مع تهديدات ولد الشيخ الأخيرة من منابر الأمم المتحدة ينفتح مجدداً الأفق السياسي لميناء الحديدة في سياق ابتزاز سياسي رخيص يقوم به العدوان بعد أن أُسقطت من يديه كافة وسائل التهديد الحربي الجدي الميداني، بعد ما تكبد من نكسات متوالية دون توقف.. فما الجديد الذي يخفيه المبعوث "العدواني" وقد سمعنا تلك التهديدات من قبل؟!
في المرة السابقة أراد المساومة على (الرواتب مقابل الحديدة)، أما اليوم فقد رفع عقيرته قليلاً بالصراخ بعد أن ذاق مرارة الإهانة من قبل القيادة السياسية اليمنية التي أعلنته شخصية غير مرحب بها أبداً في اليمن باعتباره ممثلاً لقوى العدوان شكلاً ومضموناً، وهو لا يخفي هذه الحقيقة بل يتباهى بها متخيلاً أنه يفرض شروطه نيابة عن سيده القابع في الرياض، وفي النهاية لا يعنيه إن انتصر سيده أو لا، طالما وعجلة رصيده البنكي في تزايد مقابل رخصه وأكاذيبه.
بهذه المشاعر العدوانية يطل ولد الشيخ علينا من عتبة الأمم المتحدة بعد جولته السعودية الأخيرة في محاولة منه للحصول على غطاء يمكنه من إيقاف انهيارات العدوان الأخرة، وأن يمنحه الفرصة ليعيد محاولاته الهجومية التي خسرها، كما يحاول التغطية على حالة العدوان المثخن بالانكسارات المهينة، وإظهاره كقوي متماسك متحكم بزمام الأمور!
استراتيجياً، يأتي إلينا ولد الشيخ بعد عدة أشهر من جولته التهديدية السابقة وهو مليء بالطعنات والانكسارات الجديدة التي تلقاها من الداخل والخارج على مسارح الحرب وفي ميادين السياسة والاستراتيجيا، وخلال أشهر ثلاثة فقط، كم تغيرت ملامح وعوامل الميدان الاستراتيجي في غير صالح أسياده؟ ويتضح ذلك بشكل أوضح من خلال الإطلالة التالية:
مراجعه عاجلة للتطورات الجيوسياسية الإقليمية والمحلية
في جميع الجبهات الداخلية والحدودية - دون استثناء- يحقق الجيش اليمني تقدماً و انجازات وانتصارات بصورة مستمرة، صار يعترف بها العدو نفسه ولا يستطيع اخفاءها- وفي الجبهات الحدودية، في جيزان مثلاً يحقق الجيش تقدماً يومياً جعله مسيطراً الآن على (12) قرية حدودية بكاملها، فرّ منها العدو فزعاً بكل عتاده الحديث من نيران اليمنيين المتواضعة في نوعيتها، الجبارة بالإسناد الإلهي لها وبالإيمان العميق بالله وبالقضية والمظلومية اليمنية والإنسانية المشحوذة في صدور محاربينا الأسطوريين.
الحال ذاته في نجران؛ حيث تطوق قواتنا مدينة نجران من الغرب والجنوب والشرق، ويطل على مدن وقرى الخضراء وسقام والضاحية وغيرها الماثلة تحت السيطرة النارية، فيما قد سقطت تحت السيطرة اليمنية مواقع سلاسل جبال "عليب" الشهيرة وغيرها.
وتقع مناطق عديدة من عسير مثل منفذ علب وضهران الجنوب والربوعة وسد نجران وغيرها الكثير، إما تحت السيطرة المباشرة أو سيطرة النيران.. وكل هذه المناطق في المحاور الثلاثة تعد حيوية وهامة جداً عسكرياً وجغرافياً.
عموماً، فإن الجيش اليمني قد أخضع لسيطرته أكثر من 210 موقعاً عسكرياً ما خلف الحدود، ويتمركز داخل عمق بين 20 إلى 30 كيلومتر على امتداد جبهة بطول 200 كيلومتر تمتد من نجران شرقاً حتى جيزان غرباً.
علاوة على ذلك، فإن ما يعترف به العدو من الخسائر البشرية أكثر من 600 جندي ومرتزق اصطادتهم القناصة اليمنية وحدها خلال الست الأشهر الماضية فقط في جبهات الحدود، وهي خسائر يسيرة من إجمالي الخسائر الأخرى.
أما في الجبهات الداخلية فيواصل الجيش فيها هجماته المتلاحقة دون توقف، في الجوف جاءت نتيجة المعارك هناك مع المرتزقة بسقوط وتطهير العديد من المواقع التي كانت بيد العدوان منذ أكثر من عام، وقد باتت النيران اليمنية حالياً على مشارف مدينة الحزم عاصمة الجوف وفي منطقة العنبرة والطلعة الحمراء كما سقطت العديد من المواقع الهامة في المتون والمصلوب ويام وحام ووقز والغيل وغيرها.
وفي صرواح مازال العدو يتكبد الخسائر بشكل يومي ويفقد العديد من المواقع التي كانت تحت سيطرته على مشارف صرواح وكوفل وماس والمخدرة والجدعان، وقد تكبد الكثير من الخسائر خلال محاولاته الأخيرة من أيام العيد (25 يونيو2017) حين حاول استغلال المناسبة لإحداث بعض الاختراقات التي أودت به لتكبد المئات من القتلى والجرحى وانكشاف دجل إعلامه التي روجت لوهم السيطرة على صرواح ومركزها.
الأمر ذاته في نهم؛ حيث يحاول العدو معاودة فتح جبهة استنزافية في بوابة عاصمة الصمود صنعا، ولا جدوى أمام النيران اليمنية والصواريخ المباغتة التي نكلت بجنده وزحوفاتهم وسلبت روحيتهم القتالية تماماً.
من ناحية أخرى، فقد وجهت القوات الأمنية واللجان الشعبية ضربات مفصلية قوية لخلايا التخريب الأمني والطابور الخامس خلال الأشهر الماضية وحتى الآن؛ لتقع العديد من الخلايا الإجرامية لحزب الإصلاح والقاعدة وداعش في الأسر أهمها في صنعاء والحديدة والجوف، إضافة إلى محاكمة عدة مجرمين، والحكم بالإعدام على قتلة الجنود في محافظتي شبوة وحضرموت الذين وقعوا في قبضة الأمن اليمني، وكانوا سعوديين ينشطون تحت حماية الهارب علي محسن وزبانيته، واندثرت كل محاولات زعزعة الأمن والصمود الوطني بإثارة الفتن والانقسامات الداخلية، والتي دوماً ما تنتهي بنتائج معاكسة، لصالح وحدة الصفوف وارتفاع الحس الوطني والأمني والوعي العام والتلاحم والتكاتف.
أما في الساحل الغربي، من ميدي إلى باب المندب مروراً بالحديدة والمخا، فحدث ولا حرج. فأعتى الأساطيل الحربية العدوانية البحرية والجوية - على رأسها الأمريكية - المصاحبة للهجمات البرية للمرتزقة والمأجورين والخونة، لم تجنِ غير الشفقة في كل محاولاتها البائسة تحقيق سيطرة عملية على مفاصل حاكمة في الساحل الغربي اليمني تمكنه من تثبيت سيطرة احتلالية أساسها بناء رؤوس جسور بحرية مع البر وإقامة مناطق دفاعية عازله حولها تصل لعمق 20 إلى 30 كيلومتر.
لا مبالغة مطلقاً بالقول إن "مفرمة" - بمعنى الكلمة - هي ما زُجَت إليها عصابات العدوان؛ لتسحق في ميدي أولاً والمخا والعمري وذو باب، وانتهت كل تلك الهجمات الكبيرة الأعداد والعتاد بأن ابتلعتها الأرض اليمنية الغاضبة والساخطة تماماً.. ولا عزاء - خاصة - للجنود المرتزقة السودانيين الذين ارتصفت جثثهم بلا حساب، صرعى ثمن دراهم بخسة وسوء المصير، وكان أحرى بهم القتال لأجل جنوبهم المنفصل بمساعدة الكيان الصهيوني.
إن سبعة أشهر من المعارك الضارية المصيرية المتواصلة وهي الأعنف من لحظات العدوان الأولى، لم تجنِ غير الهزائم والانتكاسات المهينة العنيفة للعدو وتكسرت هناك أضخم قواته البرية والبحرية، واهتزت من وقعها كل أرض يقف عليها العدوان وقادته من الأحمر والعربي حتى المحيط الأطلسي.
الحال ذاته أيضاً، بعد مائتي يوم من المعارك الطاحنة المصيرية مع العدو التي شهدتها الجهة الغربية لتعز المدينة امتدت من المخا إلى المعافر إلى كرش والصلو جنوباً، ورمى فيها العدو أفضل قواته الاحتياطية من مرتزقة الانفصال -بقيادة هيثم قاسم في سياق مساومة مع الاحتلال وضعوا أنفسهم في خدمته مقابل الانفصال وتسليمهم الإدارة تحت إشرافه- والقاعدة وداعش والقوات السودانية والمرتزقة الأجانب، بحشود قدرت بأكثر من 12 لواء تضم أكثر من أربعين ألفاً، غرقت في مستنقع عميق لا قاع له، ولا سُبل لانتشاله من هذه الكارثة، فيما واقعها الحالي أنها عالقة غير قادرة على الانسحاب أو التقدم، فكل خطوة لها تعني ضحايا جديدة.
يبقى التساؤل هُنا، كيف سيكون بمقدور ولد الشيخ التغطية على كل ذلك؟! وأي ماكينات أو حتى إمبراطوريات إعلامية - ستستطيع إخفاء هذه الأوضاع المزرية للعدوان؟!
خيارات صعبة وانتحارية في جوهرها يواجها العدو الآن. فهو يلوح عبر ولد الشيخ بورقة التهديد بالسيطرة على الحديدة! ولكنه يتجاهل بهذا حقيقة توازنه الاستراتيجي الكارثي على الأرض وكل هذه المسيرة التراجعية.
فبماذا سيسقط الحديدة؟! إن حجم القوات البرية المطلوبة لعملية كبرى كهذه تساوي على الأقل -150 ألف مقاتل-عوضاً عما سيتطلب من عتاد وتموين وتكاليف لكل هذه القوات من البر والبحر. فهل العدوان والإمارات وضع هذه الحسابات في الحسبان قبل التصريح بالاستيلاء على الحديدة؟!
إنها "بارانويا" وهستيريا فتاكة تركب رؤوس قادة العدوان جراء شعور فقدان السيطرة المتتالي وصفر النتائج، عوضاً عن الهلع بقيام تسابق إجباري (موضوعي) بين مسار صراع العائلة وصراع الحلفاء، وبين مسار الحرب العدوانية على الأرض اليمنية.. وبرغم كل ذلك، لا يجب تجاهل التهديدات المعادية وما تنطوي عليه من جنون ووحشية ولا نتغافل عن حقيقة ضعف العدو وعجزه عن انجاز هجوم بري جدِّي على الأرض وعجزه البحري كذلك.
إن أموال النفط إذا ما كانت الخزائن لا تزال عامرة بها، فبلا شك بأن مخازن البشر ستنفذ إن لم يكن قد حدث ذلك.. فخسائر العدوان من بدايته، بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى وآلاف المعدات والأسلحة، وتفوق قيمتها ترليوني دولار!!!
في ظل حملة التهديد والدعاية الهادفة لتغطية الانتكاسات والمؤامرات والخطط الجديدة الجاري تصميمها في دوائر العدوان .. يبدو أن هناك استعداداً لحملة عدوانية جديدة.
الحديدة فخ كبير للعدوان وإذا فكر وقرر الغوص فيها فأهلاً وسهلاً به وبجنوده ومرتزقته وبحريته وطائراته، فالحوايا تحمل المنايا، كما كانت أيام الأنصار الأولى منذ بدر وحنين وأحد والخندق وخيبر...، فالتاريخ واحد ممتد في وجداننا وفي الأرض، والرهانات المعقودة على ترامب بعد ابتلاعه المبالغ الضخمة من صفقات الأسلحة هي واهية -على من لا يملك أمره - ولا يملك أكثر مما قد قدمه، فقط المزيد من الأسلحة لا الرجال، فلا يوجد أمريكي واحد يمكنه أن يعيرهم إياه في جبال اليمن وترابها.
نعرف الأمريكي جيداً فهو مجرد كومة من الفضلات الحيوانية تلقى على قارعة الطريق - بحثاً عن أقرب ماخور- غير مستعد للقتال من أجلهم أبداً أو الموت في سبيلهم.. إنهم تماماً كما وصفهم الزعيم (ماو تسي تونغ) بكونهم (نمور من ورق). إن الأمريكان لا شك أنهم مستعدون لقذف الصواريخ من البحر والجو بلا حساب كي تواصل مصانعهم الدوران، نعم، لكن ليس القتال على البر.. فما الذي يدفعهم إلى نزف دمائهم عندنا!! تلك مهام تهم الوكيل الإقليمي الحصري -الذي وجوده مرهون بتلك المهام - وإلا فما مبرر وجوده هنا من الأساس؟!
إن تحركات العدو على الساحل الغربي لتعز الآن تشير لنوايا أخرى يحاول إخفاءها خلف الحملة الجديدة التي يباشرها ولد الشيخ من استعدادات جارية للانتقال إلى الطور التالي من الحملة العدوانية المتواصلة على الساحل الغربي، وأي تحركات تجاه الحديدة ستكون مكملة للحملة الجارية على تعز وغربها الساحلي الهدف الرئيسي الحيوي الآن.
يظهر أن العدو قد حول تركيزه من شمال شرق المخا موزع إلى شن الهجوم تجاه جبال العمري، وهو ما يؤكد حقيقة خسارته في مناطق الكدحة والمفاليس وموزع، وتراجعه عن معركة الهضبة الجبلية مؤقتاً، واندحاره نحو الساحل الغربي مجدداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفكر ومحلل استراتيجي وسياسي - رئيس تحضيرية الحزب الاشتراكي اليمني (ضد العدوان)