في بيانها السبت أعلنت السعودية مسؤوليتها عن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وضمن رواية ركيكة قالت السعودية إن شجاراً بالأيدي أدى لمقتل خاشقجي!! بينما تركت كماً هائلاً من الأسئلة وراء هذه الرواية التي لم يتقبلها المجتمع الدولي.
كان باعتقاد مخرج القصة أنها كفيلة بحماية الأمير القاتل الذي يوصف حالياً في الاعلام الدولي بأمير المناشير أو الأمير القاتل حسب صحيفة دير شبيغل الألمانية، ولكن يبدو أن النتائج كانت عكسية، لم تقنع حتى الحليف الجشع ترامب والذي يناور مناورة التاجر الماهر لاقتناص أكبر قدر ممكن من المليارات السعودية مقابل تصريح يريح أعصاب بن سلمان المتوترة لينقضه لاحقاً بتغريدة ترفع التوتر مرة أخرى.
بالنظر إلى الطريقة التي تمت بها عملية قتل خاشقجي يتضح أن الأمير القاتل وقع في فخ نصبه له المستفيدون اليوم من القضية بشدة وهم الأمريكي في المقام الأول وبقية المطالبين بكشف الحقيقة وإظهار السر الذي لم يعد سراً؛ فقد كان بمقدور بن سلمان أن يتخذ أكثر من وسيلة لتصفية معارض لا يوزن بأمراء من الأسرة تم استدراجهم إلى الأراضي السعودية وغابوا في سجون الأمير القاتل، ولم يكن أمراً مستحيلاً تصفيته بطرق أكثر ذكاءً وأقل تبعة، ولكن لأن الأيادي الخفية أرادت لهذه الحادثة أن تظهر كما هي اليوم أقدم الأمير القاتل على استخدام العشرات من رجال الأمن والاستخبارات وعدد من الطائرات والسيارات والكثير من الأدوات الميكانيكية اللازمة للعملية.
أدرك القاتل مدى بشاعة الجريمة وغباء التخطيط والتنفيذ واصطدم بالحملة الدولية التي لم تهدأ حتى بعد بيان المملكة الهش والذي عكس مدة تخبطها وارتباكها في هذه القضية ومن يلاحظ تدرج التصريحات التي يلقيها ترامب كل يوم عن القضية يدرك أن الرجل حصل على الحليب الكامل من البقرة المنهكة من كثرة الحلب على مستويات عدة قبل الجريمة وبعدها، ما سيصدم الأمير القاتل هو تصريحات ترامب التي سيسمعها بعد الدفع والتي تؤكد له أن التاجر لم يحتسب بعد المبالغ المقيدة في حسابه مقابل إغلاق الملف المزعج.
لن يتفرج الأوربيون وهم من يتشدقون بحقوق الانسان على ترامب وهو يتقاضى مئات المليارات عقب كل تغريدة على تويتر لا تكلفه شيئاً عندها لن يكون غريباً أن تتغير لهجة فرنسا أو بريطانيا بعد أيام إذا ما تم الدفع بنجاح.
ولكن هل سيقتنع الرأي العام العالمي بما اقتنع به ساسة الدول وزعماؤها المستفيدون؟ سيكون من الصعب على الأمير القاتل أن تنصرف الرأي العام العالمي عن الصحفي المقتول إلا إذا فاجأ العالم بحدث أكبر ربما حرب إقليمية أو صفقة تخدم الكيان الإسرائيلي تعمل على إنجاز ما يسمى صفقة القرن أو إعلان التطبيع العلني مع العدو الصهيوني مقابل طوق نجاة تلقيها له لوبيات الكيان الصهيوني وآلاته الإعلامية كما تفعل الصهيونية مع كثير من الزعماء الذين يستدرجون في فضائح لا يجدون لها حلاً سوى خدمة جليلة تقدم للكيان الصهيوني، كما لا يستبعد تفجير الوضع في لبنان لصرف اهتمام الصحافة العالمية عن القضية إلى الحدث الجديد.
بعد سقوط خاشقجي في أيدي عملاء بن سلمان سقطت حجر الدومينو الأولى والتي تداعت بعدها أحجار كثيرة كانت تمثل غطاءً دولياً لجرائم المملكة بحق الشعب اليمني الذي يقتل ويحاصر ويجوع بسبب العدوان الذي يقوده نظام يقدم كل يوم دليلا ً على وحشيته كما هو دليل على قرابته وصلتة بداعش التي لا تختلف عنها في الوسيلة والوحشية.
كان الأمير القاتل يلمع جرائمه ويخفي بشاعتها بواسطة شركات العلاقات العامة التي تمسح يديه بعد كل جريمة يرتكبها بحق الشعب اليمني لأن الضحية شعب فقير ودولة لا يؤبه لها وحربها منسية وأطفالها لا يهتم لموتهم أحد ولكن ما بعد خاشقجي سيكون مختلفاُ وفعلاً ظهر كان؛ فالكثير من شركات العلاقات العامة التي تعاقد معها بن سلمان أصبحت تشعر بالحرج من التعاقد مع مجرم قاتل وشاب تلطخت يده بالدماء الكثيرة.
ربما اعتقد النظام السعودي أنه بتوقيت إعلان تلك الرواية السخيفة أنه سينقذ "مؤتمر دافوس الصحراء" الذي غاص في رمال المملكة الساخنة و يوقف سيل الانسحابات المتدفقة من هذا المؤتمر الذي دفع في سبيله الكثر من المال والجهد وعلق عليه آمالاً عريضة لجلب الاستثمار إلى مملكة اعترفت للتو أنها قتلت معارضاً صحفياً بالمنشار في قنصليتها علي أراضي دولة أخرى، ولكن كما هو العقل المدبر للجريمة غبياً كان الاعلان غبياً أيضاً فقد فتح الإعلان باباً عريضاً من الأسئلة؛ عن الجثة ومصيرها وملابسات الحادث ومن المدبر ووو إلخ من الأسئلة الكثيرة التي وصفت بكرة ثلج في صحراء لا تذوب حتي يذوب معها الفاعل الحقيقي.
يتوقع الكثير أن هذه الحملة الدولية المتواصلة والضغط الرسمي والإعلامي على القاتل ونظامه ستؤدي إلى تهدئة ملفات ساخنة تسعرها المملكة وأميرها القاتل كالعدوان على اليمن ومقاطعة قطر والحرب الكونية على سوريا، قد يبدو ذلك مقبولاً وممكناً لكن بالنظر إلى كون السعودية أداة وظيفية لمحرك أصيل يقف وراءها فمن المتوقع أن تظل الملفات ساخنة على حالها إلا في حالة تعرض الأسرة الحاكمة لتصدع وخلاف شديد ربما يطيح بالأمير القاتل فإنه ستهدأ لفترة وجيزة حتى تعيد واشنطن ترتيب البيت السعودي وتنصيب ملك جديد بمواصفات أكثر تبيعة للبيت البيض الأمريكي.
لا تزال كرة الثلج تتدحرج في صحراء الرياض ولن تكتفي بـ 18 رجلاً كباش فداء أو إقالة هيئة استخبارات والتحقيق مع بعضهم لأن المملكة ليست بلد مؤسسات يتصرف فيه الموظف حسب القوانين أو اللوائح بل بلد يحكمه نظام ملكي مركزي يرأسه شاب من "الطراز القبلي القديم يسعى لحكم البلد كما فعل جده" حسب تعبير الضحية خاشقجي، ستستمر الضغوط وربما تصل إلى رأس بن سلمان نفسه وكما تم تغيير سلفه بولي ولي عهد فإن ولي ولي عهد جديد في الانتظار.