إن توازن القوى بين القوتين خلال الأعوام الثلاثة، قد رسخت حقائق توازنات وقواعد اشتباك عدة، أبرزها أن عُرض الساحل الترابي المكشوف الطويل يعتبر ضيقاً جداً للمناورات والمعارك البرية الكبيرة، فهو لا يزيد عرضه عن 30 كيلومترا في جنوبه ووسطه، وبعدها تبتدئ سلاسل المرتفعات الجبلية المترادفة صعوداً نحو الشرق والشمال،
والنتيجة الموضوعية لهذه الحقيقة هي:
ومعنى هذا أن الاختراق العدواني الأخير في الساحل، هو عملية صبيانية حقيقة، ولكنها مع ذلك يجب أن تؤخذ كعملية مجنونة محسوبة وفقاً لخطة التفافية معدلة منسقة تعرف حدودها القصوى.
العدو يعرف هذه الحقيقة الموضوعية ويدرك نتائجها، فكيف يتعامل معها إذا؟
يواجه العدو تحديات الواقع عبر إعادة التكيف الاستراتيجي والتكتيكي، والالتفاف على التحديات من خلال:
هناك مساحة من الوقت والمعاناة تنقضي ولا بد أن تنقضي قبل أن تضع الحرب أوزارها ويضع العدو أحماله على كتفه ويرحل بعد أن تكون الحروب والصمود قد أرهقته ودوخته.
ولكن تلك المساحة والوقت الرمادي المنقضيان ويطولان بين الواقع والمنتظر والمؤمل هي التي يراهن العدو عليها ويرمي بكل أحماله وقواه أملاً في أن يستنزف المقاومة مادياً ومعنوياً بفعل الحصار وطول الحرب والعدوان.
هل نجح العدو في اختراقاته الأخيرة وهل حقق أهدافه البعيدة والقريبة؟
لقد فشل العدو في تحقيق الأهداف البعيدة والكبيرة على الساحل، وهي السيطرة على الحديدة ومحيطها ومطارها ومينائها والتأسيس لقاعدة توسعية وحصار للمرتفعات الجبلية حيث تركز الجيش واللجان وقوى الثورة.
خسر العدو الآلاف من مرتزقته ومئات المدرعات والآليات، في أكبر خسارة حربية عرفها تاريخه في اليمن منذ بداية العدوان، فلم يتكبد خسائر بهذا الحجم وخلال هذا الزمن القصير.
وزيادة على ذلك، تعرض عدد من ألويته للحصار وانتقل من الهجوم إلى الدفاع والتراجع نحو قواعده في الساحل البحري التي انطلق منها.. لقد خسر العدو معركة كبرى، لكنه لم يُسحق بشكل كامل، إنها هزيمة غير مكتملة بعد، وهذا هو الحد الأقصى الذي بلغته، فمازال هناك احتياطات كبيرة قادرة على إعادة الكرة والهجوم مجدداً.
إنه التفوق الجوي للعدو، إنها ثغرة الدفاع الجوي، وهذه المعادلة تجعل انتصاراتنا ناقصة.. لماذا؟
لأننا لا نستطيع مطاردة العدو إلى قواعده بعد كل انكسار أو هزيمة نلحقها به، فهو يفر إلى السواحل والجزر والبحر حيث تتوفر له حماية جوية ودفاع جوي مضاد –منظومة كاملة دولية– ولذلك فالمهمة الاستراتيجية الرئيسية للقيادة الوطنية حالياً هي الإسراع في إنجاز اختراق دفاع صاروخي جوي ولو محدود محلياً –ومنطقياً– بداية وهذا واجب بعيد الأمد وسيأخذ وقتاً.
لكن يمكن:
إن الآليات الحربية هي عصب المعركة الحديثة البرية، وعليها تعتمد الدول الامبريالية الإقليمية في حروبها، وفي بلادنا اعتمدت الامار ات والسعودية -إضافة إلى الطائرة- على أحدث المدرعات الخفيفة والمدولبة، وهذا الاتجاه لا يمكن تغييره أو حرفه، فهو توجه ثابت في بنية العدو وهو عموده الفقري ونقطة الضعف في وقت واحد.
تصبح المعركة في جوهرها العملياتي العدواني مرتبطة أشد الارتباط، بمصير المدرعة الخفيفة الحركة شديدة التصفيح عالية التقنية، ومصيرها محسوم سلفاً، ولا يجدي أمام قدرات اليمن الصاروخية، فالدبابة صارت هدفاً سهلاً جداً وهي تخلي مكانها للمدرعة الحديثة الأخف الأكثر مرونة.
ويتضح هذا من نسبة المدرعات المشاركة في المعارك العدوانية منذ اختراق عدن ومأرب والجوف قبل عامين ودورها الكبير في تحقيق الصدمات والمفاجئات والاقتحامات السريعة والتمدد الجغرافي والمناورة بالقوات والتسللات والالتفافات، فيما يعتمد تقدم الجيش اليمني وانجازاته على قدرته في توسيع ضرباته ضد الآليات بأنواعها.
والملاحظ والكارثي بالنسبة للعدو، أنه يعتمد على الآليات وبمقدوره تعويضها، لكن ليس خلال المعركة، إذ أنها تحتاج إلى إعادة انتاج الرجال الذين يمتطونها للقتال وهذا يتطلب وقتاً. وهذه هي الثغرة الاستراتيجية التي يمكن للجيش اليمني أن يستغلها ويطور إمكاناتها إلى الحد الأقصى.
ما زالت التاكتيكات المتبعة لدينا في الكمين المضاد للمدرعات والضرب عليها يقوم على استهدافها منفردة فتصيب بعضاً منها وتترك البقية ترحل على وجه السرعة وتعود إلى قواعدها سليمة ثم تعاود الهجوم مجدداً.
وفي ظروف المعركة الراهنة، لم تعد هذه النتيجة تناسب قدراتنا وإمكاناتنا، والتحدي الماثل أمامنا.
هو ألا يُسمح للآليات بالانسحاب بعد كل كمين، وهذا يعني إغلاق منطقه الكمين بكمائن أخرى إضافية في الخلف وفي الأمام، ولا تضرب المدرعات إلا بعد أن يكون الكمين الاحتياطي جاهزاً وقد أخذ مكانه في الخلف والمقدمة، وهي لا تتحرك إلا بعد أن تضرب من الكمين الرئيسي وتعود هاربه وهنا الكمين الرئيسي يجب أن يكون فيغلق الطريق أمام هروبها مهما كانت التحديات، لأنها تكون في أضعف أحوالها القتالية والنفسية والمعنوية وجاهزة للهزيمة الكاملة، وينطبق هذا على استخدام الطيران المسير ضد الآليات والارتال المدرعة وضرورة التناسق المتكامل بين السلاحين والعمل معا بتساند وتكامل، فالنتائج ستكون مضاعفة والفتك بالمعتدين أكبر وأشد.
أفضل شيء جماعي يمكن القيام به في مواجهة تحرك المدرعات هو الإكثار من إقامة الخنادق العريضة والطويلة والأنفاق والحفر المعيقة للحركة.
إن الأراضي الساحلية طيبة رخوة رطبة عميقة الغور وسبخة وطينية ورملية لا صخور معيقة فيها. وقد تحددت الآن اتجاهات وأهداف العدو وتحركاته الساحلية، فيجب حفر الأرض إلى الحد الأقصى، والشعب يسعده القيام بالمهمة بالآلاف بل بعشرات الآلاف من المتطوعين يسارعون إلى المشاركة الوطنية.