تواجه المملكة السعودية أزمات مختلفة، منها أزمات جذرية في ببنية النظام السعودي، ومنها أزمات راهنية مطردة مُتعلقة بسلوك المملكة وواقعها العام الذي يتجه نحو آفاق مسدودة، وخاصة مع طول فترة العدوان على اليمن وارتدادات فشله على الداخل السعودي.
حركة الجدل والتفاعل التي تجري في السعودية وتغتلي بنيران عدوانها على اليمن، تعطي نتائج في غير صالحها، ويجري هذا التفاعل المتبادل بين المشاكل الجذرية الجوهرية وبين المشاكل العارضة الراهنة.
الأزمات الجذرية تجعل السعودية عاجزة عن معالجة المشاكل العارضة والمتجددة بوتيرة كبيرة ويتأتى هذا العجز من عدم قدرتها على حسم عدوانها على اليمن، والمشاكل الجديدة تعمل بدورها على تعميق الأزمات الجذرية، وتزيد من صعوبة حلها.
في صدارة المشاكل الجذرية، تظهر مُشكلة انهيار آلية انتقال السُلطة داخل الأسرة المالكة، واتساع عدد الأمراء الأحفاد، ومساعي سلمان لحصر انتقال الملكية في أُسرته، وما يتبع هذه المساعي من قضايا اعتقالات ومصادرات أموال وإقالات لأولاد العمومة، وهي أزمات لا يُمكن حلها بدون تغير شكل النظام وطبيعته، ولا تساعد على معالجتها أي تسوية إقليمية.
في المستوى الثاني من الأزمة الجذرية، تكمن المشكلة الاقتصادية الاجتماعية السياسية، وهذه المشكلة تتعلق بعدم قدرة نظام النفط على الاستمرار، والحاجة إلى تنوع القطاعات الاقتصادية وما يرافق ذلك من سقوط نظام الرفاه وانخفاض مستوى المعيشة، وتوجه السعوديين والسعوديات إلى سوق العمل وتوسع الطبقة الرأسمالية الصناعية (الوطنية) ومجيء الاستثمارات الأجنبية.
كل هذه التطورات الاقتصادية تزعزع النظام الذي كان قائماً على قاعدة أن الدولة تغدق على رعاياها من ريع النفط فيعيشون في رفاهية، ولا يتدخلون في القضايا السياسية ولا يشعرون بحاجة إلى صياغة الحقوق العمالية وحقوق رجال الأعمال، ولا الحاجة إلى دستور يجعل من الأمراء على ذات القاعدة القانونية لبقية القوى المنتجة والمتمكنة مالياً واقتصادياً.
كما أن السيطرة الوهابية يسقط سقف شموليتها الأيديلوجية بالتطور التقني، فالوهابية التي كانت ملائمة للنظام الريعي اقتصادياً ليست مناسبة للانفتاح وتنويع قطاعات الاقتصاد وسعودة العمل واستقرار الاستثمار الأجنبي، ولم يعد الغرب أيضاً قابلاً لاستمرار الوهابية التي مثلت ركيزة أساسية في الدولة السعودية، خاصة من بعد ظهور داعش وخروج "الإرهاب" عن السيطرة.
وفي القضايا الراهنية المتجددة، تبرز قضايا عديدة منها ديبلوماسية مع (كندا) و(ألمانيا) و(الكويت)، ومنها سقوط الحكومات التابعة لها في (لبنان) و(ماليزيا) و(المالديف) و(باكستان)، وتطور الأوضاع في سوريا بخدمة الأسد، والأزمة مع قطر وعُمان، والحِراك التي تشهده المحافظات الجنوبية اليمنية الرافضة للاحتلال، كل هذا يُضعف من الحضور والزخم السياسي السعودي التي كانت تتمتع به سابقاً وأنفقت المليارات في الإبقاء عليه.
فشل العدوان على اليمن، يحفز وينضج كل هذه الأزمات، فالمملكة تفقد سمعتها الدولية السياسية والاخلاقية، وتنفق معظم موازنتها على السلاح، وفي إسكات الأصوات الدولية والشخصيات والمنظمات عن الجرائم، وتفرض الضرائب على مواطنيها وتطرح الشركات للبيع وتنهب الأمراء، وكل هذا السلوك العدواني المتخبط بالاضطرار يحفز بقية الأزمات ويُعجل من سقوط المملكة بإذن الله.
تواجه السعودية أزمة انتقال السُلطة داخل الأُسرة الملكية، ومحاولة سلمان حصرها في أُسرته، وهذه الأزمة تتطور بشكل كبير خاصة مع انكسارات حرب سلمان في اليمن، وهو الأمر الذي يرى بنو سعود بأنه يؤدي إلى تدمير الدولة السعودية ذاتها، قد انعكست هذه الحقيقية في تصريح آخر الأمراء أحمد بن عبد العزيز في لندن الشهر الماضي 3/9/2018، حين قال بأن المشكلة مع اليمن هي مشكلة السُلطة سلمان وابنه وليست مُشكلة أسرة آل سعود. واستمرار العدوان على اليمن يجعل الأسرة الحاكمة تتخوف على وجودها كعائلة حاكمة ونظام ملكي.
حيث أن نجاح بن سلمان في اليمن وانتصاره يجعل منه رمزاً يشبه جده عبد العزيز ويظهر كملك قوي لا ينافسه أحد.
ظهرت هذه الأزمة بصورتها الحقيقية في أزمة الأمراء الرهائن حين قام بن سلمان باحتجازهم 4/11/2017. وعملية الاقالات التي قام بها سلمان مُستبعداً كل مراكز القوى العسكرية والأمنية والدبلوماسية التي قد تمثل خطراً محتملاً على ولده درب الامير محمد بن سلمان.
أزمة انخفاض سِعر النفط، وسعي العالم إلى بناء مُحركات طاقية لا تعتمد على النفط، وكذلك تطور التقنية التي تُسهل استخراج النفط الصخري.
يرتبط بهذه المشكلة مساعي السعودية لتنويع المصادر الاقتصادية وترك الاعتماد الكلي على النفط هذا الإطار جاءت رؤية بن سلمان 2030م حتى تبقى كمملكة ولا تفقد وجودها بفَقد النفط لأهميته وسعره إلا أن هذه الرؤية تنتكس اليوم، أسباب انتكاسها ما يلي:
وتشهد المملكة العربية السعودية ارتفاعاً للأسعار بنسبة 300%، وعمليات سعودة العمل وفرض الضرائب، تتظافر مع الأمة الاقتصادية الجذرية، وكلها تؤدي إلى مزيد من تخلخل المجتمع والدولة السعودية التي تُبقي على وجودها الحالي بقوة الأمن والاستخبارات والدعم الأمريكي، لأن الوضع الذي قامت عليه طوال الفترة الماضية يندثر وهو وضع توزيع ريع النفط على الشعب وسيطرة الوهابية على المجتمع، والوضع الجديد الذي يُفرض أن تقوم عليه السعودية بخطة 2030 لم يعد بالإمكان تنفيذه إلا بشكل مشوه لا يُعطي المملكة مُستقبلاً.
تفقد السعودية حضورها الدولي، وقدرتها السابقة على حشد "الحلفاء" والأصدقاء والركون إلى مساعدتهم بما فيهم الأمريكان، وإظهار توجهاتها ومشاريعها كمشاريع دولية، او عربية إسلامية، وفي القضايا الراهنية والعارضية، تبرز قضايا عديدة منها:
فشل العدوان على اليمن واستمراره، يحفز وينضج كل الأزمات الجذرية المتعلقة بهيكل النظام ذاته السياسي الأسري والاقتصادي الاجتماعي، وكذلك الأزمات الراهنة والجديدة، فلا تكاد المملكة تحاول معالجة أزمة، إلا ودخلت في اُخرى، فاستمرار العدوان يُحفز هذه الأزمات، وهي كالتالي:
المملكة السعودية تفقد سمعتها الدولية السياسية والإنسانية، وهو ما يفقد حضورها السياسي الدولي يوماً بعد يوم، ويزيد من الأصوات المطالبة بوقف الحرب على اليمن.
الإنفاق الجنوني على شراء السلاح، وقد بلغ في عام (2015) 13.5% من ناتجها المحلي الإجمالي (87 مليار دولار)، وشكلت تكاليف الحرب أغلب عجز الموازنة بالمملكة في ذلك العام. في حين أن نفقات الدفاع لمنافستها الأكبر إيران، بلغت 3% فقط. وهكذا يستحوذ القطاع العسكري على أموال بقية القطاعات الاقتصادية والخدماتية في الوضع الراهن، مما يُزيد من إضعاف المملكة اجتماعياً واقتصادياً ومشاكل مستقبلية.
مختلف القطاعات الاقتصادية في السعودية تعاني في ظل الإنفاق على الحرب، تتعرض لخسائر باهظة، أدت إلى توقف الإنتاج، وتسريح العمالة، وزيادة نسبة البطالة خاصة في قطاع الإنشاءات والمقاولات كما تستمر في الإنفاق من أجل إسكات الأصوات الدولية والشخصيات والمنظمات عن الجرائم. ومؤخراً فرقت السلطات السعودية بالأعيرة النارية متظاهرين من عمال مشروع أجيال أرامكو في الظهران، إثر احتجاجهم على توقف صرف رواتبهم منذ ستة أشهر، بسبب استهداف فروع أرامكو من قبل القوة الصاروخية اليمنية.
وما يُشير بشكل واضح إلى استفحال الأزمة الاقتصادية السعودية مع استمرار العدوان هو التوسع في سياسة الاقتراض الخارجي، وتقليص الإنفاق الحكومي، وتوقف المشاريع والمنح والإعانات ورفع الدعم عن السلع الأساسية وتحديدًا المياه والكهرباء، وفرض رسوم وغرامات جديدة على الحجاج والمغتربين، إلى جانب زيادة الضرائب على السلع بنسب وصلت إلى 100% في بعض السلع.
فرض الضرائب على مواطنين، وإدخال السعوديين والسعوديات في مجال العمل، هذا الأمر سوف يجعل العمال والعاملات والموظفين السعوديين يعون وجودهم كذات فاعلة في المجتمع والدولة، يطالبون بحقوقهم الاقتصادية، وكذلك السياسية ويوسع من شريحة الناقمين على السُلطة السعودية.