Logo dark


مستجدات الوضع الميداني والسياسي في جنوب اليمن وشمال سوريا

( باحث , )

بدأ ما يُسمى بالتحالف العربي بترسيم مشاريعه، والتخفف من عبئ هذه الحرب، حتى إذا ما آن وقف الحرب فبالخروج بالحد الأدنى من الأطماع الاقليمية للسعودية والإمارات، لا الشعارات التي رافقت حرب الإبادة الشاملة عسكرياً واقتصادياً، شعارات استعادة "الشرعية" والدولة اليمنية، تلك الشِعارات التي لم تعد تصب إلى وعائها أي من جهود "التحالف".

تحركات مشابهة يقوم بها ما يُسمى بالتحالف الولي لمكافحة الارهاب في شمال سوريا، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية- بالتعارض مع روسيا- لتثبيت سلطة القوى الموالية لها، وإخراج مناطق عديدة عن سيادة الجمهورية العربية السورية، مستفيدة مما تمنحها السياسية في حوارات "أستانا"، بين ما يُسمى بالمعارضة المعتدلة والقوات الوطنية السورية.

مستجدات عديدة على الساحة اليمنية فيها تتجه دول تحالف العدوان إلى مطامعها التوسعية والاستعمارية، والتي تتصادم في بعض الأحيان بين الإمارات والسعودية، وبين الأولويات الداخلية للمرتزقة، فيكون المُرتزقة هم الضحايا، كما يحدث في السباق عن النفط والغاز في محافظة شبوة. ولم يكن آخرها تعرض قوات "الانتقالي" لعمليات استهداف من قبل القاعدة الموالية لهادي في أبين في طريقها لتطهير مديرية (المحفد)، كما تعرضت حراسة مدير أمن عدن شلال شائع لكمين في محافظة المهرة.

 ويلعب المجلس الانتقالي دوراً إيجابياً مضاداً للتفتيت في إخضاع المحافظات الجنوبية لسلطة واحدة، وهي سلطة لا وطنية يعيبها موالاتها للإمارات. وليست هذه الوحدة المركزية مضمونة إذ أن القوام الرئيسي لقوات "الانتقالي" هي "قوات نخب" و"أحزمة أمنية" مناطقية. وتتصادم هذه المساعي المدعومة إماراتياً مع السعودية التي تريد التجزئة، ومع «بن عفرير»، ابن سلطان المهرة -سابقا- الذي يُريد سُلطة محلية خاصة به تحت اسم "المجلس العام لأبناء سقطرة والمهرة"، وقد رفض سابقاً تقسيم الأقاليم الستة الذي جعل المهرة وحضرموت إقليماً واحداً، ورفض حالياً تشكيل قوات "نخبة مهرية" على غرار "النخبة الشبوانية" و"النخبة الحضرمية" التابعة للمجلس الانتقالي والموالية للإمارات. وهذا التصادم السعودي الإماراتي باعتباره مزاحمة توسعية لا صدام مشروعين متناقضين فليس من المستبعد أن يُحسم بين الدولتين في قرار تقسيم للغنائم "سايكس بيكو" داخل اليمني!

يترافق كل ذلك مع وأنشطة أعمال محمومة في التوسع واقتطاع الأراضي اليمنية، كما في محافظة حضرموت، وتوجهات إلى فصل المناطق الساحلية لتعز عن المدينة والمناطق الجبلية، والمساعي الإماراتية المُلحة لإنشاء حزام أمني شبيه بالأحزمة الأمنية المناطقية الموالية للإمارات في المحافظات الجنوبية.

اقتطاع الأراضي اليمنية في حضرموت

 في محافظة حضرموت، التهمت السعودية في الأسابيع الأخيرة اثنين وأربعين ألف كيلو متر مربع من الأراضي اليمنية، في منطقة (الخراخير) بالقرب من (شرورة) المتنازع عليها حدودياً منذ حرب 1 969 بين السعودية واليمن الديمقراطية. ولا تكمن خطورة الاستيلاء السعودي على هذه المناطق اليمنية، باعتباره تفوقاً عسكرياً، بل بالأسلوب الذي استخدمته، وهوَ يُشير إلى استراتيجية السعودية والإمارات في تجزئة الجنوب اليمني عبر صيغ جديدة للأقلمة.

 فبعد التقدم السعودي والاستيلاء على هذه المناطق، تم الاجتماع بالسلطة المحلية في حضرموت وقوات حرس الحدود اليمني 35 "التابعة لهادي"، واللواء 315 مشاه بـ "ثمود" اليمنية، وتكليفهم بعملية ترسيم الحدود الجديدة المجتزأة، باعتبارهم السلطة الرسمية.

ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية من ترسيخ التقسيم، فرغم أن ترسيم الحدود تم مع قوات الجمهورية اليمنية التابعة لهادي، وهي المُحافظة على وطنية التركيبة والانتشار العسكري للجمهورية اليمنية، فقد تم اجتماع آخر بين محافظ حضرموت «فرج البحسني»، من قيادات القوات العسكرية في هذه المنطقة الحدودية، واستبدلاها بقوات مناطقية حضرمية.

تلت هذه العملية، اجتماع علي محسن الأحمر بالوجاهات الاجتماعية في هذه المنطقة، وقيادات ما تسمى بحلف قبائل حضرموت، كي تكون الصفقة تامة من كل النواحي، تأخذ السعودية فيها الأراضي اليمنية من طرف يدعي الرسمية والشرعية الجمهورية، وتضمن سلطة مناطقية للموالين لها، ويتم صياغة كل ذلك في "تخريجة" سياسية تسمى بإقليم حضرموت. وهي ذات الآلية التي اتخذتها الإمارات في السيطرة على أرخبيل سُقطرى اليمنية في المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي.

مطامع السعودية بحضرموت ليست جديدة إذ تعود إلى ما قبل ثورة أكتوبر ضمن التقسيمات الإنجليزية، ففي عام 1224 هـ (1809 ـ 1810م) حاولت قوة سعودية الوصول إلى حضرموت، ولكن كان مصير أكثرها الفناء، وهو نفس المصير الذي لقيته قوة أخرى بعثت إلى هناك عام 1226 (1811). وقد بدأت النزعات التوسعية السعودة تجاه حضرموت مع أطماعها عموماً تجاه نجران وعسير، في مطلع القرن التاسع عشر. وقد انتهى هذا النفوذ الذي لم يدم سوى بضع سنوات بفعل الانتفاضات والحروب التي شنت ضده، وبفعل القضاء على الدولة السعودية نفسها على يد جيش «محمد علي باشا». وهوَ ما أكده الدكتور «محمد علي الشهاري» في كتابه، "الأطماع التوسعية السعودية في اليمن".

وما هوَ واضح اليوم من أطماع المملكة في حضرموت، هي الرغبة في شق قناة مائية تسمى قناة الملك سلمان، توصل المملكة بالبحر العربي، لتجنب تصدير النفط عبر مضيق هرمز التابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما أن صحراء حضرموت والربع الخالي بحد ذاتها، ما زالت أرض محتملة كبحري نفطية.

تصعيد "شلال" ضد الإصلاح في عدن

 تصعيد سياسي غير مسبوق للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتصعيد عسكري موازٍ؛ فعلى المستوى العسكري تقوم قوات مدير أمن عدن «شلال شايع» باعتقالات واسعة لشخصيات من حزب الإصلاح، فيما تقوم القوات العسكرية للأحزمة الأمنية بعمليات تقدم في أبين، وكذلك في شبوة على حساب القوات العسكرية الموالية لهادي. يرافق ذلك عمليات اغتيالات أسبوعية غير معروف مصدرها، تستهدف خطباء مساجد سلفيين يتبعون جمعية الحكمة اليمانية الخيرية ذات العلاقات مع السعودية وأخرين موالين لحزب الاصلاح.

وعلى المستوى السياسي، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تشكيل جمعية عمومية كمجلس نواب ابتدائي، لتقوم هذه الجمعية بمهام تشريعية وتبارك خطوات سياسية مثل إعلان التصويت لتقرير المصير. وتتعامل كممثل للقضية الجنوبية في مواجهة الشمال اليمني أو المنطقة، وقد قام "الزبيدي" بأكثر من زيارة إلى المحافظات الجنوبية للقاء الشخصيات الاجتماعية لمباركة هذا المجس الانتقالي وانتقائهم من أجل التمثيل المتعادل للمحافظات الجنوبية تجنباً لتفجر النزعات المناطقية.

الحرب على النفط في شبوة

الأسبوع الماضي، وفي ذات السياق التوسعي، اندلعت معارك عنيفة بين، قوات ما تسمى باللواء 21 ميكا التابعة لـ "علي محسن" والموالية السعودية، وبين قوات النخبة الشبوانية التابعة لـ "لزبيدي" والموالية للإمارات عقب تقدم قوات علي محسن إلى تخوم حقل العقلة النفطي الواقع بين شبوة وحضرموت.

 وعلى إثر هذه المعارك، التي تدخل فيها الطيران الإماراتي لمساندة القوات الموالية له، انسحبت القوات الموالية لعلي محسن إلى المنطقة الحدودية، ورغم أن الأجساد المحلية الأجيرة هي قوام وضحايا هذه المعارك الداخلية، إلا أن الحرب تأخذ بعداً أعمق، توسعية احتلالية تخدم تحركات الشركات النفطية الأمريكية البريطانية الفرنسية، إذا لم تكن هي المحرك الرئيس لها.

مستجدات الأوضاع شمال سوريا

هذه التطورات الأخيرة في اليمن، تشابهها سيناريوهات في الشمال السوري؛ حيث تسيطر القوات اليمينية الكردية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية المعروفة باسم "قوات سوريا الديمقراطية" في (الرقة)، ومؤخراً قال مسؤول في هذه القوات إن وزيراً سعودياً "زار شمال سوريا مع قافلة أمريكية لمناقشة إعادة إعمار الرقة، وأنه التقى مجالس الحكم المدنية، وهي شكل من السلطات الذاتية المستحدثة".

ولم تُبدِ السعودية من قبل رغبها في إعادة إعمار أي منطقة أخرى تحررت من سيطرة "داعش"، وتستفيد السعودية من عضويتها في التحالف الدولي لمواجهة داعش، لتمرير مشاريعها التمزيقية هذه بصورة لا تبدو معها وكأنه تدخلٌ خارجيٌ. فيما أكدت وزارة الخارجية السورية بأن الرقة ما زالت محتلة وأنه لا يُمكن اعتبارها محررة إلا بدخول القوات السورية إليها.

وتبدي الولايات المتحدة الأمريكية، اهتماماً خاصاً (عدوانيا) بالشمال السوري، ولطالما كانت على خلاف مع الجانب الروسي حول الدور الذي تلعبه في شمال سوريا. ففي 6-6- 2017م استهدفت قوات التحالف قافلة للجيش السوري بحجه أنها تشكل خطراً على قواتها في منفذ "التنف". وفي 11-10-2017م أكدت وزارة الدفاع الروسية أنها تمتلك أدلة على عبور نحو 600 مسلح باتجاه الغرب من أمام الأمريكيين. وصرحت وزارة الدفاع الروسية أن الجانب الأمريكي لم يقدم تفسيراً حول تساؤلاتنا بخصوص تسلل مسلحي "داعش" من نقطة مراقبة أمريكية. واعتبرت أن تحويل قاعدة "التنف" إلى ثقب أسود أمراً مخالفاً للقانون، ومسؤولية تخريب العملية السلمية في سوريا تتحملها الولايات المتحدة.

وفي ذات الشمال السوري يطالب الأكراد بحث حكم ذاتي، وكما أفادت وكالة الأناضول فإن دمشق، اقترحت منح حكم ذاتي لأكراد سوريا، مقابل انسحابهم من المناطق ذات الغالبية العربية، التي سيطروا عليها خلال الحرب، لكن العرض قوبل بالرفض. وطالب الاتحاد الديمقراطي الكردي بـ "منطقة فدرالية يضمنها الدستور".

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قد أعلن في أواخر الشهر الماضي، استعداد دمشق لمناقشة قضية الحكم الذاتي للأكراد "ضمن حدود الدولة السورية"، بعد الانتهاء من داعش. بدوره، اعتبر القيادي في "حزب الاتحاد الديمقراطي" لأكراد سوريا "شاهوز حسن" أن "الحزب ليس مع تقسيم سوريا، وليس له أي مشروع انفصالي"، لكنه أكد تمسك الأكراد بـ"مشروع الفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا". واستعدادهم للحوار مع كل الأطراف حول هذا الحل. وعملياً فالأكراد في سوريا ومنذ التصدي لداعش وتحرير مساحات واسعة منه شمال سوريا، أعلنوا قيام نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم (محافظة الحسكة)، وأجزاء من محافظة (حلب) وأخرى من محافظتي (الرقة) و(عفرين). وهو التقسيم الذي لم تثبت شرعيته السياسية من قبل الدولة السورية والقوى الوطنية السورية عموماً إذ يعتبر شكلاً طارئاً لواقع الحرب التي لم تخمد بعد وتنقشع الأدخنة عن الواقع السياسي النهائي في سوريا.

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز

مواضيع متعلقة