نظم مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني يوم الخميس 19 يوليو 2018 ندوة بعنوان "معركة الساحل الغربي في ضوء الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وأطماع القوى الاستعمارية في السواحل اليمنية عبر التاريخ"، وقد حضرها الأستاذ محمد صالح النعيمي عضو المجلس السياسي الأعلى، كما حضرها الأستاذ فضل أبو طالب والدكتور إسماعيل الوزير والأستاذ أحمد المنيعي والأستاذ عبود أبو لحوم والأستاذة أخلاق الشامي من المكتب السياسي لأنصار الله، والدكتور ياسر الحوري أمين سر المجلس السياسي الأعلى، والأستاذ صالح الخولاني وكيل وزارة الأوقاف والسفير عبد الإله حجر عضو الوفد الوطني المفاوض والأستاذ حسن بن يحيى زيد نائب وزير الشباب والرياضة والأستاذ طارق سلام محافظ عدن والشيخ ضيف الله رسام رئيس مجلس التلاحم القبلي والعقيد عزيز راشد مساعد ناطق الجيش والعميد عابد الثور والدكتور محمد الكامل والأستاذ محمد المنصور المدير التنفيذي للمركز والدكتور عبد الملك عيسى أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء والدكتورة ابتسام المتوكل رئيسة الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان والأستاذ إدريس الشرجبي رئيس تكتل ناصريون ضد العدوان والأستاذ نايف حيدان عضو مجلس الشورى إضافة إلى العديد من الأكاديميين والمهتمين والباحثين والعديد من الأخوات الناشطات والباحثات والاعلاميات.
وقد قدم فيها الدكتور أحمد العرامي ورقته التي وصف في مقدمتها العدوان على اليمن بأنه جزء من مخطط أمريكي باسم الشرق الأوسط الجديد القائم على التفكيك والتقسيم والذي أعلن عنه رسمياً في 2006 إبان العدوان الصهيوني على لبنان الشقيق، والذي يهدف إلى إلغاء الهوية العربية الإسلامية واستبدالها بالهويات المذهبية والطائفية من أجل شرعنة مشروع يهودية الكيان الإسرائيلي وبالتالي يتم تقسيم المقسم وتجزئة المجزئ. موضحاً أن الأنظمة الخليجية تقوم بدور الوكيل لتنفيذ السياسات الأمريكية في المنطقة العربية ومن هذه الأدوار: "العدوان على اليمن"، وتم تفويضها بهذا الأمر لتتفرغ الولايات المتحدة الأمريكية لتقوية نفوذها في المحيط الهادي لمواجهة الصين التي اتجهت نحو آسيا وأوروبا لذلك اشتدت ضراوة همجية العدوان في الساحل الغربي وخاصة في معركة الحديدة.
المحاضر أشار إلى الإدراك المبكر للرئيس الشهيد صالح الصماد الذي تنبه إلى أهمية المعركة عبر نزوله المتكرر لمحافظة وعقد الجلسات الوزارية هناك والتي اختتمت بنزوله التاريخي بعد تصريحات السفير الأمريكي بأن أهالي الحديدة سيستقبلون الغزاة بالورود فرد عليهم بأن أبناء الحديدة سيستقبلونهم بخناجر البنادق ودعا يومها إلى مسيرة البنادق ولكن العدوان قام بجريمة اغتيال الرئيس الصماد في نفس اليوم ليكتب في ذاكرة الوطن شهيداً خالداً.
استعرض المحاضر الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر والجزر المنتشرة خاصة تلك التي تخص الدولة اليمنية كما أشار إلى الأهمية الجيوسياسية لمضيق باب المندب الذي يعتبر ممراَ ملاحياً مهماً زادت أهميته بعد افتتاح قناة السويس المصرية حيث يعتبر باباً مقابلاً للقناة يغلق البحر كما حدث في حرب 1973م.
في محور التنافس الدولي على النفوذ والسيطرة على البحر الأحمر أشار الدكتور العرامي إلى التنافس الدولي الدائر في البحر الأحمر حيث رصد مجموعة متداخلة من النزاعات السياسية ذات الطابع الدولي أو الاستراتيجي أو الإقليمي أو الحدودي أو الثقافي أو الاجتماعي أو العرقي أو العنصري، بينما تساعد الجغرافيا السياسية والاقتصادية ومقاصد الدول الكبرى على فهم أعمق لطبيعة النزاعات في البحر الأحمر، في مقدمة الدول الكبرى الأكثر نفوذاً في البحر الأحمر تأتي الولايات المتحدة الأميركية التي يشكل البحر الأحمر محوراً مهماً لأي عمل عسكري محتمل يهدد مصالحها في المنطقة وما حولها، وكذلك ضمان أمن الكيان الإسرائيلي الذي تتعهد به واشنطن لمنع سيطرة قوى معادية على البحر الأحمر وخاصة مضائقه المهمة. وربما تكون معركة الساحل الغربي خير شاهد على ذلك فتل ابيب تعتبر كل الدول المطلة على البحر دولاً صديقة أو غير معادية لكيانها الغاصب وترى في سيطرة اليمن على قراره وسيادته على أراضيه ومياهه تهديداً لها وهو ما أكدت عليه دراسة من معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي مؤخراً ونطق به الإرهابي نتنياهو في أحد تصريحاته سابقاً.
إضافة إلى روسيا والمملكة المتحدة وفرنسا التي تتواجد في البحر بقواعد عسكرية ونفوذ متنوع، ولعل أبرز تلك القوى الدولية التي تولي البحر الأحمر أهمية استراتيجية ملفتة لأنظار الباحثين هي الصين التي أسست أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في البحر الأحمر معلنة بذلك ارتفاع درجة التنافس الدولي هناك.
وعبر التاريخ كان للبحر أهميته الاستراتيجية التي دعت القوى العظمى حينها إلى التوجه نحو البحر الأحمر من البرتغاليين إلى الألمان والإيطاليين والبريطانيين الذين توجدت قواتهم في البحر وقاموا باحتلال بعض الجزر المهمة فيه.
أما الكيان الصهيوني فقد أفرد له الكاتب محوراً خاصاُ باعتبار أن ما يدور الآن في الساحل الغربي من عدوان على محافظة الحديدة إنما هو تنفيذ بأيادي عربية لمخطط صهيوني يضمن أمن إسرائيل في البحر الأحمر، حيث تعتبر إسرائيل في منظومة أمنها القومي الاستراتيجي ضرورة السيطرة على البحر الأحمر وضمان تبعية الدول المطلة عليه للكيان الصهيوني، فقد سعى الكيان مبكراً إلى التواجد في البخر الأحمر عبر اتفاقية مع أثيوبيا تقضي بتأجير جزر دهلك وحالب للكيان الصهيوني وبعد استقلال أرتيريا استمرت العلاقات بين البلدين حيث أعلن الكيان الصهيوني حينها حصول إسرائيل على صديق جديد في المنطقة.
وقد استغل الكيان مسألة الحرب على الإرهاب للتواجد في المنطقة فقد أعلن المرصد الفلسطيني عن بناء قواعد تجسس معلوماتي واتصالات في جزر ارتيرية تسمح له بالتنصت والسيطرة الاستخبارية على المنطقة واليمن خصوصاً.
يكفي لمعرفة مدى اهتمام العدو الصهيوني بالسيطرة على البحر الأحمر تصريحات كانستلون قائد البحرية الصهيونية التي قال فيها: "نحن نملك أسطولاً بحرياً يعمل في جميع موانئ العالم وسيرتفع عدده ولهذا فعلينا أن نعد العُدة لمستقبل تستطيع فيه أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار المفروض علينا وأن نفرض الحصار على بعض الدول العربية بشكل أقوى مما فرضوه علينا. أي باختصار، مطلوب منا أن تكون لدينا خطة نستطيع عن طريقها أن نحول البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بالتدريج".
وهنا يمكن تلمس الأسباب الحقيقية للعدوان على الساحل الغربي والذي لم يقتصر على معركة الحديدة كما يتوهم البعض بل هو ممتد منذ اليوم الأول للعدوان ومنذ احتلال عدن والمخا وذو باب والخوخة وصولاً إلى محاولة احتلال الحديدة حالياً، فالعدو الصهيوني وبمساعدة أمريكية وغربية وتنفيذ عربي يقوم بتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بالفعل، فعند النظر إلى الدول المشاطئة للبحر نجد أنها كلها إما تربطها علاقات دبلوماسية مع الكيان كمصر والأردن وأثيوبيا وارتيريا أو دول صديقة له بالخفاء كالنظام السعودي، أما اليمن فهو اليوم تحت المطرقة التي تحاول إعادة تشكيله في إطار التطبيع والمشاركة في ضمان أمن الكيان الصهيوني.
في محور خاص بصراع الموانئ تطرق الكاتب إلى مشروع طريق الحرير وفق اعتبارات صينية اقتصادية وسياسية (وهي رد مباشر على الاستراتيجية الأمريكية في المحيط الهادي).
هذا المشروع يتبنى إنشاء وتطوير موانئ على خارطة طريقه البحرية ومنها ميناء جوادر الباكستاني وهو ما يعنى إلغاء ميناء دبي المعتمد على التبادل التجاري بين الشرق والشرق الأوسط ومركزاً تجارياً وجاذباً للاستثمارات وفي حال توجه الحركة التجارية نحو ميناء جوادر الباكستاني سيمثل ذلك ضربة قاصمة للاقتصاد الإماراتي،
وفي ضوء ذلك تتضح أهداف دول العدوان من معركة الساحل الغربي وهي استكمال السيطرة على الموانئ اليمنية واحتلالها من سقطرى وعدن إلى ميدي مروراً بجزيرة بريم.
كما قدم المشاركون مداخلات مهمة تناولت أبعاد المعركة وخطورتها على اليمن وإن حملت عناوين إنسانية كمبرر لعملية الاحتلال، المشاركون أكدوا على أن المعركة ليست اقتصادية بحتة بل هي تحمل أبعاداَ سياسية وتأتي في سياق مخططات أمريكية صهيونية معلنة ولم تعد خافية على أي مطلع أو متابع لما يدور في المنطقة، ولم يعد لمبرر الشرعية وإعادتها أي قيمة بعد منع هادي من ممارسة أي مهام بل ووضعه تحت الإقامة الجبرية إلى ما قبل معركة الساحل الغربي بأيام، وقد أكد السفير السابق الأستاذ عبد الإله حجر أنه وفي اتصال له مع رئيس فريق خبراء حقوق الإنسان أفاد أن هادي كان يشكو من الإمارات وفرضها موانع أجبرته على عدم قدرته على اتخاذ أي قرار.
مضيفاً أن كان اليمن يعد تحت العباءة الأمريكية وداخل ضمناً في منظومة الدول الموصوفة بغير المعادية وغير المهددة لأمن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر إلى ما قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م.
الأستاذ محمد النعيمي عضو المجلس السياسي الأعلى أوضح أن أسباب العدوان متعددة أمريكية وصهيونية، ومنها أهداف مرحلية حيث تسعى السعودية للسيطرة على اليمن وفرض التقسيم عليه بينما الغرب يسعى لتقسيمها إلى خمسة كيانات ضعيفة.
في مداخلة له أكد العقيد عزيز راشد مساعد الناطق الرسمي باسم الجيش واللجان الشعبية على ضرورة رفع مستوى التوعية بأهمية الموقع الجغرافي لليمن في أوساط الشعب اليمني حتى يتسنى له استيعاب وفهم أسباب العدوان على اليمن بشكل عام والساحل الغربي بشمل خاص بعيداً عن التضليل الذي تمارسه و سائل إعلام العدوان، وبالتالي التحشيد والدفع بالرجال المقاتلين إلى الجبهات ليدافعوا عن أرضهم وثرواتهم وسيادة بلدهم وأمنه. كما أكد على ضرورة استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والدبلوماسية إلى جانب الدور العسكري الذي يقوم به الجيش واللجان الشعبية، وذلك لإظهار وكشف جرائم العدو واتخاذ الطرق المناسبة والقنوات الفعالة للوصول إلى الرأي العام العالمي.
العقيد راشد أشار إلى الأيادي الأمريكية التي أوكلت الأمر لوكلاء محليين وإقليميين للعب دور الشرطي بينما تتجه هي إلى الشرق، وعليه يسعى الأمريكيون إلى تدويل البحر الأحمر بواسطة العدو الصهيوني الذي يعتبر أن سيطرة العرب على أكثر من 90% من مياه البحر الأحمر يعني اعتباره بحيرة عربية، وقد سعى للتغلغل في أثيوبيا سابقاً وأرتيريا ً مؤخراً وقد قام العدو بإشغال مصر بنزاعات، بينما يؤكد العقيد راشد قيام النظام السابق بالتواطؤ مع المخطط الصهيوني عبر بيع أراض لجهات عربية كانت غطاءً على التواجد الصهيوني كما فعل في بيع أراض من جزيرة سقطرى لإحدى الأميرات العربيات في العام 2008م.
وقد ذكّر العقيد بتصريحات الجنرال السعودي المتصهين أنور عشقي الذي صرح بان مشروع مدينة النور الذي يربط اليمن بجيبوتي لن يكتمل إلا بالسلام مع إسرائيل.
في سياق آخر تطرق العقيد راشد إلى تمكن الجيش واللجان الشعبية من إفشال هجوم العدو على الحديدة ومنعه من تنفيذ مخططه الاستعماري والتدميري في المحافظة واليمن ككل، مشيراً إلى تنامي قدرات الجيش واللجان العسكرية والاستخباراتية التي مكنته من رصد تحركات العدو بطائرات مسيرة بل وقصف مواقعه وميليشياته سواء في الساحل أو غيره. مضيفاً أن نجاحات اليمن لم تقتصر على الجانب العسكري بل وحتى على الجانب السياسي والدبلوماسي مستشهداً بتواجد السفير الفرنسي الذي حضر مفاوضاً للجانب اليمني.
في مداخلات أخرى ومشاركات عديدة كانت الإشارة إلى مفاهيم مختلفة نبه إليها المشاركون أهمها ضرورة الابتعاد عن وصف الكيان الإسرائيلي بـ "دولة" لأنه في الحقيقة كيان غاصب ولا يجب الاعتراف به ولو حتى في الأدبيات السياسة والإعلامية.
وعن مفهوم تدويل البحر الأحمر تساءل أحد المشاركين هل يعني ذلك مرور السفن من المياه الإقليمية ومضيق باب المندب بدون دفع رسوم؟ وإذا كان ذلك الدفع قائماً بشرعة القانون الدولي والمعاهدات الخاصة بالممرات البحرية فهل نستطيع المطالبة بالدفع للدولة اليمنية في الحاضر والماضي خلال الخمسين السنة الماضية أمام المحاكم الدولية؟
في الختام نبه الأستاذ محمد صالح النعيمي عضو المجلس السياسي الأعلى إلى ضرورة توسيع عملية التوعية التي يقدمها المركز عبر هذه الندوات لتصل إلى المواطن اليمني وتصنع الرأي العام والوعي لديه بما يدور باعتبار أن مثل هذه الندوات تكون مقتصرة على النخبة وبأعداد قليلة والشعب اليمني بحاجة إلى مثل هذه الندوات لرفع الوعي لديه ما يجعله قادراً على تفهم خلفية الصراع والعمل على مواجهة هذا العدوان الغاشم، وقد اقترح الأستاذ النعيمي أن يقوم المركز بالتنسيق مع القنوات التلفزيونية والاذاعية لإقامة مثل هذه الندوات وبثها على الجمهور في أوسع نطاق.