سومر صالح/ صلاح النشواتي
جملةٌ من الأحداث العائمة دولياً تبدو ظاهرياً من دون ترابطٍ هيكليّ، يصح فيها توصيف ما بعد الحداثة من أننا نعيش حالةً من الفوضى والتقويّض تؤدي إلى غياب البناء المحدد والمنظم للأحداث، بدءاً من استراتيجيةٍ جديدةٍ لـ"ترامب" في أفغانستان تتمحور حول زيادة عدد الجنود ومحاورة طالبان، ووفاةٍ غامضةٍ للسفير الروسيّ في السودان وبغض النظر عن بعدها الجنائيّ من عدمه إلّا أنّها أتت في لحظةٍ مهمةٍ أضاءت على خفايا لم تكن ذات دلالةٍ، وصولاً إلى أحداث شرق القارة الصفراء من تحريضٍ ضد كوريا، وتجديدٍ للشراكة الهندية الأميركية الاستراتيجية، والصينية الباكستانية من جهةٍ مقابلة، وتجدد النزاع الحدوديّ بين حليفيّ روسيا في شنغهاي الصين و الهند، ولا ننسى التحولات في المقاربة (البريطانية الفرنسية) والدولية من الأزمة السورية والأوكرانية...،ولكن، هنالك خيوطٌ إذا ما جمعناها يتضح أنّ هذه الأحداث جميعها مترابطةٌ بشكلٍ غائيّ، وهو الصراع الدائر في مراكز صنع القرار الدولية حول مستقبل النظام الدولي الحاليّ (نظام مابعد الحرب الباردة)، هذا النظام يقوم بالأساس على هيكليتين مترابطتين الهيكلية السياسية والتي تعتبر منظمة الأمم المتحدة مظهرها الخارجيّ، والهيكلية الاقتصادية والتي هيّ الأساس حالياً والمتمثلة بدعامتين الأولى هي نظام البترودولار الذي حوّل الدولار إلى عملة الاحتياطيّ العالميّ وأساس التجارة الدولية، والدعامة الثانية وهي المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي..، وما يجمع الدعامتين أساسٌ ثابت وهو الاحتياطيّ الفيدراليّ الأميركيّ الذي يحتكر طباعة الدولار في العالم دون قيود فعلية، وهو بنك خاص لا يتبع الحكومة الأميركية، وبالتالي يصبح نظام البترودولار أحد أدواته في السيطرة، ويسيطر عليه مجموعةٌ من البنوك الخاصة أهمها (روتشيلد، مورغان، روكفلر..)، وعائلة روتشيلد بالتحديد تسيطر على طباعة العملة البريطانية أيضاً (الجنية الإسترليني) وسلةٌ أخرى من العملات الأوربية، هذا يقودنا إلى استنتاج أنّ البنك الاحتياطيّ الفيدراليّ الأميركيّ هو المتحكم الفعليّ بالنظام العالميّ الماليّ والنقديّ، وبالتالي شكلّ النظام الدوليّ الأحاديّ القطبية هو انعكاسٌ لأحادية السيطرة على النظام الماليّ الدولي، وحتى الذهب فتسعيره يخضع لبنوك آل روتشيلد في بريطانيا مقابل الدولار حصراً الذي يرتبط بنظام البترودولار، مما أدى عبر فترةٍ ممتدةٍ من بداية السبعينيات وحتى العام 2013 إلى سطّوة الأحادية القطبية على العالم، ولكن تدريجياً ومع ظهور الدول الفاعلة الغير قانعة بهذه الأحادية القطبية كروسيا والصين بدأ يتخلخل هذا النظام بفعل إجراءاتٍ تضرب البنية التحتية الاقتصادية/ المالية لهذا النظام، ومن السذّاجة بمكان اعتبار فيتو من هنا أو حسم معركةٍ عسكريةٍ من هناك قادرة ٌبمفردها على تغيير نظام] دولي، فالتغيير يجب أن يبدأ من الجذر وليس من الشكل الطافي على السطح، وهو ما بدأه الرئيسان بوتين وبينغ، فروسيا والصين قررتا توجيه ضرباتٍ مدمرةٍ لأسس الأمركة العالمية عبر تحرير بيع النفط والغاز من التسعير بالدولار، سواءٌ عبر التبادل البينيّ أو عبر التجارة المتعددة، واعتماد العملات المحلية أيضاً في التجارة الخارجية، وهذا يعني أنّ نظام البترودولار في خطر وبالتالي هذا يشكل تهديداً مباشرا للأسس التي قام عليها النظام الفيدراليّ الأميركيّ المملوك للعائلات النافذة، لأنّ طباعة الدولار متعلقةٌ بإنتاج النفط كأصول، حتى لا يقع النظام الماليّ بكارثة التضخم، وحين يتم مبادلة النفط بعملاتٍ معينةٍ يعني خسارةً مكافئةً للنظام المالي البترودولار، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فسعي الصين وروسيا لرفع احتياطيهما من الذهب لتعزيز قيمة عملتيهما الوطنيتين فهذا يسدد لكمةً مزدوجة لنظام البترودولار، من هنا أهمية الصفقة التاريخية بين روسيا والسودان (29/7/2017) التي تسمح باستثمارٍ روسي مشتركٍ مع السودان لما يقارب (47%) من احتياطي الذهب العالمي، لذلك قلنا أنّ وفاة السفير أضاءت على أمورٍ لم تكن ذات دلالة، وكان الردّ المباشر عليه استمرار الولايات المتحدة في التواجد في أفغانستان لاستمرار السيطرة على أحجار (اللازورد الثمينة) والسيطرة على ثروة أفغانستان المقدرة بــ (تريليون دولار) من المعادن والأحجار الثمينة، والتي تخشى عليها واشنطن من موسكو التي بدأت بالتقارب تجاه أفغانستان، بينما الصين اتجهت إلى ما هو أبعد وأخطر من ذلك على النظام الدوليّ القائم من خلال مقاربةٍ جديدةٍ لمفهوم الأصول الدولية تكون الصين قادرةً من خلالها على السيطرة على أكبر جزءٍ ممكنٍ من الاقتصاد العالميّ وذلك بخطةٍ تراكميةٍ تعتمد على إنتاج السلع والخدمات كأصولٍ جديدةٍ لتطغى على الأصول التي يعتمد عليها الدولار الأمريكيّ وهو النفط بالدرجة الأولى (البيترودولار) لتصل لمرحلة القدرة على اعتماد عملةٍ أخرى تكون عملية ذات قيمة تبادلية عاليةٍ وثابتة نوعاً ما يمكن الاعتماد عليها في التعاملات الدولية، هذا الأمر عقده وزاد خطورته أمران لم يكونا في حسبان قوى نظام الفيدرالي الأميركي وهما البريكست بدايةً ومجيء ترامب بخططه للإصلاح الضريبي وخفض سقف الدين الأميركي الذي يهدد سيطرة هذا البنك على الدولار نفسه تالياً، لذلك دعمت قوى العائلات الرئيس ماكرون رئيساً لفرنسا لتلافي خسائر الاقتصاد البريطاني جراء البريكست وللوقوف في وجه ألمانيا الراغبة بتغيير النظام الدولي والذي قال وزير خارجيتها "إنّ الولايات المتحدة قد خسرت زعامة العالم"...،باختصارٍ شديد الحرب على طبيعة النظام الدولي قد بدأت، بين روسيا والصين ومجموعة شنغهاي( (G8 الجديدة ومجموعة (8-1 G) التي طردت منها روسيا، هذا الصدام العنيف أرخى بظلالٍ عميقةٍ على قوى البنية التحتية لنظام الأمركة المعولم، وعلى ما يبدو أنّ خلافاتٍ قد وقعت على الأقل في وجهات النظر حول العلاقة مع روسيا وليس الصين بين العائلات المتحكّمة، فروسيا دولةٌ قويةٌ ولكن اقتصادها غير صناعيّ وتعتمد على الطاقة كأساس للاقتصاد وبالتالي لها محدوديةٌ في التأثير على شكلّ النظام المالي العالميّ، الذي كما قلنا هو أساس النظام الأحاديّ القطبية، لذلك ظهرت عدّة فرضياتٍ كاحتوائها كقطبٍ صاعد ضمن المنظومة المالية الحالية، وآل روتشيلد هم أصحاب هذا الاتجاه، ويؤكد ذلك وثائق بنما المسربة التي تعتبر جزءاً من صراعٍ خفيّ بين العملاقين سوروس وروتشيلد، وقد ورد فيه اسم بوتين، وهذا ما يفسر التعامل مع روسيا كقطبٍ جديدٍ وتغير المقاربات الأوربية مع روسيا عبر تبنيها الشكل الروسيّ للحل في سورية وأوكرانيا، كنوع من الاحتواء لروسيا بوتين، والفرضية الثانية وهي المواجهة الاقتصادية الشديدة والاستنزاف لروسيا عبر الإرهاب في سورية ومن الممكن قريباً في حال فشل الاحتواء أن نرى استنزافاً في القوقاز الجنوبي...أمّا الصين فعلى ما يبدو أن هنالك اجماعاً من تلك القوى على مواجهتها طالما أنّها تتبنى المقاربة السّلعية للأصول، وباعتقادنا أن هذا القرار هو سرّ بقاء ترامب في السلطة لحد الآن رغم أزمات الشرعية وحدّة الاستقالات وفقدانه الكثير من الصلاحيات التنفيذية، حيث يرى ترامب أنّ أمريكا على شفير الانهيار الاقتصادي الكامل وأنّها تتحول إلى أكبر دولةٍ مستهلكةٍ تثقلها الديون السيادية الضخمة التي لا تستطيع سدادها والتي تسير على طريق التفوق على كامل الناتج الكليّ للولايات المتحدة الأمريكية، بالتالي حاول دون إغضاب سادة النظام الاحتياطي الفدرالي حتى لا يلقى مصير كيندي ومرسومه (11110)، تخفيض الضرائب ولكن بمقابل البدء بحربٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ على الصين المنافس والمضارب الأكبر للاقتصاد الأمريكي وذلك باتباع عدّة تكتيكاتٍ سياسيةٍ اقتصادية، منها خلق الرعب والذعر بحرب إبادةٍ نوويةٍ في كوريا الشمالية جارة الصين (والتي يدرك القادة الكبار أنّها لن تقع لسببٍ بسيطٍ أنّ لا أحد سيدعم أو يمول مواجهة لا يوجد فيها طرفٌ رابحٌ في حرب الأصول)، و فتح حربٍ تجارية على الصين بادعاء واشنطن على الصين بسرقة الملكية الفكرية للشركات الأمريكية والسير نحو محاكمة هذا الادعاء، تخفيض الضرائب ومحاولات إغلاق السوق الأمريكية بوجه البضاعة الأمريكية المصنعة في الخارج وخفض سعر صرف الدولار ليتناسب مع قيمته الحقيقية لتقويض المضاربات الدولية عليه، وبالتالي تحقيق الهدف الاستراتيجي بجذب المصانع الأمريكية إلى الداخل الأمريكي والذي بدوره سيزيد من واردات الحكومة لتستطيع الإيفاء بديونها وتفادي الانهيار الاقتصادي، والذي بدوره يحقق الهدف الأسمى في هذه الاستراتيجية وهو إبقاء الولايات المتحدة الأمريكية في رأس هرم النظام الدولية عبر لإضعاف المضارب الصيني واشغاله بنزاعاتٍ حادةٍ سواءٌ عبر اندلاع فتيل الأزمة مع حليفها في شنغهاي الهند، والاستعداد لنقل التركستان الايغور من سورية إلى الصين، بما يحقق ضربتين في آن التقارب مع روسيا لاحتوائها عبر إظهار نية واشنطن الإيجابية للتعامل مع روسيا كقطب، والضربة الثانية هي تهديد الاستقرار السياسيّ للصين بما يهدد الاستقرار الاقتصاديّ بالتالي كلّ الجهود المبذولة من قبل عائلات النظام البنكيّ الاحتياطيّ الفدراليّ الأمريكيّ تصب نحو شرخ أيّ تطورٍ استراتيجي في الشراكة الروسية الصينية باتجاه احتواء الأولى وقضم قدرات الثانية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل إصرار بوتين وبينغ على الذهاب بالشراكة الصينية - الروسية إلى أقصى حد قد يعكس اتجاه هذا الشرخ ليصيب العائلات ذاتها المالكة لـ" الاحتياطي الفدرالي" (كروتشلد وروكفلر) وبالتالي يشرع قوى البنية التحتية للنظام الدوليّ في حرب أصول ٍكارثيةٍ طويلة المدى بين الأصول الثابتة والنادرة من جهة والبترودولار من جهةٍ أخرى...؟