عادة ما تبدأ المنظمة الأممية بعبارات المجاملة التي تنص على مبدأ الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي بلد ما تناقش قضيته تلك المنظمة، وعلى غير المعتاد بدأ السطر الأول من تقرير الخبراء مبشراً بزوال اليمن كدولة من الوجود وأنه أصبح مقسماً إلى "دويلات متقاتلة" أصالة أو وكالة عن دول العدوان السعودي الإماراتي.
لم يكن الشعب اليمني يتوقع أن يصدر الفريق قراراً متوازناً يوماً ما، ولكنه لم يتوقع أبدأ أن يصدر بمثل الشكل من الأخطاء المعيبة بحق خبراء يفترض اعتمادهم على مصادر موثوقة وإتباع منهجية لائقة بمنظمة دولية، لولا أن اليد الخفية لقوى العدوان كانت حاضرة عند الإعداد له وكتابته، فقد تعامل التقرير مع اليمن باستخفاف شديد وقام بالتركيز على نقاط معينة والمرور على بعضها مرور الكرام، وتجاهل الكثير مما يزعج قوى العدوان أو يشعر المواطن اليمني بأن المنظمة الدولية تهتم لأمره ووضعه الإنساني غير المسبوق. وهو ما أدى إلى استقالة بعض المنتسبين لهذا الفريق لعدم المنهجية والموضوعية كون نتائجه يترتب عليها مصير وأمن ومستقبل شعب بأكمله.
يعرف هذا الفريق بأنه تابع للجنة الخبراء المعنية بمتابعة تنفيذ العقوبات على معرقلي انتقال العملية السياسية في اليمن قبل العدوان وقد تم تحديد مهامها واختصاصاتها في القرار المنشئ لها والذي نص على عقوبات صادرة بحق من اعتبرهم القرار معرقلين لانتقال العملية السياسية أو مخرجات الحوار الوطني والتي شملت علي صالح ونجله أحمد ومنعهما من السفر والحجز على أموالهما إضافة إلى السيد عبد الملك الحوثي وأبو علي الحاكم وعبد الخالق الحوثي شقيق السيد عبد الملك.
بعد اندلاع الحرب العدوانية على اليمن 26 مارس 2015م تابع فريق الخبراء مهمته وتم التمديد لولايته ولكن لم يتم تحديث أو تعديل صلاحياته لتشمل التحقيق في الوقائع والأحداث المصاحبة لهذا العدوان والجرائم التي يرتكبها العدوان بحق الشعب اليمني كل يوم وعلى مدار ثلاث سنوات.
صدرت للفريق عدة تقارير قوبل الكثير منها بانتقاد من قبل تحالف العدوان وصمت أو رد على خجل من قبل القوى الوطنية في صنعاء وهذا ربما أحد الأسباب التي دعت ذلك الفريق لإصدار تقرير بمثل هذا المستوى من عدم المنهجية والانحياز للجاني والقاتل والتي أدرجته يوماً في قائمة العار المنتهكة لحقوق الطفل، لتتراجع تحت ضغط الابتزاز السعودي الأمريكي.
من جهة أخرى يأتي التقرير على خلفية التجاذب الإيراني الأمريكي السعودي، والرغبة الأمريكية المستمرة في حصار إيران والنيل منها سواء بنقض الاتفاق النووي أو تمهيدا لإعادة العمل بنظام العقوبات، وابتزازها في موضوع صناعة وتطوير الصناعات الصاروخية من خلال المزاعم المتكررة بتزويدها لأنصار الله بتلك الأسلحة.
يذكرنا التقرير بتقارير لجان المفتشين التي بعثت للأمم المتحدة حول أسلحة العراق وصواريخه التي كانت تسوغ مزيدا من فرض العقوبات على العراق وتجريده من كل أنواع التطور العلمي والإدارية السياسية الداخلية الإقليمية والدولية وفرض الحصار والعزلة عليه.
وهو بذلك يعطي مادة للتشهير والتحريف والابتزاز لإيران في مجلس الأمن الدولي.
حصل فريق الخبراء على قرار تمديد لولايته من قبل مجلس الأمن لمدة عام بموجب قرار (2342 لعام 2017م) -تنتهي تلك المدة في مارس 2018- ولكن لم يتم تحديث أو تعديل مهامه السابقة بوصفه فريق خبراء تابع للجنة العقوبات على معرقلي العملية السياسية في اليمن. وعلى هذا فقد
بموجب نص التقرير، ينحصر المضمون الوظيفي لولاية فريق الخبراء في إطار مفهوم مساعدة لجنة العقوبات في تنفيذ ولايتها. وتأخذ تلك المساعدة عدة أشكال (حصرية), وذلك من قبيل:
1- معلومات لإدراج أسماء وبيانات وأفراد قد يكونون ضالعين في أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن.
2- جمع معلومات بشأن تنفيذ تدابير الجزاءات والحظر المحدد الأهداف المفروض على توريد الأسلحة.
3- التعاون مع فرق الخبراء ذات الصلة (كفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات).
وبناءً عليه:
فان إصدار الأحكام والتوصيفات المنظمة لحدود ولاية لجنة العقوبات التي تضمنها قرار مجلس الأمن (2140) والقرارات الأخرى ذات الصلة، إنما يعود حصرياً إلى لجنة العقوبات ذاتها، وبالتالي: مجلس الأمن. أما فريق الخبراء فلا تتعدى صلاحياته حدود إبداء الرأي, أو مضمون المساعدة (الاستشارية).
ولكن وعلى ارض الواقع قام الفريق بإصدار أحكام وتوصيفات لا تعتمد على أدلة موثوقة باعترافه هو فقد أشار إلى اعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات بينما اعترف بأن المعلومات التي حصل عليها من قبل " حومة هادي" مثلاً غير ذي فائدة وغير جيدة وهو الطرف البارز في العدوان على اليمن، فكيف بالتسعة عشر دولة التي تعتبر أبعد من حكومة هادي والسعودية والإمارات.
إذا ما عدنا للظروف التي أفرزت هذا الفريق وهي عرقلة العملية السياسية فيما قبل العدوان وجدير بالذكر أنه بعد العدوان بأيام صرح المبعوث الأممي لليمن حينها (جمال بنعمر) بالمعرقل الحقيقي للعملية السلمية، وهو السعودية التي اتهمها بإفشال الحل السلمي التي بات قاب قوسين أو أدنى لو لا تدخلها بما يسمى عاصفة الحزم. وها يأتي التساؤل التالي: هل لا زالت لجنة العقوبات تبحث عن المعرقل للعملية السلمية ومعرقل تنفيذ مخرجات الحوار أم لا؟
في تقاريره السابقة واجه الفريق انتقادات لاذعة من قبل دول تحالف العدوان عندما ألمح إليها بأنها منتهكة ومسؤولة عن سقوط ضحايا مدنيين باستهداف مباشر من طيرانه، ويبدو أن تلك الانتقادات قد آتت أكلها في هذا التقرير الذي بدا نسخة فريدة من التهجم على الضحية والتسامح والتبرير للقاتل والمجرم.
لم تقتصر الأخطاء والسقطات العديدة للتقرير على جانب من الجوانب بل شملت الانحياز الواضح وعدم المنهجية و عدم الدقة في مصادر المعلومات أو التوصيف للحوادث من قبل الأطراف ليتعدى الأمر طبيعة التقرير إلى تقديم التوصيات لقوى العدوان بكيفية مواجهة صمود الشعب اليمني وتوجيهه إلى اتباع استراتيجيات معينة لكسر هذا الصمود وهو أمر غير مسبوق ناهيك عن تركيزه على ضياع اليمن كدولة من الوجود وتكريس فكرة الانفصال والتشظي إلى دويلات لا توجد إلا في مخيلة واضعي التقرير فضلاً عن أن أحداً في الجنوب أو مأرب أو تعز لم يعلن نفسه دولة أصلاً.
تجاوز الفريق موجبات مهنيته وحياديته وحدود ولايته الوظيفية عندما حاول تمرير وجهة نظر التحالف بخصوص ميناء الحديدة، عبر طرحه لمقترح يوجب "تحسين ثقة التحالف الذي تقوده السعودية في عمليات التفتيش التي تتولاها الأمم المتحدة"؛ إذ بدا الفريق وكأنه يبرر الحصار بتلك الكلمات, ومن ثم يضع الشرط لرفعه في الفقرة ذاتها: "لكفالة زيادة تدفق الامدادات الأساسية والمساعدات الانسانية عبر البحر الأحمر".
التلاعب بالألفاظ والمفاهيم, وعدم موضوعيتها ولا دقتها, وتحميلها بمضامين تعبيرية غير صحيحة ولا محايدة. ومن ذلك على سبيل المثال: القول بأن "الحوثي" قام بــ"سحق" أنصار علي عبدالله صالح خلال مواجهات ديسمبر الماضي.
من خلال تحليل مضامين التقرير وتشعبه الى مجالات وقضايا بعيده غير مهمة الرقابة على تنفيذ القرار 2216 نلاحظ أنه يسعى بجد إلى تشويه أنصار الله- الحوثيين كما يصفهم – ورسم صورة سوداوية لممارساتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية على الأرض، ومن جهة أخرى يتجاهل الإيجابيات التي يقوم بها أنصارالله على الأرض والواقع ومنها عدم الإشارة الى:
كما يصب التقرير في مجرى ترهيب أنصار الله من تطوير واستخدام الصواريخ بعيدة المدى، وتجريدهم من سلاح الردع الصاروخي في سياق خوضهم حرب الدفاع المقدسة عن الوطن والأرض والعرض والكرامة.
..................
أخيراً يرى المجتمعون ضرورة الرد على هذا التقرير بإعداد منظم لمثل هذا الرد أو إعداد ورشة عمل يدعى إليها المختصون القانونيون والسياسيون وعدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية إضافة إلى مندوبين من الوزارات المختصة كالدفاع والداخلية والصحة وغيرها.
فيما يرى البعض أنه لا فائدة ولا جدوى من الرد خاصة وأن التقرير وصف بأنه النهائي وفي نفس الوقت يعتبر وثيقة يتكئ عليها العدوان خاصة وأنه سعى بجد لتبرئة ساحة السعودية من أي تبعات، وإن كان قد أشار إلى انتهاكات مسؤولة عنها يمكن الاستفادة منها في محاسبتها والإمارات لاحقاً كون تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا يؤثر فيها تسمية النزاع بالمحلي أو الإقليمي وخاصة تلك الموثقة والمعترف بها من المنظمات الدولية أو التي يقوم الشعب اليمني بتوثيقها للقصاص من مرتكبيها ومحاسبتهم.
كما أنه من الضروري التواصل مع المنظمات الدولية الحقوقية منها والانسانية والتي حتماً ستنتقد هذا التقرير وتستشعر الوضع الإنساني المأساوي الذي سببه عدوان ذلك التحالف المجرم،
من ناحية أخرى يمكن الاستفادة من بعض الفقرات الواردة في التقرير والتي تشير إلى انتهاكات موثقة أكد عليها التقرير وتضمينها كوثيقة في ملف جرائم العدوان نذكر منها ما يلي:
- مسؤولية الغارات الجوية عن سقوط ضحايا مدنيين – حقق التقرير في عشر حالات منها-.
- استخدام التجويع كأداة عسكرية ضد الشعب اليمني.
-منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المختلفة في اليمن.
- ما تقوم به الإمارات من انتهاك وتعذيب في سجونها في جنوب الوطن.
- مسؤولية التحالف عن تآكل ما يسمى بشرعية هادي.
- المسؤولية عن انهيار الدولة بسبب العدوان المستمر لثلاث سنوات بقياد السعودية.