ما كاد جدار برلين أن يسقط إلاّ وبدأ بعض المفكرين والاستراتيجيين في مراكز دراسات وأبحاث يحذرون من خطورة وفوضى قادمة ناجمة عن ذلك السقوط، إذا لم يتم إعادة بناء النظام العالمي الجديد وفق استيتيكا سياسية تحفظ توازنه.
وخلال عقد تسعينيات القرن العشرين برزت نظريتان في الوسط الفكري.
الأطروحة الأولى يمثلها المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما لخصها كتاب له ذاع صيته حينها بعنوان “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” ويطرح فيه حتمية انتصار الليبرالية الأمريكية وقيمها باعتبارها النموذج الذي لا مفر منه، وأنه وبرغم تفاوت مستوى تطور الدول والمجتمعات التاريخي إلاّ أن الليبرالية الأمريكية “الأمركة” النموذج الأكثر كمالاً سيسود العالم لا محالة، أي اتسمت بكونها نظرية ” تبشيرية”(1) على الرغم من تراجعه عنها مؤخراً تحت خيبة صعود ترامب للرئاسة سأعرضها لاحقاً.
أما الأطروحة الثانية يمثلها المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون، وطرح فيها أن الصراع القادم صراع حضارات وأديان وثقافات عوضاً عن صراع الأيديولوجيات الذي أفل بسقوط جدار برلين ولخص أطروحته في كتاب ذاع صيته بعنوان “صراع الحضارات”.(2)
الأطروحة الأولى جاءت نقيض فكرة هنتنجتون “صراع الحضارات” وطرح صاحبها المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي فكرة ”حوار الحضارات والثقافات”.
أما الأطروحة الأخرى تعارضت مع فكرة فوكوياما “التبشيرية” ونحت بعداً تحذيرياً من العولمة ونتائجها الكارثية على مستقبل الإنسانية، وطرحها مؤلفون ألمانيون هارالد شومان وهانس بيتر مارتن في كتاب ذاع صيته بعنوان “فخ العولمة الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية” (3)
إذا كان فوكوياما في أطروحته شديد التفاؤل وقدم لنا تصورًا عن ديمقراطية أمريكا الليبرالية المنتصرة في الحرب الباردة وأعتبرها أفق المجتمعات البشرية الأخير، أي مستقبلها الحتمي ونهاية التطور السياسي والاقتصادي والقيمي للبشرية ، حيث وضع الديمقراطية الليبرالية الأمريكية في مصاف برادييم أو نموذج إرشادي للدول والمجتمعات الأقل تطوراً ينبغي أن تصل إليه. فإن أطروحة ” فخ العولمة” للمفكرين الألمانيين حذرت من السير في طريق العولمة لأنها ستؤول إلى تمايز وتفاوت اقتصادي سواء داخل الدول المتقدمة أو التفاوت على الصعيد العالمي شمال غني وجنوب فقير” مجتمع الخُمس الثري وأربعة الأخماس الفقراء” وحذرا من انتهاء عصر الدول القطرية وظهور دولة الشركات العابرة للقارات، إذ يظهر ما يعرف بـ ” أُممية رأس المال حيث يهدد الرأسماليون الحكومات بهروب رأس المال ما لم تستجب لطلباتهم مثل تسهيلات ضريبية .. مشروعات تحتية مجانية. إلغاء قوانين الحد الأدنى للأجور.. وصار الاتجاه الليبرالي المغرق في التطرف حتمية اقتصادية لا يمكن الوقوف في وجهها في الدول التي وافقت عليها ابتداءاً. دخول وخروج المليارات في لحظات على شاشات الكمبيوتر كيف تحافظ أي مؤسسة في العالم أمام هذا التحرك المدهش لرأس المال على أسعار الصرف والفائدة واسعار الأوراق المالية؟ فالعالم صار رهينة في قبضة حفنة من المضاربين الكبار إنهم يتحكمون في رفاهية وفقر أُمم بأكملها”(4).
لقد حذرت أطروحة “فخ العولمة” من مآلات السير في طريق العولمة وبرامجها واستشهد المؤلفان بوقائع وأحداث يجري التخطيط لها من قبل الرأسماليين للعالم في القرن الواحد والعشرين، حيث يستشهدا بهذه الواقعة ” في فندق فيرمونت المدهش Fairmont – Hotel فخر سان فرانسيسكو وأيقونة الرأسماليين وكاتدرائية الثراء في العالم في سبتمبر عام 1995 اجتمع خمسمائة من قادة العالم في مجالات الاقتصاد والسياسة والمال وكان من بين الحضور جورج بوش الأب وجورباتشوف ومارجريت تاتشر ورؤساء الشركات والمؤسسات العملاقة مثل CNN وأقطاب المال والكمبيوتر وأساتذة الاقتصاد في جامعات ستانفورد وهارفارد وكان المطلوب منهم قضاء ثلاثة أيام للتفكير بعمق وتركيز لتوضيح معالم الطريق إلى القرن الواحد والعشرين وبعد مداولات ونقاشات حادة وهادئة خرجت النتيجة المدهشة لقد اختزل الحاضرون المستقبل إلى العددين 20 و 80 وظهر مصطلح Tittytainment وحسب المصطلح فإن 20% من سكان العالم ستكفي تماما للحفاظ على نشاط الاقتصاد الدولي ويؤكد عملاق التجارة Washington Sy Cip هذا الرأي إذ يقول :” لن تكون هناك حاجة إلى ايدي عاملة أكثر من هذا .” فخُمس قوة العمل ستكفي لإنتاج جميع السلع وسد حاجة المجتمع العالمي إن هذه ال20% هي التي ستعمل وتكسب المال وتستهلك، وسيكون الأمر كذلك عند أي بلد يطبق البرنامج الغربي ..!! ولكن ماذا عن الآخرين ماذا عن ال80% العاطلين وهنا يظهر مدير مؤسسة سان Scoot Mc Nealy ليجيب ببساطة عن الأمر قائلا :-” المسألة في المستقبل هي ببساطة :- إما أن تأكل أو تُؤكل ..to have lunch or be lunch “لقد رُسمت في فيرمونت الخطوط العريضة للنظام الاجتماعي الجديد .. اختفاء الطبقة المتوسطة وظهور الأثرياء والمعدمين .. لم يعترض أحد من الخمسمائة الحضور على هذه الرؤية بل لم يروا فيها ما يستحق المناقشة .. ومصطلح Tittytainment مصطلح غير معروف أصلا في اللغة الانجليزية وهو يفيد معنى التسلية المخدرة إذا تم تقطيعه وتجزئته والمقصود منه تهدئة باقي سكان المعمورة المحبطين ال80% الذين مات عندهم العمل كما يقول جريمي ريفكن Jeremy Rifkin في كتابه نهاية العمل”.(5)
اليوم وبعد مرور حوالي ثلاثين عامًا تقريبًا على أطروحة فوكوياما، يقدم لنا في مقاله الأخير المنشور حديثًا في عدد مجلة Foreign Affairs لشهري سبتمبر وأكتوبر من هذا العام، مقالًا تحت عنوان «ضد سياسات الهوية: العشائرية الجديدة وأزمة الديمقراطية»، وفيها يتراجع عن أطروحته الشهيرة «نهاية التاريخ»، هو التراجع الثاني بعد دراسته المنشورة في عام 2009 تحت عنوان «نهاية الريجانية»، وتقاطع التراجعان هذه المرة مع الأطروحة ذاتها التي قدمها هنتنجتون في نقد أطروحته المبكرة في نهاية عقد الثمانينيات.
قدم لنا في مقالته هويات صاعدة في زمن يتصدع وهي مقالة تشكل خلاصة كتابه الجديد «الهوية: الطلب على الكرامة وسياسات الغضب». الذي صدر في يوم 27/أيلول سبتمبر الماضي، وخلال حفل توقيع بجامعة ستانفورد الأمريكية قدم لنا فوكوياما قراءة للتحولات التي يشهدها عالمنا الراهن من وجهة نظر جديدة بعيدًا عن صيغته الحالمة التي طبعت أطروحته الأشهر في كتابه «نهاية التاريخ».
وفي مقالته المطولة عرض التحولات الدراماتيكية يشهدها العالم منذ أوائل السبعينيات وحتى العقد الأول من هذا القرن، حيث يرى أن الديمقراطيات الانتخابية أرتفع عددها من حوالي 35 إلى أكثر من 110، وشهد الإنتاج العالمي للسلع والخدمات زيادة بلغت أربعة أضعاف ما كان عليه في مطلع السبعينيات، وتوسع النمو في كل مناطق العالم تقريبًا، وانخفضت نسبة الفقر المدقع من 42 % من سكان العالم في عام 1993 إلى 18% عام 2008.
وعلى الرغم من هذه الإحصاءات والمؤشرات يستدرك فوكوياما بأن العديد من البلدان استفادت منها، لكن لم يستفد منها شعوب الديمقراطيات المتقدمة، حيث شهدت تفاوتاً اقتصادياً بشكل كبير، وتدفقت فوائد النمو في المقام الأول إلى الأثرياء والمتعلمين، وأدت زيادة حجم البضائع والمال والأشخاص الذين ينتقلون من مكان إلى آخر تغييرات اجتماعية كاسحة.
في اشارة الى انتقال التصنيع بثبات من الولايات المتحدة وأوروبا إلى شرق آسيا ومناطق أخرى مع انخفاض تكاليف العمالة. وفي نفس الوقت، تعرض موظفون في أسواق العمل التي تهيمن عليها صناعات الخدمات للتسريح بشكل متزايد، واستبدل العمال ذوي المهارات المنخفضة محل آلات ذكية.
بنهاية المطاف، أدت هذه التحولات إلى تباطؤ حركة نحو نظام عالمي يتسم بالانفتاح والليبرالية، وكانت الضربات الأخيرة هي الأزمة المالية العالمية في عام 2007– 2008 ، وأزمة اليورو التي بدأت في عام 2009. وفي كلتا الحالتين ، أنتجت سياسات كهذه وضعتها نخب؛ فترات ركود هائلة، وارتفعت معدلات البطالة، وانخفضت دخول ملايين العمال العاديين.
ولأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما النموذجان الرائدان للديمقراطية الليبرالية ، فإن هذه الأزمات قد أضرت بسمعة ذلك النظام، وهو ما تزامن مع تراجع ملموس للديموقراطية في جميع مناطق العالم تقريبًا. في نفس الوقت، حيث أصبحت العديد من الدول الاستبدادية ، بقيادة الصين وروسيا حسب قوله أكثر حزمًا وتأثيرًا. وانزلقت بعض الدول التي بدت ديمقراطيات ليبرالية ناجحة خلال تسعينيات القرن الماضي إلى الوراء تجاه الاستبداد.
ورغم أن الثورات العربية في الفترة من 2010-2011 أدت إلى تعطيل الأنظمة الديكتاتورية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإنها لم تسفر عن شيء يذكر فيما يتعلق بالديمقراطية، حيث حافظت معظم الأنظمة الاستبدادية في أعقابها على السلطة، واندلعت حروب أهلية طاحنة في ليبيا وسوريا واليمن.
ويشير فوكوياما إلى نجاح القومية الشعوبية في الانتخابات التي أجريت عام 2016 من قبل اثنتين من أقوى الديمقراطيات الليبرالية في العالم: المملكة المتحدة، حيث اختار الناخبون مغادرة الاتحاد الأوروبي، وفي الولايات المتحدة، حيث سجل دونالد ترامب مفاجأة انتخابية مروعة في السباق للرئاسة.
يعزو هذه التطورات التي تبدو ناجمة عن التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية للعولمة، إلى ظاهرة أخرى أكثر جذرية ألا وهي صعود سياسة الهوية. عوضًا عن سياسة القرن العشرين التي تم تعريفها بالأساس من خلال القضايا الاقتصادية، حيث تركزت سياسة اليسار في هذا الإطار على العمال والنقابات وبرامج الرعاية الاجتماعية وسياسات إعادة التوزيع. وعلى النقيض من ذلك، كان اليمين المحافظ مهتمًا في المقام الأول بخفض حجم تأثير تدخل الدولة وتعزيز القطاع الخاص.
من جانب آخر، أضحت سياسة اليوم تتمحور أقل فأقل حول الاهتمامات الاقتصادية أو الأيديولوجية في مقابل مسائل الهوية، حيث أصبح اليسار في العديد من الديمقراطيات، يركز بشكل أقل على خلق مساواة اقتصادية واسعة والمزيد على تعزيز مصالح مجموعة واسعة من الجماعات المهمشة، مثل الأقليات العرقية والمهاجرين واللاجئين والنساء والمثليين. في نفس الوقت أعاد اليمين ترتيب أولوياته ومهامه الأساسية، حيث انتقلت شيئًا فشيئًا من ضمان حرية السوق إلى مهمة حماية الهوية الوطنية التقليدية التي ترتبط في كثير من الأحيان صراحة بالعرق أو الثقافة أو الدين. ولكل هذه الأسباب أصبحت سياسة الهوية بحسب فوكوياما مؤشرًا هامًا ورئيسيًا لتفسير الكثير مما يجري في الشؤون العالمية.
بحسب فوكوياما؛ مثّل انتخاب ترامب في هذا الإطار علامة صارخة على احتضان اليمين سياسات الهوية. حيث يشعر العديد من أنصار الطبقة العاملة البيضاء. والمحافظون الذين يعيشون في المناطق الريفية، ويمثلون العمود الفقري للحركات الشعوبية ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضًا في العديد من البلدان الأوروبية. بأنهم تعرضوا للتجاهل من قبل النخب. وعلى الرغم من كون الغالبية العظمى من هؤلاء أعضاء في مجموعة عرقية مسيطرة، فإن العديد من أعضاء الطبقة العاملة البيضاء يرون أنفسهم ضحية ومهمشة، وهذه المشاعر مهدت الطريق لظهور سياسة الهوية اليمينية التي اتخذت، في أقصى حالاتها، شكل القومية البيضاء العنصرية الصريحة.
ويشير فوكوياما إلى أزمة اليسار الغربي بعد أن علق الماركسيون والديمقراطيون الاجتماعيون آمالهم في زيادة المساواة الاجتماعية والاقتصادية من خلال استخدام سلطة الدولة، وذلك عبر توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الاجتماعية لجميع المواطنين وإعادة توزيع الثروة. إلا أنه ومع نهاية القرن العشرين، اقتربت حدود هذه الاستراتيجية من نهايتها. إلاّ أن فوكوياما يتغافل أسباب هذه الأزمة الذي نبه لها المفكر الاقتصادي المصري الراحل الدكتور سمير أمين في كتابه الفيروس الليبرالي ، حيث حذر فيه اليسار الأوروبي من سياساته الجديدة والتحول من مبدأ العدالة الاجتماعية والأخذ بالقيم الليبرالية ودفع الحريات الاقتصادية والفردية أولويات في برامجه والتنكر لسياساته السابقة وفي القلب منها “العدالة الاجتماعية ” ، وحذر من هذا الطريق الذي يقود إلى تفاوت اجتماعي سيقضي على الطبقة الوسطى ، ويفضي إلى القلة الثرية والاغلبية في القاع كما هو حاصل في الولايات المتحدة.(6)
حيث كان على الماركسيين في ذلك الوقت مواجهة حقيقة أن المجتمعات الشيوعية في الصين والاتحاد السوفييتي قد تحولت إلى ديكتاتوريات غاشمة وقمعية. بينما في الوقت نفسه، أصبحت الطبقة العاملة في معظم الديمقراطيات الصناعية أكثر ثراءً وبدأت في الاندماج مع الطبقة الوسطى.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، انحسرت الماركسية إلى حد كبير، وعقد الديمقراطيون الاجتماعيون سلامهم مع الرأسمالية. وتقلصت طموحات اليسار في الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الواسع النطاق، ليحتضن عوضًا عن ذلك سياسات الهوية والتعددية الثقافية في العقود الأخيرة من القرن العشرين. حيث استمر شغف اليسار بالمساواة كما هو، ولكن جدول أعماله تحول هذه المرة من التركيز السابق على مطالب الطبقة العاملة إلى مطالب دائرة متزايدة الاتساع من الأقليات المهمشة.
وأبرز ما تناوله فوكوياما في مقالته خطورة، دعوة الديمقراطيات الغربية إلى تعزيز هويتها القومية أيديولوجياً، التي لا يتم بناؤها كما يقول حول الخصائص الشخصية المشتركة، أو الخبرات المعيشية، أو العلاقات التاريخية، أو المعتقدات الدينية، بل حول القيم والمعتقدات الوطنية.
في هذا السياق ينتقد فوكوياما ما وصفه بدعم اليسار الأوروبي في العقود الأخيرة شكلاً من أشكال التعددية الثقافية، الذي قلل من أهمية دمج القادمين الجدد في الثقافات القومية العقائدية. تحت راية مناهضة العنصرية.
ويدعو فوكوياما في أطروحته الجديدة الدول الأوروبية إلى فرض شروط تجنيس صارمة على المواطنين الجدد، كما فعلت الولايات المتحدة من قبل، وفق شروط وإجراءات جادة منها إثبات الإقامة المستمرة في البلاد لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى القدرة على القراءة والكتابة والتحدث باللغة الإنجليزية إلى جانب فهم تاريخ الولايات المتحدة وحكومتها، وتأكيد احترام مبادئ ومثل الدستور الأمريكي عن طريق أداء قسم الولاء للولايات المتحدة.
ومن أجل تعزيز الهوية القومية الأمريكية العقائدية يقترح طرح متطلب أداء الخدمة الوطنية، وذلك إما بالتجنيد في الجيش أو من خلال العمل في دور مدني، مثل التدريس في المدارس أو العمل في مشاريع للحفاظ على البيئة ممولة من القطاع العام.
ويعتقد أنه إذا تم تنظيم الخدمة الوطنية بشكل صحيح، فإنها ستجبر الشباب على العمل مع الآخرين من الطبقات الاجتماعية المختلفة، والأقاليم، والأعراق، تماماً كما تفعل الخدمة العسكرية، كما يدعو أيضًا في هذا الإطار إلى تدشين نظام هوية شخصية وطني، من أجل تتبع هويات العمال في الشركات وتمييز المواطنين والمقيمين من المهاجرين غير الشرعيين.
ولكن عندما نتأمل فحوى ما يدعو إليه فوكوياما كمطالبته بفرض الخدمة العسكرية والمدنية على المواطنين الأمريكيين، ودعوته إلى تدشين نظام وطني لتحديد الهوية، فإننا سنجد أن مثل هذه السياسات ستترك في الأخير آثارًا وخيمة على ملامح ونمط الحياة الأمريكي نفسه الذي يشكل الهوية العقائدية السياسية التي يدافع عنها فوكوياما.
وسنعرض في الأسبوع القادم مقارنة بين أطروحة جارودي وهنتجتون .
(1) في صيف عام 1989 نشرت مجلة «The National Interest» الأمريكية مقالًا للمنظر وعالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما بعنوان «نهاية التاريخ»، وهو المقال الذي شكل الأساس لاحقًا لأطروحة كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» في عام 1992، ونال بسببه فوكوياما الشهرة العالمية التي يتمتع بها الآن.
(2) في رد مباشر على أطروحة فوكوياما كتب عالم السياسة الأمريكي الشهير صمويل هنتنجتون خلال عام 1993 مقالًا في مجلة Foreign Affairs بعنوان «صدام الحضارات»، العنوان ذاته الذي صدر تحته كتابه الأشهر «صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي» الذي توسع خلاله في أطروحته التي قدمها في ذلك المقال، الذي ذهب إلى أن المحرك الرئيسي للصراعات بين البشر في السنوات القادمة. في طريقه للتحول بعد انتهاء الحرب الباردة من الاختلاف الأيديولوجي، إلى اختلافات الهوية والثقافة.
(3) كتاب ” فخ العولمة” للمؤلفين: هارالد شومان, هانس بيتر مارتن من أهم الكتب التي ناقشت هذا الموضوع المطروح كمصطلح طحلبي ( الطحالب محرومة من الجذور) الى جانب العديد من المصطلحات الطحلبية التي يفرض تداولها بفعل آلة إعلامية مهيمنة. ولقد تجلت أهمية هذا الكتاب بنجاحه الفائق. ذلك النجاح منقطع النظير الذي لقيه في ألمانيا. حيث طُبع تسع مرات في عام واحد منذ أن صدرت طبعته الأولى باللغة الألمانية، في برلين عام 1996 عن دار روفولت Rowohlt . والحقيقة أن الميزة الأساسية التي تميّز بها هذا الكتاب، هي تلك المقدرة اللافتة للنظر التي يمتلكها مؤلفا الكتاب، على تبسيط وشرح واستخلاص أعقد الأمور والقضايا، والنتائج التي تنطوي عليها قضية العولمة Globalization ، وهي القضية التي كثر الحديث عنها- فجأة- ليس فقط على المستوى الأكاديمي، وإنما أيضاً على مستوى أجهزة الإعلام والرأي العام والتيارات السياسية والفكرية المختلفة.
(4) فخ العولمة ص 12 عالم المعرفة عدد 238 أكتوبر 1998
(5) المرجع السابق ص22-23
(6) د.سمير أمين الفيروس الليبرالى الحرب الدائمة وأمركة العالم
* نشر في صحيفة الثورة اليمنية بتاريخ : ديسمبر 11, 2018