقيم الأمريكية المدعاة وحماية المؤسسات التشريعية لذاتها من تغول الإدارات والرؤساء والحؤول دون تحولهم إلى مستبدين على الداخل الأمريكي بوصفهم مجرد موظفين عمومين مستأجرين لدى المؤسسات الدافعة في النهاية!
وتقسم الفترة الرئاسية لأربع سنوات في كل سنتين منها يجري تجديد نصف الكونجرس، والعامان الأوليان هما عاما سعد للحاكم أما العامين الأخيرين فهما عامي نحسه.
وقد مضى الآن عاما السعد لترامب وأقبل عاما نحسه بعد أن تمت الانتخابات النصفية التجديدية الأولى للكونجرس وسيطرت أغلبية معارضة لترامب ولسياساته،
وليس أمام الكونجرس الجديد الآن سوى محاسبة ترامب وتتبع سياساته وثغراته وفضائحه وخروقاته وتمهيد التربة لدفنه في العامين القادمين حين تحل الانتخابات الرئاسية القادمة التي تبدأ مسيرتها من الآن.
وهذا يؤكد أموراً هامة:
أولها: وجود المملكة السعودية كوكيل للغرب هو السيطرة على اليمن، ثانيها: محاربة الوحدة العربية القومية.
ثالثها: حماية إسرائيل من الجبهة الاسلامية العر بية.
رابعها: الهيمنة على البحر الأحمر ومداخله ومخارجه لصالح النفوذ الأمريكي الإسرائيلي.
ولن يكون البديل القادم إلى موقع الحكم السعودي إلا مطابقاً للحالة الأمريكية الجديدة التي بدأت تتكشف أبعادها من خلال ترشيح رجلها المقبل، وإرساله إلى الرياض وهو الآن يعمل حثيثاً عل تجميع الخيوط بين يديه ويحتاج وقت وتدعيم ولن يستمر موقف ترامب على ما هو الآن فهو ملزم بمواكبة مزاج الكونجرس والرأي العام الحالي الذي يتسع بعد الانتخابات النصفية مؤخراً.