السعودية لا ترغب في استمرار الحرب في اليمن فقد أصبح استمرارها مأزقاً ومشكلة لنظامها وأقطاب الأسرة الحاكمة،؛ لكنها ليست مستعدة لوقفها على شروط الواقع الراهن اليمني بجدارة استراتيجية -رغم المعاناة- والتي هي خاسرة فيه، فعلى الصعيد السياسي العسكري لم تحقق أهدافها العدوانية، وما كانت ناجحة فيه هو خلق المعاناة الاقتصادية والإنسانية, التي تستخدمها كأخر الأسلحة بعد تجريبها كل الأسلحة التي عجزت عن أن تكون فتاكة مع الشعب اليمني!
في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية ورؤساء هيئات الأركان العامة للدول الأعضاء في "التحالف لدعم الشرعية في اليمن " بحضور السفير الأمريكي لدى اليمن «ماثيو تولر»، ضمن الوفد اليمني. كان هناك نتوءات طفيفة في الخطاب، عن الخط السياسي للخطابات السعودية السابقة ومؤتمراتها، فمن جانب، يحمل هذا الخطاب تصريحاً بطبيعة العدوان على اليمن ببروز البُعد الإقليمي، لا البُعد الداخل الذي أُستخدم شماعة لتدخله العسكري العدواني، أما الجانب الآخر فهو محاولة نفي الاتهامات الدولية عن جرائم الحرب في اليمن، وذلك يعكس وجود ضغط إنساني من المجتمع الدولي ضد دول تحالف العدوان. وكذلك مثل الشيء الجديد الحديث عن إنشاء صندوق لإعمار اليمن، وهو الموضوع الذي لطالما رفضت السعودية إدراجه ضمن بنود المفاوضات في مسقط وجنيف والكويت.
كلمة وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» التي افتتحت مؤتمر الرياض لدول "التحالف الداعم للشرعية في اليمن"، ومنذ الثواني الأولى أظهرت طبيعة التدخل العسكري، باعتباره حاجة سعودية، من حيث ترتيبه للأولويات، فلم يقل بأنه جاء إنقاذاً لحكومة تم الانقلاب عليها -وهو ما لا يجوز دولياً- بل تحدث عما اعتبره تهديدات أنصار الله لأمن دول الجوار التي أحصاها بالسعودية والإمارات والبحرين. معتبراً أن هذه التهديدات –المزعومة- هي ما فرضت على السعودية الخيار العسكري. وما لم يستطيع الحاضرون تجاوزه، هو حقيقة أن التهديدات اليمنية للإمارات والسعودية، أتت في سياق النفط، بعد العدوان لا قبله. فيما الراجح أن حافز العدوان يتعلق بالتوجهات السياسية التي رفعتها ثورة 12سبتمبر المعادية للإمبريالية والصهيونية، وهم جزء من تركيبتها. وكان محمد بن سلمان شفافاً في التصريح بذلك قبل ايام.
بعد كشف الجانب الخارجي للعدوان وهي السياسات السعودية: أطماعها او مخاوفها أو مهامها بالوكالة للمعسكر الغربي، يعود "الجُبير" إلى الذريعة، وهي "الشرعية" المُدعاة التي لم يثبتها الرئيس المستقيل منذ ثلاث سنوات، فالحديث عن شرعية، يعني محتواها الوطني الديمقراطية، الذي كان مفترضاً أن تجسده سلطة هادي في مناطق سيطرتها التي تُسميها بـ"المُحررة"، ولا تعني شرعية شخص "عبده ربه بن منصور هادي" فلم يرثها عن والده في نظام ملكي، وواقع المناطق المسماة بالمحررة منتهكة السيادة بالوجود الأجنبي الاحتلالي، وعديمة الديمقراطية والمؤسساتية القانونية تحكمها الميليشيات المناطقية الطائفية والفصائل الارهابية، وتتخطفها التوجهات الانفصالية التفكيكية، والسياسة المالية في دفع الرواتب، لم تجسد الوطنية واليمنية بل تصرف على أسس مناطقية وشطرية، واعتبارات سياسية، لا مهنية أو وظيفية. التغطية على انكشاف عمليات التجزئة والاحتلال في المحافظات الجنوبية التي تقوم بها الإمارات والسعودية، وانكشاف دعم هذا التحالف للإرهاب في اليمن، كان أيضاً من الأغراض المهمة لهذا الاجتماع، الذي ادعى الوقوف مع أمن واستقرار اليمن وسلامة أراضيه، والعمل على مواجهة تنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وصون أمن دول المنطقة واستقرارها.
وتتزعم السعودية منذ 26 مارس 2015م ، تحالفًا عربيًا للعدوان على اليمن، تدعي فيه أنه جاء "استجابة لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتدخل عسكريًا لحماية اليمن وشعبه من عدوان المليشيات الحوثية، والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح" .لكن هادي يعترف بخلاف ذلك حين يقول إنه تفاجأ بسماع الأخبار عن التدخل العسكري، متعجباً كيف غير الأمريكان آراءهم وهم من قالوا له بأنه لن يكون هناك تدخل عسكري!
قد يكون مشروع العدوان مقرراً من وقتٍ سابق للاتفاق النووي الإيراني مستقلاً بمشروعه عن المسألة الإيرانية، لكن ما لا يمكن تجاهله اليوم، هوَ ان أحد حوافز السعودية لاستمرار العدوان وقيامه، هو الملف النووي الإيراني، وتحرر إيران من العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية، أصاب المملكة السعودية بالخوف، لأسباب خاصة بها كأسرة حاكمة ولا علاقة لها باليمن.
ومن الغباء التصديق أنه في ميدان العسكري، وقرار من نوعية شن حرب على دولة أخرى أن يُبنى ذلك على تصريح قيادي إيراني قال بأن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي وقعت في يديه!!
مرور التسوية الإيرانية مع دول النادي النووي في حقبة «أوباما» أثارت جنون السعودية، والكيان الصهيوني، جاءت قيادة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، فتوددت لها السعودية ودفعت مليارات الدولارات مقابل أن تُلغي هذا الاتفاق، حين زار ترامب الرياض.
وكما أن الجمهورية السلامية الإيرانية، مستفيدة من غرق المملكة العربية السعودية في الحرب على اليمن، فبالمقابل تستثمر الرياض الأزمة اليمنية كورقة ضغط ضد طهران، لدى أمريكا، من خلال تصوير الحرب بأنها تصدٍ للتوسع الإيراني وأن إيران دولة داعمة للإرهاب والتمردات، ويجب معاقبتها بإلغاء الاتفاق النووي. فيما تتحدث للمجتمع الدولي بأن طهران هي من تُعيق الحل السياسي في اليمن، وهي الاتهامات التي يكذبها الواقع وتسخر منها الجمهورية الاسلامية!
يبدو للمتابع بأن (الإرعاد) وفق نبرة "الحزم والعزم" واستبعاد العملية السياسية في اليمن انجاز بنك أهداف...، الذي بدأ به العدوان، والذي تلخص في مخرجات بيان مؤتمر الرياض الأول المنعقد بين 19 - 17 مايو 2015م، وهي المخرجات التي يستحيل اليوم تحقيقها.
خطاب التخويف بالحرب، لم يعد موجوداً اليوم، كما كان عليه مؤتمر الرياض الأول للعملاء اليمنيين، فمؤتمر الرياض الأخير للقادة العسكريين لجيوش التحالف كان دون بزة عسكرية، ومتملصاً من التهم. وحاولت السعودية في هذا الاجتماع أن توزع حصص تقاسم المسؤولية مع الدول التي استضافتها كشركاء لها في التحالف، وهي ليست مشاركة مثل السنغال وماليزيا وباكستان وجيبوتي وكذلك، او المشاركة بشكل محدود مثل مصر والكويت.
لم يأخذ الخطاب الموقف المعادي للتسوية السلمية السياسية، بل أخذ موقع المدافع عنها، محملاً حكومة صنعاء الوطنية مسؤولية فشلها، وهذا الموقف من العملية السياسية مبني على موقف مندوب السعودية في الأمم المتحدة الذي أطلقه الشهر الماضي، ولا يوجد أي مؤشرات للتراجع عنه.
وفي هروب المملكة من مسؤولية الحل السياسي، لن يجدوا طرفاً أكثر من إيران مناسباً لتوجههم الإقليمي ليحملوها هذه الإعاقة، وطوال الفترة الماضية –كما هو اليوم- ليست إعاقة دول التحالف للحل السياسي نابعة عن استغنائهم عنه؛ بل عن عجزهم في الوصول إلى الصيغة السياسية الملبية لأطماعهم ومشاريعهم العدوانية، وحين التأكيد على دعم الحل السياسي تعود لتحالف العدوان، اشتراطاتهم على ضرورة الحل وفق قرار مجلس الأمن 2216.
السفير السعودي لدى اليمن كان أكثر موضوعية في الحديث عن الخيار السياسي، مفضلاً تجاهل الاشتراطات الدائمة التي تتمسك بها السعودية وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار والوطني والأهم من ذلك قرار مجلس الأمن سالف الذكر، فبحسب السفير محمد آل جابر: "السعي الآن هو للعمل على تحريك المسار السياسي، ودفع الأطراف اليمنية للانخراط مع المبعوث الدولي بجدية وبنوايا صادقة، تمهيداً للعودة إلى طاولة المشاورات".وأضاف السفير، بأن المبعوث الأممي في اليمن يحتاج إلى الجلوس مع الأطراف اليمنية لمناقشة كل الأفكار، ثم تقديم مقترحاته بعد ذلك. مما يعني عدم استئناف المباحثات على اشتراطات، بل وقفاً للتفاهمات، وصحة التوجهات السعودية هذه من عدمها ستثبتها الأيام القادمة.
فيما يطرح اشتراطات فنية، لها علاقة بطبيعة التمهيد للسلام وليس للحصول على السلام، تقوم على وقف العمليات "العدائية"، وتطبيق تدابير محددة للتخفيف من المعاناة والإنسانية معتبراً أن النزاع في اليمن هو في الأساس نزاع سياسي لذلك لا يمكن حله إلا "بالمفاوضات السياسية"، مع جميع الأطراف. و"سياسية النزاع" كما يطرحها السفير لا تنطبق على البُعد المحلي فيه؛ بل أيضاً تنطبق على البُعد الدولي فيه.
تعرضت دول تحالف العدوان وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لضغط إنساني عالمي (غير حكومي)، موثق بمئات التقارير التي تُدين جرائم الحرب، وتجاوز عمليات التحالف للقانون الدولي الإنساني، ووصلت إلى إدانة حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، فحاولت السعودية، ليس فقط أن توزع المسؤولية على حلفائها، بل والتأكيد على مراعاتها للقوانين الدولية الإنسانية، وهو الذي خرج به بلسان الاجتماع، وأعاد تكراره.
كما تحاول دول العدوان أن تلقي بالمسؤولية على الأمم المتحدة في عدوانها هذا، كأنها مارست مهمة إنسانية طوعية، وليس لها مصالح مباشرة دفعتها إلى هذا العدوان. في إظهار عملياتها العسكرية المعادية لليمن إنما جاءت انسجاماً مع قرار مجلس الأمن رقم 2216. . فيما أول ما يدعو إليه هذا القرار هو العودة إلى المفاوضات، وما اتفق عليه اليمنيون، لا الدعوة إلى الحرب. كما ادعى الاجتماع زوراً أن العلميات العسكرية للتحالف منضبطة ومتماشية مع القوانين الدولية، وخاصة القانون الدولي والإنساني. كما ناقشوا تقرير الأمم المتحدة السنوي المتعلق بالأطفال في النزاع المسلح الصادر في 6 أكتوبر 2017م. مدعين بخطأ البيانات الواردة فيه.